المبيدات "المسرطنة" الى الأسواق مجدداً... "حجب الملف" عن حاصباني و"فضيحة حكم التجار"؟

يبدو ان دعوة وزير الصحة السابق وائل ابو فاعور بالأمس لوزيريّ الزراعة والصحة غازي زعيتر وغسان حاصباني الى العودة عن قرار اللجنة المشتركة بين الوزارتين بإعادة السماح بدخول 18 نوعاً من المبيدات المسرطنة، أثارت ردودا وإستياءً كبيراً. تفرد وزير الزراعة غازي زعيتر في قراره، مستندا الى مشاورات أجرتها "لجنة الادوية الزراعية" التي تضمّ اكثر من 6 مندوبين في اللجنة، إضافة الى ممثل لوزارة الصحة والجامعة الاميركية في بيروت -دائرة الصيدلية النباتية وغيرها. إرتُكب الخطأ الاول عندما حجب ممثل وزارة الصحة مناقشات القرار واصداره عن وزير الصحة الذي لم يوقع شيئا. اما الخطأ الثاني، فتمثل في تفرد وزير الزراعة بقراره، من دون العودة الى وزير الصحة، كما كانت الحال عند صدور قرار المنع العام 2016.  

العام 2016، أصدرت وزارتا الصحة والزراعة قراراً يحمل الرقم 1/1048 لمنع هذه المبيدات الزراعية المسرطنة. لكن قرار المنع قُوبل بقرار تعديل على بعض المبيدات، بحجة "اعتمادها في الاتحاد الاوروبي، وضمن مواصفات عالمية". هكذا تمّ تفعيل القرار، إذ "يبدو ان مصالح التجار وكلمتهم اقوى من اي قرار آخر. "هذا ما أكده وزير الصحة السابق وائل ابو فاعور لـ"النهار". وفي رأيه، "تمّ منع هذه المبيدات بعد استنادنا الى دراسات عديدة تُثبت خطورتها على صحة الانسان ومخاطر الإصابة بالسرطان. لكن لم يكن احد ينظر الى هذه الدراسات سابقاً. المشكلة ليست في المبيدات فقط. فحتى لو كان بعضها ما زال معتمدا في الاتحاد الاوروبي (لا يتخطى عددها 3)، إلا ان سوء استخدامها في لبنان، وبهذه الكثرة، دفعنا الى حظرها ودق ناقوس الخطر. لا يمكن التمثل في قرارات الاتحاد الاوروبي من دون التقيّد بشروط استخدامه. غياب الرقابة يزيد مخاطر هذه المبيدات في لبنان". 

تفرد في القرار 

وشدد على اهمية "اتخاذ اجراءات فورية لإيقاف هذا القرار. ويمكن وزير الصحة ان يطرح المشكلة في مجلس الوزراء. فصحة الناس لا تتحمل التأجيل". وقال: "علمنا ان وزير الصحة لم يوّقع اي قرار، وان القرار صدر في حضور ممثل لوزارة الصحة في لجنة الزراعة، من دون العودة الى الوزير. يبدو ان ممثل الوزارة لم يكن على اطلاع كاف على هذا الموضوع. وهناك اتجاه الى ارسال كتاب الى وزارة العدل في حال لم يرد وزير الزراعة على وزير الصحة لإبطال القرار". واستغرب "وجود ممثلين للتجار في اللجنة اكثر من باقي المعنين والمؤسسات، مما يطرح أكثر من علامة استفهام".

أصبحت الكرة إذاً في ملعب وزير الصحة الذي اوضح حقيقة ما جرى في حديث الى "النهار" قائلا: "لم أوقع اي قرار في السابق، ولا في الوقت الحالي. ويبدو ان هناك البتاسا في مسألة المبيدات. فوزارة الصحة وقعت قرار تعديل يحمل الرقم 764 في المبيدات التي ترشّ في المنازل، وليس المبيدات الزراعية. لكن حصل خطأ في اتخاذ القرار. وستتمّ معالجة سوء التفاهم بالعودة الى وزير الزراعة غازي زعيتر. لذا سأطلب منه إعادة النظر في القرار. وانا متأكد انه لن تكون هناك مشكلة". 

اذا، تمّ ربط قرارات غير مرتبطة ببعضها البعض. عملية اجرائية ملتبسة ادت الى صدور قرار خاطىء. واكد حاصباني انه "يعالج الموضوع، ولن نمضي في شيء يضرّ بصحة المواطن. انه مجرد سوء تفاهم سيتمّ معالجته سريعاً، ولا خوف على صحة المواطن". 

الطعن بالقرار 1048

ردّ، وردٌ مقابل، هكذا أوضحت وزارة الصحة وجهة نظرها، في حين إكتفت وزارة الزراعة بردّ الوزير زعيتر الذي صدر بالأمس. لكنّ مصدرا مطلعا على الملف في وزارة الزراعة أكد لـ"النهار" "تعديل القرار منذ اشهر، والوزارة لم تُبطل القرار القديم، بل عدلت بعض المبيدات التي ما زالت معتمدة من جانب الإتحاد الاوروبي ودول المنشأ. نعرف ان المبيدات ليست مياها مقدسة، بل ادوية تستخدم في عملية الزراعة للحصول على الانتاج. تسجيل الادوية الزراعية والمبيدات يكون مبنياً على تسجيلها في الاتحاد الاوروبي. وطالما لم تمنع هذه المبيدات او تحظر في FAO او الاتحاد الاوروبي، لن نمنعها في لبنان. وزارة الصحة اصدرت تعديلا للمبيدات المتعلقة بالصحة. ونحن في الزراعة، لأن هناك حاجة ماسة الى هذه المبيدات. ولم يُثبت حتى اليوم انها مسرطنة، وفقا لتقييم الدول الاوروبية والاميركية". 

يمضي المعنيون جميعهم في السلك نفسه. وفي رأي رئيس جمعية مستوردي الأدوية الزراعية في لبنان ميشال عقل، "هذه المبيدات مُدرجة ضمن المواصفات الدولية، ومُعتمدة من الاتحاد الاوروبي. ولا يمكن عزل لبنان عن باقي الدول، علما ان هذه المبيدات لا تُشكّل خطورة كما هي حال النفايات. واذا كان الخوف من السرطان، فليعالجوا مشكلة النفايات قبل رشق هذا قرار التعديل".

واشار الى ان "القرار 1048 الصادر العام 2016 مخالف للقانون، ويجري العمل على ابطاله قانونياً". واكد "اننا نحتاج الى هذه المبيدات لإنتاج المحاصيل الزراعية. وطالما تعتمد المواصفات الدولية، لن نتوقف على استخدامها. لسنا افضل من الخارج". 

سرطان، تسمم والتهابات

إزاء كل ما قيل، يبقى السؤال الأهم: ما تأثير هذه المبيدات المسرطنة على صحة المواطن؟

رأى طبيب الصحة العامة راجي دقيق، في حديث لـ"النهار"، ان "المشكلة ليست في المبيدات فحسب، حتى لو ان بعضها ما زال مسجلا في قائمة الاتحاد الاوروبي، انما ايضا في سوء استخدامها. لا يختلف اثنان على ان منع المبيدات الزراعية يُسبب خسارة في القطاع الزراعي. لكن كل الدراسات تشير الى خطورة هذه المبيدات على صحة الانسان، لكونها تحتوي على مواد عضوية وكيميائية سامة عند التعرض اليها بطريقة مباشرة او غير مباشرة". 

اذًا ما الأضرار المباشرة؟ اجاب: "اللمس. التعرض لهذه المبيدات عن طريق اللمس يُسبب تسمما مباشرا. تعالج هذه الحالات، لكن هناك مواد شبيهة بالزيت تخزن في الجسم، وتسبب مع الوقت إلتهابات في الرئة والكلى ووظائف الكبد. كذلك، تؤدي الى تشوهات خلقية للجنين في حال تعرض النساء الحوامل لهذه المبيدات، وتؤثر على الخصوبة".

وشدد على ان "عدم الرقابة واستخدام هذه المبيدات عشوائيا وقرب اماكن السكن وآبار المياه من شأنها ان تسبب تسمما عند الانسان". اما الأضرار غير المباشرة فتكمن، على قوله، "في المحاصيل الزراعية المشبعة بهذه المواد السامة، وبكميات كبيرة منها. فعند مقاومة الفطريات والبكتيريا لبعض انواع المبيدات، يضطر المزارع الى زيادة الكمية او خلط انواع عدة من المبيدات للتخلص منها، مما يؤدي الى ضرر أكبر".