عليا قتلت زوجها جورج... جريمة وحشيّة يرتكبها موقع إلكتروني

"أربك زوجان شابان الجميع عندما وجدت الشرطة زوجها متمددا على الارض بلا حراك"، عنوان خبر انتشر على موقع "الفايسبوك"، عن جريمة وحشية ارتكبتها عليا (35 عاما) بعدما طعنت زوجها "المحاسب جورج، حتى الموت، بمدية مطبخ". وقد "اثبتوا انها كانت متورطة، بدليل وجود بصمات اصابعها".


وفي معلومات مشوقة اخرى، اكتشفت عليا ان جورج "اخفى ثروته الجديدة، وانه كان يقيم علاقة غرامية مع عشيقته". صورتان ملتصقتان في صدارة الخبر: الاولى لعليا وزوجها، وفقا لما يزعم الخبر، الى جانبها صورة بيت التقطت ليلا، مع اشارة اسفلها الى اليسار، وبالاحمر: "خبر عاجل- لبنان". وتأكيدا للخبر، التقى مراسل صحيفة "النهار" ميشال حلاق عليا "لتغطية قصتها المثيرة". ملاحظة: هذه الجملة طُبِعت بالخط العريض لاهميتها، ولاضفاء صدقية على الخبر.   


وقائع الجريمة تفرّد بنشرها موقع الكتروني واحد. وكادت تكون "خبطة" الشهر، لولا أمر واحد جوهري ينسفها برمتها: الجريمة ملفقة من أولها الى آخرها، مجرد خيال جامح صنعها لتحقيق غاية ما، بسرعة قياسية. ومن الادلة المهمة المؤكِّدة لذلك: صورة اختلسها الموقع من صفحة ثنائي لبناني في "الفايسبوك"، واسماهما ليسا عليا وجورج. نشر صورة منزل زُنِّر بما يبدو شريط الشرطة، مع اشارة Live اعلاها، و"لبنان- خبر عاجل" اسفلها، بما يخدم غاية التشويق والصدقية. زجُّ اسم صحافي في "النهار" ساءه جدا استغلاله في فبركة خبر عن جريمة، ونشره في "الفايسبوك" وعلى الانترنت، علما انه لم يجرِ اي مقابلة مع أي عليا، بتأكيده. وهذا يعني ان الجريمة برمتها مجرد كذب.   

 "قصص ترفع الروح"! 

بحثا عن مصدر الخبر، انه موقع "The-heroicheart.com". ويعرّف عن نفسه بـ"اننا ملتزمون رعاية المحتوى الأكثر إلهامًا واعلاء وفائدة من كل أنحاء الويب. مهمتنا؟ أنت. ما الذي يجعلنا نختلف عن المواقع الأخرى الاكثر انتشارا؟ لا نتطلع إلى تعزيز مشاهدة صفحتنا فحسب، انما ايضا إلى قصص ترفع روحك، ويمكنها تغيير العالم على الأرجح!"


وخبر "عليا التي قتلت جورج" احدى هذه القصص التي "ترفع الروح" من دون شك، خصوصا ان كاتبها الوهمي يخصص جزءا كبيرا منها ليشرح الطريقة التي جمع بها جورج ثروته، فيسوّق لملهى ليلي على الانترنت، وللعبة سلوتز انترنت، مشجعا على المغامرة لتجربتها بغية الربح، كجورج القتيل. خبر يبدأ بجريمة صادمة، ليقود القراء الى ملهى ولعبة! 

 لا يعلن الموقع صراحة عنوانه، ولا يحدد من يقف وراءه، ولا يعرّف بفريق تحريره، بما يضفي عليه غموضا يعزز الشكوك حول صدقيته وجديته. على صفحته الرئيسية، ينشر عددا محددا من الاخبار بالانكليزية عن الصحة والتكنولوجيا والالعاب التكنولوجية و"الثرثرات" الفنية... أحدثها مؤرّخ في شباط 2018، واخرى ترجع الى عامي 2015 و2016، بما يبيّن انه لا يعتمد الاخبار الحديثة في عمله، ولا يمانع في ابقاء اخبار قديمة في الواجهة، طالما تخدم الغاية.  


والخبر الملفق عن جريمة عليا إحداها. مقالة بالعربية في موقع يستخدم الانكليزية لغة اساسية له! أمر آخر لافت: الخبر ليس معروضا بوضوح في الموقع، اذ يستوجب استخدام محرك البحث فيه لايجاده. وعندما نشره الموقع على صفحته على "الفايسبوك"، اختار أن يدفع مالا لتسويقه، ليحصد اكبر عدد ممكن القراء. 

"نحنا بخير" 

ماذا عن صورة عليا التي قتلت زوجها جورج؟ الصورة المنشورة في الخبر تخصّ ليلى خفاجه وزوجها محمد شباني. وقد اختلسها الموقع من صفحة ليلى في "الفايسبوك". الأمر شكّل مفاجأة غير سارة اطلاقا للثنائي، بحيث اضطرت ليلى الى نشر توضيح على صفحتها تؤكد للاصدقاء "عدم صحة الخبر"، مطمئنة اياهم الى "اننا بخير، وما حدا يعتل همّ". وتمنت عليهم ايضا ان يبلغوا ادارة "الفايسبوك" بأمره.  

 الزوجان يعملان في مجال التصوير الفوتوغرافي. وان يختار الموقع المختلس صورة لهما سببه، في رأيها، "بحثه على الارجح عن صفحات تتمتع بنسبة جيدة من الحركة، بحثا عن الربح المالي. وربما وجد ان صفحتنا تخدم غايته، خصوصا اننا نعمل في مجال التصوير". واذ تستبعد ان يكون هناك "اي سبب شخصي" وراء ما حصل، تشير الى ان الهدف هو على الارجح "تحقيق ربح مالي فقط للموقع".  


"من يعوّض الاذى؟"  

استغلال اسمه في تلفيق خبر الجريمة امر استنكره بشدة مراسل "النهار" ميشال حلاق، خصوصا ان "الخبر كاذب ولا يمت الى الحقيقة بصلة"، و"تم زجّ اسمي في هذا الشكل المريب والسيىء". ورأى ان الهدف هو "توسل الموقع المعني جريدة عريقة تتمتع بجدية وصدقية عالية ولها قيمتها المعنوية عند قرائها ومتابعيها، واسم مراسل معروف بصدقية اخباره".


وتمنى على الجهات الرسمية المعنية "وضع يدها على مثل هذه الامور التي غالبا ما تتسبب باذى معنوي ومادي للاشخاص المُشهَّر بهم والملفق عنهم مثل هذه الاخبار الزائفة". وابدى اسفه "لبقاء الفاعل غير معلوم وخارج اطار المساءلة او المحاسبة. فهذا الخبر الكاذب الذي تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، أضرّ بشخصين لا ناقة لهما ولا جمل، وتسبب بحال من الهلع لدى عائلتيهما والاصدقاء. كذلك أضرّ بجريدة تتمتع بصدقية عالية، وبشخصي ايضا. فمن يعوّض على الجميع كل هذه الاذية؟"  

باتريك! 

بعد ايام قليلة على نشر الخبر في 18 ايار 2018، لم يعد من الممكن ايجاده على "الفايسبوك" او في الموقع نفسه. سحبه من التداول امر آخر يؤكد تلاعب الموقع وزيفه. والمستغرب اكثر استبداله خبر عليا وجورج بخبر آخر يحمل العنوان نفسه: "أربك زوجان شابان الجميع عندما وجدت الشرطة زوجها متمددا على الارض بلا حراك". وهذه المرة، اختار صورة لثنائي آخر مع مضمون مختلف كليا. "باتريك وُجد ملقى على الارض". خبر بلغة عربية ركيكة جدا واخطاء فادحة، الى درجة عدم فهم النص. خبر زائف آخر، يفضح الموقع ومن وراءه.