هكذا يكون الاستقلال مشروعاً تربوياً، فكيف يمكن أن نشرحه للتلامذة؟

لا يمكن أن يكون الاستقلال في 22 تشرين الثاني مجرد يوم عطلة فقط لتلامذة المدارس، بل من الضروري أن تعمل الأسرة التربوية، كل على طريقتها، الى إعطاء معنى حقيقي من هذا الحدث التاريخي في لبنان ينعكس بإيجابية على المرء شخصياً وصولاً الى الجماعة فالوطن. لا شك في أن الترجمة الفعلية لمعاني الاستقلال يمكن ان تترجم في سلوكيات التلميذ في الحلقات الأولى من دراسته المدرسية أو حتى في وقت قليل أمضاه في حضانة قبل إرساله الى المدرسة.

كيف يمكن أن تواكب العملية التربوية معنى الاستقلال في حياة التلميذ؟ للإجابة، كان لـ "النهار" مقابلة مع كل من الأستاذ المتخصص في التربية على المواطنة في كلية التربية في الجامعة اللبنانية الدكتور علي خليفة والأستاذة المساعدة المتخصصة في علم النفس العيادي في الكلية ذاتها الدكتورة نسرين كنج للوقوف عند المقاربة التربوية الحديثة لتعزيز معاني الاستقلال لدى تلامذتنا.


هو أكثر من ذكرى


رأى خليفة أن "الاستقلال هو أكثر من ذكرى تاريخية"؛ مشيراً الى أنه "من هنا صعوبة عيش الاستقلال في الممارسات السياسية والوعي السياسي في المجتمع". "أما في المدرسة"، ووفقاً له، "فهذه الصعوبة متوقعة لكون المجتمع المدرسي منقطعاً إلى حد ما عن الواقع والمطلوب من المدرسة هو إعداد مع الوقت للتلميذ - المواطن". قال:" فكما ان الديموقراطية كأطر وآليات يمكن ان تكون موجودة في المجتمع بالرغم من الصعوبات والمعوقات، ودور المدرسة هو تعريف التلميذ - المواطن بها وتأهيله ليصبح على قدر ممارستها مع الوقت. ذلك الأمر بالنسبة للمواضيع الوطنية، وحدث الاستقلال واحد منها، يمكن أن تتطرق اليه المدرسة من زاوية الأمل العريض الذي يراهن على المستقبل دون السقوط في ما يحمله الواقع من خيبات ومعوقات تفقد الذكرى معناها الى حد بعيد او تجعل منها مناسبة مؤجلة".





التفكير النقدي

رداً على سؤال عما يمكن أن تقوم المدرسة به في هذا المجال، قال:" ان وعي المواطنة وممارساتها الفاعلة في المجتمع يسبقها اكتساب مهارات محددة على مقاعد المدرسة. قل لي كيف تعلم أقل لك كيف هم أبناء مجتمعك". واعتبر ايضاً أنه "ومن هذه المهارات المطلوب إكسابها للتلامذة وقدراتهم، التي ينبغي ان يتكلموها، نذكر التفكير الذاتي، وهو التفكير الفردي بالعقل والخاضع لإمرة النفس لا التفكير بعقل الأهل والسلف والاقران... مجتمع مستقل هو مجموعة أفراد يفكر كل منهم بذاتية". وتوقف خليفة عند "مهارة التفكير الذاتي مقرونة بمهارة الحس النقدي"، مشيراً الى أنه "من ينتقد الاجتماع اللبناني القائم على المحاصصة الطائفية يدرك سريعًا كيف ان هذه الصيغة مدعاة للتدخل الخارجي في شؤون البلد وهذا ما يسقط الاستقلال". وخلص الى اعتبار أن "الحس الناقد هو مهارة مطلوبة بشدة على مستوى الأفراد كي يصبح المجتمع أكثر قابلية على التحرر من دواعي تقييده" مؤكداً ان "من القدرات التي تجعل الاستقلال محصنًا ان يكون النسيج مندمجًا ويكون بين افراده تواصل عابر للاصطفافات مغلبًا نزعات الوحدة والتعاون على أسباب الفرقة والاختلاف، هكذا يكون الاستقلال مشروعًا تربويًا".




المعاني... منذ الصغر

       بدورها، رأت كنج أنه " يمكن ادراج معاني الاستقلال في حياة التلامذة منذ الصغر"، مشيرة الى أنه "يوجه الأهل طفلهم، وهو في الأشهر الأولى، الى سماع موسيقى وطنية أو حتى من خلال تكرار النشيد الوطني اللبناني له، مما قد يثير انتباهه على أهمية ما يتردد على مسامعه".

يتدرج، وفقاً لها، مقاربة معنى الاستقلال وأبعاده، " من خلال متابعة هذه المقاربة مع الولد او البنت في عمر الحضانة – قبل دخوله المدرسة طبعاً"، مضيفةً أنه "يمكن في البداية الحديث مع الصغير عن الوطن أو تعليمه اغنية من وحي المناسبة". قالت:" يجب ان يعتمد في هذه المرحلة على تعزيز خصائص الوطن من خلال تعريفهم على بعض المناطق اللبنانية. كما يمكن التركيز مثلاً على مميزات الطبيعة المحيطة بهذه البلدات، من ورد وشجر وما شابه، حتى لو لم يتمكن تلامذة هذه المرحلة الدراسية من رؤية هذه الطبيعة مباشرة من خلال زيارة ميدانية".


من الروضة... الى المراهقة

وشددت كنج أيضاً على انه " يمكن البدء في الحلقة الأولى في مرحلة الروضة في توجيه هذه الفئة العمرية الى معنى الاستقلال من خلال قراءة قصص في المدرسة"، مشيرة الى انه "يمكن التركيز على روايات تناسب خيالهم". واعتبرت ان "تنظيم نشاطات لا صفية أمر ضروري وتترجم من خلال تعريفهم بخصوصية لبنان من خلال تعريف بالمطبخ اللبناني والمأكولات التي ترمز الى لبنان كالتبولة مثلاً، وتشجيعهم على التمييز بين اطباق أخرى كالباستا المرتبطة بإيطاليا مباشرة، في حين يرتبط طبق الحمص او التبولة بتقاليد المطبخ اللبناني، مما يعزز لديهم شعور خصوصية البلد بكل التفاصيل المرتبطة به".

لكنها لفتت الى ان "التلميذ في السنوات الثلاثة الأولى من دراسته يرى أمور الحياة من خلال ذاته" مشيرة الى ضرورة " ربط أي شأن، او قضية بشخصه". قالت:" إذا أردناه ان يعي أهمية الاستقلال مثلاً، فعلينا الحديث معه عن أهمية تشجيعه على الاتكال على نفسه. كما علينا تشجيعه على التعبير عن أفكاره، والمبادرة في توفير حاجاته دون العودة الى أحد، مما يحفز لديه معان عدة للاستقلال".

ورأت أن "هذه الثوابت تمهد لتعزيز الاستقلالية لدى التلميذ في صغره. ومن الممكن ان تتوسع تباعاً لديه الأمور لتشمل أهمية استقلال الوطن". أما في القسم التكميلي، فيمكن وفقاً لها، أن " يعرض في الصف خصائص هذه المناسبة والتطرق الى الاستقلال بكل ابعاده".

ولفتت الى انه "يمكن تفصيل معاني الاستقلال وابعاده للتلامذة في سن المراهقة لأنهم يملكون الوعي الكامل لاستيعاب هذه المرحلة"، مشيرة الى "إمكانية تشجيعهم على ادراج بحث خاص عن جانب من قصة الاستقلال أو شخصية خاصة بالحدث، ما يزيد عندهم الحس النقدي". وقالت: "يمكن ان يكون هذا البحث مدخلاً للنقاش وللتداول بالأفكار في ما خص النظر المختلف لتفاصيل هذه المعركة من خلال تقصي المعلومات من الصحف او الصور المدرجة في المقالات الصحافية او التحقيقات المواكبة للحدث".

Rosette.fadel@annahar.com.lb