هل أكّدت الضربة الأخيرة أنّ سوريا ليست مشكلة واشنطن؟

هذه التصريحات، ولو جاءت بناء على انفعالات ظرفيّة ربّما، غابت بعد قصف التحالف الثلاثيّ مراكز أبحاث وتخزين كيميائيّة في #دمشق و #حمص. وانحصرت البيانات بإعلان تدمير أساس البرنامج الكيميائيّ في سوريا من دون التطرّق إلى مصير الأسد ولا حتى إلى مستقبل الحلّ السياسيّ في البلاد. يعطي هذا الفرق في مضمون التصريحات مؤشّراً بارزاً إلى أنّ الغرب طرح هذا الملفّ جانباً لصالح التأكيد على خطوطه الحمراء المرتبطة بمنع استخدام أسلحة محرّمة دوليّاً. وقد يعود ذلك إلى المكاسب الميدانيّة التي حقّقها الجيش السوريّ خلال المرحلة الأخيرة ضدّ المعارضة المسلّحة بما يعني أنّه قد فات الأوان بالنسبة إلى أيّ تحرّك غربيّ مفترض. لكنّ البعض غير مقتنع بفرضيّة فوات الأوان بالنسبة إلى الحرب السوريّة أو أيّ حرب أخرى عموماً.


الأسلحة الكيميائيّة: عارض للمشكلة الحقيقيّة

تشرح رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد "تشاتهام هاوس" البريطانيّ الدكتورة ليندا الخطيب أنّ معاقبة الأسد عسكريّاً لاستخدامه السلاح الكيميائيّ، بصرف النظر عن حجمه لن ينهي النزاع. وإذ تشير في مقالها ضمن صحيفة "الغارديان" إلى أنّ صمود الأسد والمعارضة لسبع سنوات هو مؤشّر إلى أن لا إمكانيّة لأي جهة في حسم الأمور عسكريّاً، تؤكّد أن "لا نزاع في التاريخ وصل مطلقاً إلى نقطة ‘متأخرة جدّاً لفعل أي شيء‘ حياله". وترى أنّه من الضروريّ "عدم نسيان في النهاية أنّ الأسلحة الكيميائيّة ليست المشكلة الأساسيّة في سوريا – هي عارض للمشكلة الحقيقيّة وهي (بقاء) نظام الأسد في السلطة".

أثبت الغرب وجود استراتيجيّة أو على الأقل رؤية واضحة حول وجوب تحريم اللجوء إلى استخدام السلاح الكيميائيّ أكان عبر ردّه العسكريّ على هجمات خان شيخون ودوما في سوريا أو عبر ردّه الديبلوماسيّ على محاولة تسميم الجاسوس المزدوج في سالزبوري. لكن يبدو أنّ سوريا لا تستطيع استيعاب استراتيجيّتين لإنهاء استخدام الكيميائيّ وإنهاء الحرب في آن معاً. لا بل إنّ الأولى تكاد تنفي الثانية.


الضربة على سوريا لا ترتبط بسوريا

رأى روبرت دانين أنّ "هجمات الرئيس ترامب على سوريا لا ترتبط بسوريا" كما عنون مقاله موقع "مجلس العلاقات الخارجيّة". وكتب أنّ مواصلة الرئيس الحاليّ في فصل الملفّ الكيميائيّ عن النزاع السوريّ يُعتبر استمراراً لافتاً لمقاربة سلفه حول الحرب الدائرة هناك. فقد ركّز كلاهما على السلاح الكيميائيّ وداعش لكنّ الفرق الوحيد بين الرئيسين أنّ أوباما تراجع عن ضرب هذه الأسلحة فيما أصرّ ترامب على المضيّ في تنفيذ خطّه الأحمر. وأضاف الكاتب: "لكن حين يصل الأمر إلى سوريا بشكل أوسع، يتّفق الرئيسان: سوريا ليست حرب أميركا".

إنّ هذا التحليل تؤكّده التصريحات الأميركيّة الأخيرة. فاعتبار ترامب أنّ "المهمّة أنجِزت" ورفض البيت الأبيض الضمنيّ لما جاء على لسان الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون عن تمكّنه من إقناع ترامب في إبقاء جيشه على الأراضي السوريّة يبرزان هذا التوجّه أكثر. حتى الحديث الإعلاميّ الأوّليّ عن تشكيل قوّات عربيّة وإرسالها إلى سوريا يجري التداول به ضمن سياق الحلول محلّ القوّات الأميركيّة لا العمل بجانبها.

وكان لكلام ترامب أيضاً سياق مشابه استشفّ منه دانين غياب الرغبة الأميركيّة بالتحرّك مستقبلاً لإيجاد حلّ سياسيّ في سوريا. فحين قال الرئيس الأميركيّ إنّ "الولايات المتّحدة ستكون شريكاً وصديقاً لكنّ مصير المنطقة في أيدي شعوبها"، عنى بذلك أنّ مشاكل الشرق الأوسط ومن ضمنه سوريا ليست مشاكل واشنطن كي تقوم هي بإصلاحها. والتأكيد على أنّ الولايات المتّحدة ستكون "شريكاً وصديقاً" ينطوي أيضاً على فكرة أنّها "لن تكون قائداً" في إيجاد حلّ سياسيّ على ما أشار إليه.


حتى الردع لم يتحقق؟

وكما استطاعت واشنطن أن تتزعّم تحالفاً غربيّاً لمهاجمة البرنامج الكيميائيّ للأسد، كان باستطاعتها قيادة التحالف نفسه من أجل التحضير لمرحلة انتقاليّة في سوريا لو أرادت. لكنّ النوايا الأميركيّة حول ذلك غير متوفّرة اليوم. رئيس "مجلس العلاقات الخارجيّة" ريتشارد هاس كتب في شبكة "برودجكت سنديكايت" الإعلاميّة أنّ "الهجمات الصاروخيّة ليست استراتيجيّة لسوريا". بغضّ النظر عن هذا الواقع الذي تعترف به واشنطن، من اللافت للنظر أنّ الاستراتيجيّة الموجودة لدى الولايات المتّحدة بخصوص البرنامج الكيميائيّ السوريّ قد لا تكون فعّالة بشكل كامل هي الأخرى. بمعنى أنّه لو كان هدفها ردعيّاً كما يقول الأميركيّون، "فإنّه بعيد عن أن يكون واضحاً ما إذا كان ترامب قد حقّق هذا التأثير الردعيّ". ويضيف هاس أنّ "الضربة الأصغر إلى حدّ ما والتي تمّ شنّها منذ سنة فشلت في تغيير السلوك السوريّ وليس أكثر ترجيحاً أن يقوم الهجوم الأخير بذلك".

من هنا، يظهر على الأرجح أنّ الواقع لا يكمن في اقتناع واشنطن بأنّ أيّ تدخّل لها في الحرب السوريّة اليوم سيأتي متأخّراً بل ربّما في اقتناعها بأنّ سوريا ليست معركة واشنطن. وهذا ما تبرزه التصريحات والتصرّفات الأميركيّة يوماً بعد يوم.