استعادة البوكمال تفتح الطريق البري من إيران إلى المتوسط


سيطر الجيش السوري وحلفاؤه مجدداً أمس على كامل مدينة البوكمال الواقعة في شرق البلاد على الحدود مع العراق، بعد طرد تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) منها. وتتيح هذه السيطرة للجيشين السوري والعراقي التحكم بالحدود البرية بين البلدين، كما تتيح ممراً برياً لإيران من طهران الى البحر المتوسط مروراً ببغداد ودمشق. 

قال مصدر عسكري: "سيطر الجيش السوري والقوات الرديفة والحليفة على كامل مدينة البوكمال"، مشيراً الى أن العمل يجري حالياً على "إزالة الألغام والمفخخات التي خلفها تنظيم داعش في المدينة".

وتمكن الجيش السوري في 9 تشرين الثاني الجاري من طرد التنظيم من المدينة بعد أكثر من ثلاث سنوات من سيطرته عليها، لكن مقاتلي التنظيم تمكنوا بعد بضعة أيام من استعادتها مجدداً.

وتلت السيطرة على المدينة الأحد هجوماً بدأه الجيش مع حلفائه الخميس بدعم جوي روسي.

وأفاد المصدر العسكري أن التنظيم "أبدى مقاومة عنيفة وحاول استخدام المفخخات والانتحاريين، لكن محاصرة المدينة مكنت الجيش من حسم المعركة والسيطرة عليها بالكامل".

وأوردت الوكالة العربية السورية للانباء "سانا" أن الجيش وحلفاءه "يقضون على آخر بؤر ارهابيي داعش في المدينة"، موضحة أن "عناصر الهندسة يواصلون تفكيك الألغام والعبوات الناسفة والمفخخات في الشوارع والأحياء".

وأكد "المرصد السوري لحقوق الانسان" استعادة الجيش مع حلفائه من "حزب الله" اللبناني والحرس الثوري الايراني والمجموعات المقاتلة العراقية السيطرة على المدينة، وانسحاب عناصر التنظيم من الأحياء الشرقية في اتجاه نهر الفرات الذي تقع المدينة غربه.

وتتركز الاشتباكات حالياً، استناداً الى المرصد، في محيط البوكمال التي كانت تعد آخر معقل بارز للتنظيم في سوريا، حيث لا يزال يسيطر على 25 في المئة من مساحة محافظة دير الزور الغنية بالنفط والحدودية مع العراق. وأحصى المرصد مقتل 31 رجلاً على الأقل من قوات النظام والمسلحين الموالين لها مقابل أكثر من 50 من "داعش" داخل المدينة وعلى أطرافها خلال الأيام الثلاثة الأخيرة.


الحدود العراقية

ومني التنظيم الذي كان أعلن عام 2014 اقامة "الخلافة الاسلامية" على مناطق واسعة في سوريا والعراق المجاور، بسلسلة هزائم ميدانية كبيرة في البلدين.

وتعتبر راوة الواقعة في محافظة الأنبار الغربية، آخر المناطق التي كانت فيها هيكلية حاكمة وعسكرية وإدارية للتنظيم المتطرف في العراق، ولكن لا تزال هناك جيوب أخرى فرَّ إليها أفراد التنظيم في المناطق المجاورة. وبذلك، يكون تقلص وجود التنظيم المتطرف، وخسر مواطىء قدمه الثابت الأخير، من دون مقاومة تذكر.

ويؤكد مسؤولون عسكريون ومحليون أن الجهاديين يفرون عموماً إلى سوريا قبيل وصول القوات العراقية التي أعلنت هذه المرة عن وصولها من الجهة المقابلة من نهر الفرات، بدعوة السكان عبر مكبرات للصوت إلى رفع الأعلام البيض، والجهاديين عبر موجات الراديو إلى الاستسلام.

وقبل أيام من اقتحام القوات العراقية راوة، صرح قائمقام قضاء راوة في محافظة الأنبار حسين علي بأن "هناك هروباً جماعياً لعناصر داعش من المدينة في اتجاه الحدود العراقية" مع سوريا حيث تتقلص مناطق سيطرته أيضا. وأضاف أن هؤلاء هربوا "بعد تكبد التنظيم خسائر بسبب الغارات الجوية وكذلك القصف بالمدفعية على مواقعهم بالمدينة".

وكالعادة، ترك الجهاديون وراءهم منازل مهدمة وآليات محترقة ومدمرة، كما أن بعض منازل الأهالي التي كان يستخدمها مخابئ ومصانع له، لم تعد اليوم إلا ركاماً بفعل الغارات الجوية. ولا تزال الحفر الضخمة متفاوتة بين الأبنية الحجرية التقليدية الواقعة في المنطقة القريبة من الفرات.

ولأن المنطقة الصحراوية تلك الممتدة من الحدود السورية إلى أطراف بغداد، كانت لفترات طويلة معقلا لجماعات متطرفة توالت في العراق لسنوات، يلقي اللوم الآن على السكان.

ويقول أحد سكان راوة عراف عايد: "لقد أخذوا عنا نظرة أن أهل راوة كلهم دواعش، بل العكس، نحن لو كنا مع داعش لما كنا بقينا هنا" عند وصول القوات الحكومية.

ومع دخولها المناطق الصحراوية الغربية للعراق، كانت القوات العراقية التي تضم غالبية شيعية، يساندها الحشد العشائري الذي يضم فصائل سنية من أبناء المنطقة.

ويقول أحد مقاتلي الحشد العشائري محمد الجغيفي بابتسامة عريضة: "لقد حسمنا المعركة بالنصر في راوة".

ويضيف بنبرة الواثق: "اذا ما وجدت معارك جديدة ضد داعش، فنحن حاضرون".

وأظهرت خريطة نشرها الجيش العراقي عدم وجود أي مناطق تحت سيطرة "داعش".

وكتب ناطق باسم الائتلاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والذي يقاتل التنظيم في كل من العراق وسوريا على تويتر" "أن (داعش) انهار".

ومع طرده من معقليه الرئيسيين، الموصل في العراق والرقة في سوريا، أخذ الخناق يضيق تدريجاً على التنظيم بحيث انحصر وجوده في جيب صحراوي آخذ في التقلص على الحدود بين البلدين.

وحذرت لجنة الإنقاذ الدولية من أن هزيمة "داعش" لا تعني أن المدنيين باتوا الآن في مأمن. وقالت إن ما يقرب من 3,2 ملايين شخص غير قادرين أو غير راغبين في العودة الى ديارهم بعدما نزحوا عنها قبل سنوات، وأن أكثر من 11 مليوناً في حاجة الى مساعدة إنسانية عاجلة.