إلى البطريرك الراعي... "اضرب بعصاك"!

يكفي. الصرخة التي نرفعها اليك غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، من ألم القلب، سببها وضع مأزوم، مخيف، لم يعد يجوز السكوت عنه، او انتظار بيان موعود به من بكركي. الصمت في هذه الحالة لم يعد شيء يبرره، لان ما تؤول اليه الامور يزيد الخجل خجلا، والتدهور تدهورا، فيما المسيحيون في لبنان، خصوصا الموارنة، في امس الحاجة الى التقارب واللحمة والتضامن بينهم، وليس الى التباعد والانقسام وتبادل الاتهامات والتجريح.


هل اطلعت "سيدنا" على "نشر الغسيل" الوسخ والمعيب على وسائل التواصل الاجتماعي؟ لا شك في انك فعلت، ولست راضيا بالتأكيد. وربما في الفم ماء، لكن سكوتك عن الغلط لم نعتده منك! من ساعات قليلة، شكّل فيديو "خبطة" لبعضهم على وسائل التواصل الاجتماعي، حول تناول مؤمنين القربان المقدس بايديهم، في حضور كاهن ماروني، لاتهام هذا الكاهن بالتحديد. و"هلّق قايمة القيامة". وقبله، صورة تشهّر به وبوجوه كنسية اخرى مع بوست يتهمهم علنا بالدفاع عن "الهرطقة". 11 اسما بالتحديد، ولا نذكرها منعا للاساءة.   


ماذا يجري؟ قبل يومين، شنّ فريق من المؤمنين هجوما على راهبة لكتابتها "بوست" عن الصوم على صفحتها في "الفايسبوك"، واعتبروه تأكيدا لهرطقتها. دافع عنها كاهن بإهانة، فردوا له الصاع صاعين. وقبل نحو اسبوع، نشرت جهة من هؤلاء ايضا فيديو "يواجه" الكاهن اعلاه بـ"اخطاء" قالوا انه ارتكبها في معرض دفاعه عن كاهن آخر اتهموه بـ"اهانة مريم العذراء والهرطقة".   


الاب رمزي جريج اللعازري. تتذكر بالطبع ما تسببت به حلقته عن مريم العذراء من ردود فعل عنيفة عند فئات من المسيحيين، بينهم كهنة ولاهوتيون، بلغت حد نشر فيديوات وبوستات "ترد على هرطقته"، بالاستناد احيانا كثيرة الى مقتطفات من تعليمك. وللاسف لا تزال تداعيات هذه القضية متأججة، متورمة للغاية. يومذاك اصدر النائب الرسولي للاتين في لبنان المطران سيزار آسيان بيانا اكد فيه صوابية تعليم جريج، وزارك بهذا الخصوص. غير ان بيانه لم يرض فئة من المؤمنين الذين صبوا غضبهم عليه، بشتى النعوت المسيئة اليه. ولم يعلّق.  


بكركي ايضا لم تقل شيئا، ولم تصدر بعد بيانا بهذا الشأن، رغم المطالبة بالاسراع في ذلك. وننتظر! في غضون ذلك، لحقت اتهامات برهبان مريميين "لسكوتهم وعدم دفاعهم عن مريم العذراء"، وايضا بمطارنة موارنة كُتِب انهم يغطّون جريج، و"يقفون وراء تعليم مسيحي ليس من تعليم الكنيسة الكاثوليكية"، وان "ذئابا تحيط بك". هل هناك بالفعل تعليم يتولى مطارنة وكهنة "متواطئون" نشره حاليا، ويتعارض مع تعاليم الكنيسة؟  


"تفلت في التعليم"

همّك في هذا الشأن تحديدا عبّرت عنه صراحة امام اترابك، في افتتاح سينودس الاساقفة الموارنة في حزيران 2017. قلت يومذاك في كلمتك: "بين القضايا المقلقة، التعليم البيبلي واللاهوتي والعقائدي والأخلاقي، إذ نلحظ تفلتًا في التعليم، والظهور على الوسائل الإعلامية، من دون استئذان السلطة الكنسية، يتسبب بتشكيك المؤمنين. فيتوالى إلينا العديد من الشكاوى. وبعد التشاور في هذا الموضوع في اجتماعاتنا، أنشأنا لجنة أعدت لنا "مشروع إرشاد لاهوتي راعوي لتصويب التعليم في كنيستنا"، فننظر معًا في أهمّ ما جاء فيه".  


"تصويب التعليم". المهمة اطلقتها، ولا ندري ماذا تم تحقيقه في هذا المجال لوقف هذا "التفلت" في التعليم. وربما هذه الحروب المتفلتة على وسائل التواصل الاجتماعي بين كهنة ومؤمنين، من الجهتين، جهة "المدافعين عن جريج" وجهة متهميه بالهرطقة ورافعي لواء الدفاع عن الكنيسة، دليل اكيد على ان شيئا ما ليس على ما يرام، ويستوجب تدخلا سريعا وفاعلا. الظاهرة مقلقة للغاية: فيديوات وبوستات، من هنا وهناك، كل يوم او بضعة ايام، وهكذا طوال اكثر من شهرين. مواجهة مباشرة، ورسائل تعلن للاسف الحرب على وحدة الكنيسة نفسها، على ابنائها.   


نعم، "مؤمنون يتشككون" بسبب تعليم هذا او ذاك. كيف يمكن استفزازهم في ايمانهم، وحتى السخرية من "عدم فهمهم" و"محدوديتهم" و"تخلفهم"، فيما الكنيسة لا تتدخل لوقف الاساءة والتقريب بين الابناء؟ وكيف يمكن اتهام كهنة وراهبات بالهرطقة، فيما الكنيسة لا تحرك ساكنا للتحقق او التصويب، للدفاع عنهم او منعهم؟ هل اصبح اللاهوت مباراة في الاستعلاء والادعاء والتجريح؟  


البابا فرنسيس. و"يتناتش" بعضهم اسمه لموقع هنا او صفحة هناك، طمعا بالشرعية والقوة، بينما يجرؤ آخرون على التطاول عليه من خلال تعليقات واتهامات مسيئة ينشرونها على صفحات تضم مؤمنين لبنانيين من ابناء الكنيسة. "لبنان الرسالة"، على ما اعلنه البابا القديس يوحنا بولس الثاني. لم ننس، ولا ننسى. وتوصية عبّر عنها اخيرا البابا فرنسيس لوفد من الكهنة الموارنة بأن "يعملوا بين شعبهم كإخوة للجميع، كي يكون لبنان نورا لشعوب المنطقة، وعلامة للسلام الآتي مِن الله".     


يكفي. صرخة نرفعها اليك غبطة البطريرك. وجع يحضنا على كتابة هذه السطور، ليس دفاعا عن اي جهة، وليس ادانة لاي احد، بل طلبا منك بالحاح ان تضرب بعصاك كل زارع للشرخ، ومفرط في نفوس المؤمنين، ومبدد للايمان، ومؤلب على الكنيسة وتعاليمها، ايا يكن. واذا لم نكتب من قبل ولم ننشر اخبار هذه الحروب المعيبة المستمرة منذ اكثر شهرين، فذلك بقرار واع، حرصا على الكنيسة التي يبدو ان كثيرين لم يعودوا يعبأون بها وبوحدتها.   

ايها الراعي الذي أُعطِيتَ مجد لبنان، كلّ لبنان، تكلّم ولا تتأخر، واجمع الخراف.

Hala.homsi@annahar.com.lb