مزار سيّدة لورد الأوّل من نوعه في الأردن: آلاف الحجّاج في ناعور، والاحتفال كبير

الجدران هناك تحكي التاريخ. خبريات قديمة، وجوه واسماء كثيرة، وآثار توقّع الحضور اللاتيني المسيحي بامتياز. #ناعور، في قلب #الاردن. اسوار عالية تفتح على كنيسة، وتعالت تراتيل في الارجاء. هنا بدأت الحكاية قبل نحو 94 عاما، ولا تزال مستمرة.
باب انفتح، ووراءه باب آخر... خطوات قليلة، ونصل الى #مزار_سيدة_لورد في الاردن الذي "هو شبه أصل عن مزار سيدة لورد العجائبية في فرنسا"، ونال "بركة خاصة" من كنيسة فرنسا. انه "الحلم الكبير الذي تحقق"، بتعبير كاهن الرعية مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والاعلام في الاردن الاب #رفعت_بدر.   

المكان فريد من نوعه في كلّ الاردن. حجاج، صلوات، ورعية نشيطة تستعد لمناسبة كبيرة: زيارة رئيس اساقفة لورد وتارب المطران نيكولا برويه في ايلول المقبل. الى جانب بركات يسبغها المزار على الرعية، يبقى "الحلم الاكبر"، بالنسبة الى بدر، ان "يُساهِم في الشفاء الأكبر المنتظر في شرقنا، وهو ان نشفى من الحروب، وينتشر السلام واحترام الواحد للآخر، والا يزج باسم الله ابدا في الحرب والقتل والتدمير".


"الحلم" بتفاصيله تخبر عنه لوحة كبيرة تستوقف زوار الرعية. "لقد رسمها أحد العراقيين المهجرين الذين استضافتهم الرعية"، على ما يروي بدر. يدل باصبعه على لوحة اخرى بتوقيع الشخص نفسه، وتمثل "التهجير من الموصل". خلال زيارته للفاتيكان عام 2015، قدمها هدية الى البابا فرنسيس.  

عراقيون مهجّرون حضنتهم الرعية في ايام الضيق، وايضا سوريون. ناعور تفتح صفحاتها، لتشهد للتنوع الاسلامي- المسيحي فيها، وايضا لتجذر المسيحيين في الاردن وفاعلية وجودهم وخدمتهم. حضور اللاتين في الاردن "زهي وباهر"، بتعبير بدر، "لكون المؤسسات الكنسية المسيحية تعمل بجد ونشاط، ولكون البطريركية اللاتينية لها حضور وفاعلية، لا بل لها جسور من المحبة مع جمعية فرسان القبر المقدس التي تقدم مساعدات كبيرة الى مؤسساتها، بما يساعدها في اكمال رسالتها".  


ست عائلات كاثوليكية 

في الاردن، يشكل الكاثوليك نحو 45% من اجمالي المسيحيين في الاراضي المقدسة. ويتوزعون على "اللاتين (80 الفا)، والروم الملكيين الكاثوليك (27 الفا)، الى جانب رعايا صغيرة للموارنة والارمن الكاثوليك والسريان الكاثوليك، وآلاف الكلدان الآتين من العراق"، وفقا لارقام أعدها المركز الكاثوليكي للدراسات والاعلام في عمان عن الكنيسة الكاثوليكية في الاردن، ونشرها في كتاب في مناسبة زيارة البابا فرنسيس للاردن في ايار 2014.


العائلات الكاثوليكية ست: بطريركية لاتينية لديها 32 رعية والعديد من المؤسسات الكنسية، كنيسة للروم الملكيين الكاثوليك لديها 29 رعية منتشرة من شمال المملكة الاردنية الى جنوبها، كنيسة للموارنة يرجع اول اعتراف رسمي اردني بها الى تموز 1958، وكنيسة كلدانية تتمثل في نيابة البطريركية الكلدانية تأسست عام 2002 بعد تزايد عدد الكلدان في الاردن بسبب الحرب في العراق. وهناك ايضا الكنيسة الارمنية الكاثوليكية، والكنيسة السريانية الكثوليكية، اضافة الى 24 رهبانية مختلفة، رجالية ونسائية، "تعمل في حقول متعددة في المجتمع"...  


ذاكرة ناعور  

ضمن هذه الفسيفساء الكاثوليكية المتنوعة في الاردن، تبرز ناعور، هذه البلدة الواقعة على مسافة 150 كيلومترا جنوب غرب عمان. هنا "بدأت الحياة مع قدوم الشركس عام 1878 بسبب غزارة المياه في المنطقة"(*). سكانها المسيحيون كانوا في البداية من الروم الارثوذكس، قبل ان تنشأ رعية لاتينية عام 1924، وكان الاب فيليب تالفاكيا اول كهنتها. عدد اللاتين بلغ يومذاك "180 من اصل 1500، منهم 1320 شركسي وبدوي"(*).


اول كنيسة للاتين في ناعور بنيت عام 1927، و"بقيت حتى عام 1949"، قبل ان يقع سقفها خلال شتاء قاس، ويصبح تصليحها مستحيلا. كاهن جديد شاب يتم تعيينه عام 1950. الاب جريس نعمه. في ذاكرة ناعور، "خبريات" عنه وعن الجسر البدائي من حجر الذي بناه- ويُعرف بـ"جسر الخوري"- ليقطع به مجرى الماء في الوادي الذي كان يتحول مجرى ماء جارف في فصل الشتاء. بفضل وساطته، تم تزفيت الشارع الذي يربط بين البلدة وعمان، وبنيت مدرسة جديدة للاولاد...  

بالنسبة الى بناء كنيسة جديدة للرعية، يجب انتظار 6 سنوات قبل ان تنفرج بفضل "تدخل العناية الالهية لتستجيب لصلوات الاهالي"، على ما يؤمن ابناء الرعية. الكنيسة "بُنِيت بطريقة عجيبة"، وفقا لبدر. في التفاصيل، "قدّم اولاد المرحومة ماري معمارباشي الخمسة (من الغسانية-حلب) مبلغا من المال الى بطريرك اللاتين آنذاك البرتو غوري عن روح والدتهم المتوفاة. وكان المبلغ كافيا لبناء الكنيسة"(*).   


في احدى زوايا الكنيسة، تؤرخ لوحة من الرخام لهذه التبرع الذي ساهم في تغطية نفقات بناء الكنيسة الجديدة. وقد أُنجِزت بين 1955 و1956. وكرّسها البطريرك في 17 ايار 1958 في احتفال كبير. "وتمت الفرحة"، وحملت اسم "قلب يسوع الاقدس".  


21 كاهنا تعاقبوا على خدمة رعية ناعور منذ 1924. اليوم تعدّ "نحو 80 عائلة، اي نحو 240 شخصا"، على ما يفيد بدر. "مجموع اللاتين في الاردن لا يعني بالضرورة الحضور، لان هذا الحضور اكبر بكثير من هذا العدد. لدينا مدارس ومستشفيات وجامعة، ومؤسسات خيرية. حضور كنيسة اللاتين في الاردن مشرّف، واكبر بكثير من نسبة مئوية للسكان. لقد تخطينا عقلية الاقلية والحضور الضيق تبعا للنسبة المئوية للسكان. نتكلم حاليا على حضور قوي للمسيحية في الاردن".  

الاول في الاردن 

رعية ناعور نمت على مر العقود. الى جانب دير الكاهن الذي انشىء عام 1937، هناك ايضا دير لرهبات الوردية عام 1951، مقر للشبيبة، اخويات، وقاعة للرعية... من معالم البلدة التي تشهد لهذا النمو، مزار سيدة لورد، الاول من نوعه في الاردن، والذي نال "بركة خاصة" من رئيس اساقفة لورد المطران برويه عبر رسالة رسمية وجهها الى الرعية. المزار "حلم كبير"، بتعبير بدر، وامكن تحقيقه بفضل تبرعات "الخيّرين" من ابناء ناعور وارجاء الاردن واصدقاء في الخارج، وبجهود اهلية حثيثة: الهندسة لابنة الرعية المهندسة نسرين نعمات، والانجاز لعامل سوري مسلم، بمشاركة عدد من المهجرين العراقيين في البلدة.


وبذلك، "امكننا بناء مغارة شبه الاصل عن مغارة سيدة لورد في فرنسا"، على قول بدر، و"اصبح لدينا مزار سيدة لورد في الاردن". مساء السبت 2 ايار 2015، دشّنه النائب البطريركي للاتين في الاردن المطران مارون لحام وباركه بمياه لورد المقدسة. احتفال حاشد شكّل فاتحة لزيارة آلاف الحجاج، ولاحتفالات لاحقة عنده: في عيد الميلاد في كانون الاول 2015، اضيئت "شجرة الوحدة الوطنية" بمشاركة عدد من الرسميين ورجال دين مسلمين ومسيحيين. وفي التاريخ نفسه، تم الانتهاء من اعمال بناء اسوار الكنيسة، بفضل تبرعات ابناء الرعية في الخارج.  


وكما في فرنسا، كذلك في الاردن. في 11 شباط 2016، احتفل المطران لحام في ناعور بالعيد الاول لسيدة لورد الذي يتزامن مع اليوم العالمي للصلاة من اجل المرضى. تدشين قاعة سيدة لورد، وهناك ايضا بستان القديسة برناديت. وفي 15 ايلول 2018، تستضيف الرعية المطران برويه الذي "ابدى رغبة في زيارة مزار سيدة
لورد- الاردن والصلاة فيه، لانه يسمع عنه الكثير"، على ما يقول بدر. وسيقام قداس احتفالي في الساحة.    

بعد 91 عاما على انبعاث رعية اللاتين في ناعور، و60 عاما على بناء كنيسة قلب يسوع الاقدس فيها، يأتي المزار، "الاول للسيدة العذراء في الاردن"، ليضيء عليها. للوصول اليه، يمر الحجاج تحت "اسوار" ارتفعت حول الكنيسة كـ"قلعة قديمة". وحركتهم بركة. العام الماضي، بلغ عددهم نحو "10 آلاف"، وفقا لبدر.


قبل المزار، "لم تكن رعية ناعور مذكورة كمحج"، على ما يتدارك. بعد تشدينه، "اصبحت مزارا معترفا به رسميا، من السلطتين الكنسيتين، في الاردن وفرنسا، وايضا من السلطات الرسمية الاردنية، لا سيما وزارة السياحة التي ستضع لافتات في الشوارع لتدل عليه، اضافة الى لوحة سياحية رسمية".  


ناعور، هذه البلدة القديمة جدا. من خصوصياتها ايضا، "التنوع السكاني، بحيث تضم مسلمين ومسيحيين، في مجموع نحو 167 الف نسمة". وما تشهد له، مع غيرها من البلدات، هو "اندماج المسيحيين بقوة في المجتمع الادرني، وانهم فاعلون اساسيون في تنمية المجتمع الاردني، لا سيما في المجال التربوي والثقافي والخدمات وتقديم المساعدة للمحتاجين".      

(*)رعية اللاتين في ناعور تاريخ وتأسيس الرعية، كتاب، المطران مارون لحام، مطبعة البطريركية اللاتينية-القدس، 2016. 

Hala.homsi@annahar.com.lb