صرخة فقير طرابلسية... "ساعدنا يا يسوع"‏

رولا حميد

العالم كله في شغف الميلاد ورأس السنة الجديدة، مناسبتان تحتلان أوسع اهتمامات للناس من أي مناسبة أخرى. كل العالم من أقصاه إلى أقصاه، في حركة ونشاط بحثاً عن أنوار مشعّة، وفرح، وكل ما يسبب السرور. يلعب قصر"النهار" دوره في توق الناس إلى التغيير، ومرور أشهر على فصل الصيف، وأيامه المتطيرة. 

وفي طرابلس، اعتاد الناس الاحتفاء بالمناسبتين، ويوم كانت المدينة تحتفل بهما قبل الأحداث اللبنانية في العام ١٩٧٥، وتضج بهما مطاعمها ومقاهيها، حفلات صخب، وفرح حتى ساعات الصباح، كانت بقية المناطق تحتفل بهما في المنازل، وفي الغرف المقفلة.

وطرابلس ما فتئت تنتظر الميلاد بشغف، رغم عبورها سنوات الكمد، والحزن، وتترقب ساعات الفرح المقبل مع ميلاد رسول التسامح، ينتظرونه من سنة إلى أخرى للتجدد، واستقبال عام جديد بعد أيام قليلة.


كثيرة هي الدور التي أفعمت بالزينة وأشجار الميلاد الخضراء المزدانة بالأضواء والألق، وهناك الكثير من الناس من يكتنز سروراً وفرحاً، لكن، في مقلب اجتماعي آخر، وخلف جدران المنازل الصامتة، يختبئ من تجعله ظروفه يكتم الآلام المختلفة، ومنهم من يتقن هذا الكتمان، ومنهم من لا يستطيع إلى الفرح سبيلاً، لأن في الحياة ثمة الكثير مما يقضّ المضاجع، ولا ترقبه العين.

بعضٌ من الناس لا تكتمل فرحتهم إذا لم يسعدهم الآخرون، من هؤلاء عفيف توفيق مارون، وزوجته سعاد، اللذان لم يبقَ لهما من يواسيهما في ظلمة الحياة، يسكنان في حي الزاهرية، ويقول مارون لـ"النهار": "نعيش في حزن كبير. انا بالأصل من جبيل، ولكن أسكن في طرابلس منذ العام ١٩٧١، وأعيش مع زوجتي سعاد، وألازمها المنزل لأنها لا تستطيع الحركة بسبب عملية ديسك شلتها، في الوقت الذي تعاني فيه أيضاً داء السكري".

رغم مرض مارون، ومأساة الزوجة، فغالباً ما يمر العيد، وكل الناس منشغلة بتدبير أمورها، فلا يتوافر لهما من يساعدهما، أو ينظر إليهما بلفتة اهتمام."لا أحد يساعدنا، وليس عندنا عيد"، يقول مارون مردفاً:"لا أعمل لأنني مريض، ومصاب بالسكري، والنشاف، وأملاح، وأحتاج الى عملية تمدد العروق (فاريس) في رجلي، وطلب مني الأطباء تصويرها، لمعالجتها، لكنني لا أملك المال".


الأقرباء أولى بشفعة المساعدة من الغرباء، لكن الوضع يظل ضاغطاً على غالبية الناس، وإذا حدثت مساعدة، فبما يشبه رفع العتب. يقول مارون: "أولاد شقيق زوجتي يساعدوننا أحياناً، لكن ذلك لا يكفينا، وحده الرب يعلم كيف نعيش، وتتزايد الديون علينا أسبوعاً بعد أسبوع".

وتمنى مارون المساعدة الضرورية أنّى أتت، قائلاً: "نحن بحاجة إلى علاج وأدوية. كنا في السابق، أنا وزوجتي، نعمل، ونجلب كل شيء نشتهيه، أما في هذه الايام فنحن محرومون من كل شيء، وعلينا الديون، ولا يوجد حد أدنى من المال في جيبتنا، وسيمر العيد بحسرته، ولن نستطيع شراء أي شيء يغير في أحزاننا بأي طريقة".

وتقول سعاد: "يوم كنا نعمل، لم نكن نحتاج إلى أي أمر، وكنا في السابق بألف خير، نعيّد ونفرح ونحتفل ونعزم ونطعم الناس، ونجتمع، أما اليوم، بعد مرضنا، وتعطلنا عن العمل، فلا أحد يتعرف علينا، ولا يسأل عن أوضاعنا".


في منزل آخر، مأساة أكثر إيلاماً. تعيش فيه عائلات عدة وأقرباء النسب بسبب فقر الحال، وعدم القدرة على استئجار بيت منفرد لكل عائلة. في البيت، كاتيا ميخائيل عبود، تروي مأساة عائلتها انطلاقاً من ظروف العيد: "لم نحضر شيئاً للعيد. لا يعنينا العيد في شيء إلا رحمة وشفقة سيدنا يسوع الذي بشفاعته يمكننا أن نعيش ونستمر. اتضرع إليه أن يتحسس بحالنا، ويساعدنا برحمته".

وقالت عبود: "لم يمر عام أقسى من هذا العام، ونعتبر هذه السنة أتعس سنة بالنسبة إلينا. لم نحضر شجرة لأنها غالية الثمن، ونسكن بالقرب من كنيسة ماريوسف منذ سنة 1971، ووجودنا قربها، يعطينا شيئاً من الراحة والطمأنينة".

عبود ذكرت أنها تعيش مع شقيقها جليل، وزوجته، وقالت إن "جليل يعاني كسلاً وتعطّلاً في كليتيه، ويعيش على غسلهما، وعنده مشاكل في القلب، والضغط، كما أنه فقد إحدى عينيه. كما تعيش في المنزل ابنتهما، بالإضافة إلى ابنهما وزوجته".


وتتابع مأساتها قائلة: "منذ أسبوعين، خضع شقيقي جليل لعملية زرع "راسور"، وهذا الأسبوع، تعرض لجلطة برأسه، وهو لا يشتغل كما يظهر من واقع الحال الذي يعيشه. كما أن ابنه كان عسكرياً، وتسرح من الجيش، ويبحث عن عمل، فكيف يجد في زمن تطغى البطالة على ما عداها، لا بل تقفل مراكز الأعمال تباعاً، واحداً بعد الآخر. وزوجته لا تعمل، وتقيم في البيت طوال الوقت، مثل ابنة شقيقي التي تعاني الأمر عينه. كما أن ابن أخي الثاني في الجامعة، وهو يعمل، والحمد لله، ويغطي نفقات دراسته، لكنه لا يستطيع مساعدتنا. ومنذ شهرين، بدأت أعمل في كافيتيريا تابعة لجامعة".


وختمت عبود مناشدة المساعدة، وقالت:"لو لم يكن الجرح كبيراً، والمأساة قاسية، لما تكلمت. لكن في ظل هذه الظروف القاسية، نحن بحاجة الى مساعدات مالية لعلاج شقيقي، وتغيير أحوالنا لأن الوضع سيئ، وسيمر العيد، وبيتنا على حاله من الضوء الخافت، وعلى رتابة المنزل التي كانت تخرق في السابق بشجرة العيد. هذا العام، لا عيد ولا شجرة، فنحن غير قادرين على شراء واحدة، مهما كان حجمها صغيراً، وسعرها رخيصاً".