تحية إلى نائب سابق لاعنفي من "القوات اللبنانية"

غسان صليبي

خرج النائب ايلي كيروز من الندوة البرلمانية وتحول إلى نائب سابق.

هو لم يخسر الانتخابات.

 فهو لم يترشح لها اصلا، وبقرار من حزبه، حزب القوات اللبنانية، ولاعتبارات لها علاقة بقضاء بشري، ولعدم حصر التمثيل بمدينة بشري لوحدها.

لم يكن ايلي كيروز يشبه زملاءه النواب، بمن فيهم نواب حزبه.

لم يكن يشبههم لا بتواضعه ولا بمشيته ولا بنبرة صوته الخافتة، ولا بانتمائه الاجتماعي والطبقي.

لم يكن يشبههم خاصة باهتماماته التشريعية.

كانت اهتماماته التشريعية متعددة، لكني سأتوقف عند أربعة منها، جرى التركيز عليها.

اولا، تعديل قانون العقوبات لإلغاء ما ينص عليه من إعفاء المغتصب من العقوبة، في حال تزوج من المرأة التي اغتصبها. وقد نجح في ذلك متعاونا مع الجمعيات النسائية.

ثانيا، اقتراح قانون لمنع تزويج القاصرات وتحديد عمر الثمانية عشرة حدا ادنى للزواج. وهنا ايضا بالتعاون مع الهئات النسائية.

ثالثا، اقتراح قانون لتعديل المادة 50 من قانون العمل بهدف حماية العمال من الصرف التعسفي من العمل.

رابعا، حصر اختصاص المحاكم العسكرية بالجرائم العسكرية، وخضوع الجرائم الاخرى لكافة المواطنين، بما فيها العسكريين، للمحاكم العدلية. 

الجامع بين الاهتمامات التشريعية الاربعة هو مواجهة العنف القانوني، من خلال التمسك بحقوق الفئات المستضعفة: الاطفال والنساء والعمال والمتهمين بجرم.

من خلال التشريعات الاربعة، واجه ايلي كيروز خمسة انواع من السلطة يقوم عليها مجتمعنا التقليدي: سلطة الأهل وسلطة الرجل وسلطة رجال الدين وسلطة الرأسمالي وسلطة العسكر.

لهذا السبب بدا لي ايلي كيروز مناضلا حقوقيا لاعنفيا، هو الذي ينتمي إلى القوات اللبنانية، التي تحولت من ميليشيا إلى حزب سياسي.

هو الذي كان عقائديا، عندما كانت القوات ميليشيا، مع خليط من النزعات المسيحية واليسارية.

لكن هو ايضا من ضرب وسجن بعد أحداث 7 آب 2001. ولعل الاضطهاد الذي لحق به هو ورفاقه من قبل النظام الأمني اللبناني السوري، بعد توقيف سمير جعجع وسجنه، ومن ثم مقاومته لهذا الاضطهاد بالوسائل اللاعنفية، هو ما رسخ في شخص ايلي كيروز قيم حقوق الانسان.

لا اعرف الى اي مدى يمثل ايلي كيروز اتجاها عاما داخل حزبه. ما اعرفه هو ان نموذج ايلي كيروز جرى احتضانه من قبل حزبه، ولو ان عدم اعادة ترشيحه إلى الانتخابات النيابية، يترك ظلالا من الشك حول صلابة هذا الاحتضان.

وهذا ما يحيلنا الى رئيس الحزب الذي يتحكم عادة بالقرارات الرئيسية، بسبب ضعف الديمقراطية الداخلية في كافة الأحزاب اللبنانية.

انا شخصيا لا اعرف سمير جعجع، الا من خلال الإعلام او من خلال ما يقوله عنه محبوه او مبغضوه.

علاقتي الوحيدة غير مباشرة بالرجل، وهي تعود إلى أيام الجامعة، عندما عرضت لي مسرحية "صريخ ع صوت واطي" في كلية الاعلام، وكان سمير جعجع لم يتسلم بعد مسؤوليات قيادية رئيسية في القوات اللبنانية.

المسرحية تتكلم عن موظفين اثنين، يلتقيان بالصدفة في مكان مقفر تعودا الذهاب إليه، كل لوحده، ليصرخا ضد الحرب، التي كانت تحولت إلى قصف عشوائي ضد المواطنين.

قيل لي وقتها، وقد كنت غائبا عن العرض، ان سمير جعجع حضر المسرحية ودعا الممثلين الى خشبة المسرح بعد العرض، وعبر عن معارضته لهذه "النزعة السلمية" التي تضعف من المعنويات القتالية.

ارجو ان يكون موقف الرجل قد تغير اليوم، بعد ان اعتذر لللبنانيين الذين كان قد أساء اليهم ابان الحرب، وخاصة بعد ان اختبر، وحده من بين أمراء الحرب، عنف السجون والتعذيب الجسدي والمعنوي.

كما ارجو ان يكون موقفه من سلاح حزب الله، موقفا مبدئيا معارضا للسلاح بيد كافة الجماعات الاهلية، وليس فقط انعكاسا لانتمائه الى محور إقليمي مناقض.

ليس الغرض هنا مناقشة توجهات القوات اللبنانية، وان كان الظرف ملائما لذلك، بعد نجاحها الملفت في الانتخابات النيابية.

 والكثير من المؤشرات تستحق التوقف عندها.

من الاداء الوزاري الجيد، الى تبوء إمرأة الأمانة العامة، إلى التمثيل الواسع في الأوساط الطلابية، إلى اللوائح الانتخابية المتجانسة نسبيا بالمقارنة مع اللوائح الاخرى، إلى تمثيل المرأة في اللوائح ولو في المواقع الثانوية.

لكن ما يهمني أكثر في هذا النص، هو الاستفادة من تجربة ايلي كيروز، للدعوة الى تغيير النظرة نحو البشر ونحو الأحزاب السياسية في ان واحد.

فالانتماء السياسي لا يحدد وحده شخصية الانسان، وهو لا يختصرها اطلاقا. 

لا بل ان الأفكار المسبقة الخاطئة عن بعضنا البعض، يعود معظمها الى التصنيفات السياسية والمذهبية، والى تمسكنا بالماضي المتصل بالحرب، على حساب افعال الحاضر.

والاحزاب كما البشر، قابلة للتغيير.

 وعلينا ان نحسن قراءة هذا التغيير وان نتجرأ على الاعتراف به، لأنه دليلنا الى الانفتاح والتلاقي.

لك مني ايلي كيروز، كل الشكر والتحية، فلقد كنت تمثلني كنائب مناصر لحقوق الانسان، رغم التباين في بعض توجهاتنا السياسية.