واشنطن تطلق استراتيجيّتها النوويّة.. "حقبة جديدة من الانتشار النووي"؟

جورج عيسى

"الآن، بالحديث عن الموضوع، هي تتكلّم بقسوة ضد روسيا، لكنّ برنامجنا النووي تراجع بعيداً (عن برنامج الروس) وقد أصبحوا جامحين في برنامجهم النووي. هذا ليس جيداً. كان يجب على حكومتنا ألّا تسمح لذلك بالحدوث. روسيا حديثة على الصعيد النووي ونحن هرمون ومتعبون على الصعيد النووي. شيء سيّىء جداً". وبغضّ النظر عن انتقاد بعض الخبراء في الشأن النوويّ للمقارنة التي عرضها ترامب، يبقى أنّ التوجّه النوويّ الأساسيّ للإدارة الأميركيّة الحاليّة سيكون مبنيّاً على مزيد من التشدّد. وزير الدفاع جايمس ماتيس وصف السياسة الجديدة بأنّها "نظرة إلى العالم كما هو، لا كما نتمنّى أن يكون". وكتب ماتيس في مقدّمة الوثيقة المؤلّفة من 75 صفحة أنّ السياسة الجديدة هي "ردّ على توسيع روسيا قدرات وطبيعة استراتيجيّتهم وعقيدتهم".


"افتراضات متغطرسة"

أكّد مساعد وزير الخارجيّة في الشؤون السياسيّة توماس شانون أهمية "الحفاظ على قدراتنا كي تستطيع الولايات المتّحدة الردّ بحزم عبر الطيف الكامل للسيناريوهات النوويّة وغير النوويّة المحتملة". لكنّه شدّد في الوقت نفسه على أنّ واشنطن لن تلجأ إلى هذا السلاح إلّا "في ظروف قصوى لحماية المصالح الحيويّة للولايات المتّحدة وحلفائها وشركائها". وكان شانون من بين مسؤولين آخرين في وزارات الدفاع والخارجيّة والطاقة يشرحون السياسة الأميركيّة الجديدة إلى وسائل الإعلام. وذكرت الاستراتيجيّة إضافة إلى الصين أيضاً، النظام الكوريّ الشماليّ كتهديد نوويّ في إطار "سعيه غير المشروع (للحصول) على أسلحة نوويّة وقدرات صاروخيّة". وتطرّقت الوثيقة إلى #إيران التي على الرّغم من توقيعها على الاتّفاق النوويّ، "تتمتّع بالقدرة التكنولوجيّة والكثير من الإمكانات الضرورية لتطوير سلاح نوويّ خلال سنة من اتّخاذها القرار بذلك". وأتى الردّ الصينيّ يوم أمس الأحد واضحاً لجهة انتقاده السياسة الأميركيّة الجديدة إذ قال الناطق باسم وزارة الدفاع الصينيّة ران غووكيانغ إنّ هذه الاستراتيجيّة بنيت على "افتراضات متغطرسة". وبعدما أشار إلى أنّ الولايات المتّحدة تملك أكبر ترسانة نوويّة في العالم، دعاها إلى التخلّي عن "عقليّة الحرب الباردة".


"رهان خطير"

لكنّ وكالة "أسوشييتد برس" الأميركيّة أوضحت أنّ ذكر إيران وكوريا الشماليّة والصين ضمن لائحة التهديدات النوويّة لا يحجب كون روسيا هي المعنيّة الأولى بالموضوع. ووصف وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي لافروف السياسة الأميركيّة الجديدة بأنها سياسة "مواجهة" معرباً عن "خيبة أمل" روسيّة في هذا المجال. وجاء الردّ الروسيّ قبل مرور 24 ساعة على إصدار البنتاغون الاستراتيجيّة النوويّة الجديدة. وأوضحت الوثيقة أنّ "استراتيجيّتنا ستضمن أن تفهم روسيا أنّ أيّ استخدام للأسلحة النوويّة، مهما تكن محدوديّته، هو غير مقبول". ونقلت وكالة "تاس" عن السيناتور الروسيّ فرانتز كلينتسفيتش قوله أمام مراسلين: "إنّها ليست المرّة الأولى في التاريخ حيث تقوم الولايات المتّحدة بِرهان خطير على كسر توازن القوى العالميّ لمصلحتها".


ترامب يوضح

حين انتشرت الأخبار في الولايات المتّحدة عن أنّ وزير الخارجيّة ريكس تيليرسون نعت الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب ب "الأحمق"، كان السبب وراء هذا النعت المفترض هو غضب الأوّل من نظرة ترامب إلى الترسانة النوويّة خلال اجتماع داخل البنتاغون في 20 تمّوز الماضي. فقد امتعض الرئيس الأميركيّ من سياسة تقليص الدول الكبرى لترسانتها النوويّة، وفي مقدّمتها الولايات المتّحدة، مبدياً رغبة بمضاعفة الترسانة النوويّة الأميركيّة عشر مرّات. لكن مع مرور الوقت، يبدو أنّ ترامب يذهب باتّجاه اعتماد مقاربة أكثر واقعيّة إلى الانتشار النوويّ. في بيان مقتضب أصدره البيت الأبيض، طمأن المجتمع الدوليّ إلى أنّ سياسته ستجعل "استخدام الأسلحة النوويّة أقلّ احتمالاً" من خلال تعزيز "ردع الهجمات الاستراتيجيّة ضدّ أمّتنا، حلفائنا وشركائنا". وأضاف أنّ الاستراتيجيّة تعيد تأكيد الالتزام الأميركي بعدم الانتشار النووي. ومع ذلك، لا تعني الواقعيّة بالضرورة اتّباع سياسة أقلّ جرأة في هذا المجال، خصوصاً أنّ "الواقعيّة" التي أشار إليها ماتيس، تأخذ بالاعتبار "التهديدات" الروسيّة بحسب وجهة النظر الأميركيّة.



إنّ تشديد واشنطن على الهدف الردعي لهذه السياسة وعلى عدم الركون إلى استخدام هذه الأسلحة إلّا في الحالات القصوى، لم يعنِ أنّ الإدارة الجديدة لم تتخلّ عن مسار السياسة السابقة للرئيس أوباما في بعض أوجهها على الأقلّ. فالإدارة السابقة أمرت بإطلاق مشروع تحديث شامل للأسلحة النوويّة وستستمرّ الإدارة الحاليّة بالعمل وفقاً لآليّاته. لكنّها ستلجأ أيضاً إلى إنتاج مزيد من الأسلحة النوويّة المحدودة التأثير (أقلّ من 20 ألف طنّ) وهو يعطي الولايات المتّحدة قدرة أكبر على الردع وحتى على الاستجابة لتهديدات نوويّة محتملة، وهذا يشمل خصوصاً الصواريخ التي تُطلق من الغوّاصات.


ما الذي يخيف واشنطن لدى موسكو؟

يشرح بول سون في صحيفة "ذا واشنطن بوست" الأميركيّة أنّ دعوة #واشنطن الجديدة أنهت جهود الإدارة السابقة في تقليص حجم ونطاق الترسانة النوويّة وتقليص دور الأسلحة النوويّة في التخطيط الدفاعيّ. فأوباما استند إلى ما سمّاه الواجب الأخلاقيّ للولايات المتّحدة بقيادة العالم كمثال في مجال التخلّص من الأسلحة النوويّة، لكنّ الإدارة الجديدة ترى التوجّه الأميركي القديم على أنّه مثاليّ، بعدما قال مسؤولوها إنّ القوى النووية الأساسيّة زادت عدد وأنواع الأسلحة النوويّة في ترسانتها. وأضاف أنّه على الرغم من التركيز على توسيع مروحة الأسلحة النوويّة المحدودة التأثير (التكتيكيّة) التي تطلقها غوّاصات أميركيّة، فإنّها قادرة على إنزال الضرر نفسه الذي أنتجته قنبلتي ناغازاكي وهيروشيما. وأوضح أنّ روسيا تملك مروحة واسعة من الأسلحة النووية الصغيرة الحجم التي تفتقر إليها واشنطن، وهنا يتخوّف الأميركيّون من أن تستخدم #موسكو هجوماً نوويّاً محدوداً ضدّ حليف لها ما يمنع الإدارة من إرسال جنودها لإنقاذ تلك الدولة. وبذلك، لا يريد البنتاغون أن يكون ردّ فعله محصوراً بين الأسلحة التقليديّة أو الأسلحة النوويّة الفائقة التدمير، بل يرغب بالردّ عبر حلّ وسط من خلال أسلحة نوويّة تكتيكيّة.



وكان غريغ ويفر، نائب مدير القدرات الاستراتيجيّة في هيئة الأركان، قد تحدّث أمام المراسلين عن وجود "مؤشّرات قويّة حول أنّ موقفنا الاستراتيجيّ الحالي وقدراتنا، يُنظر إليها من قبل الروس على أنّها غير مناسبة لردعهم على الأرجح". ونقلت "أسوشييتد برس" عن باري بليشمان، المؤسس المشارك لمركز ستيمسون لدراسات حظر الانتشار، إنّ السياسة الأميركيّة الجديدة تساهم في وضع العالم عند "أعتاب حقبة جديدة من الانتشار النووي".