أي مصيرٍ ينتظر الإستحقاق الإنتخابي بعد استقالة الحريري؟

هي ورقة الانتخابات النيابة باتت تختبِئ في ضبابة. أحدٌ ما عادَ يهتم لمصيرها، فكيف به يعيه. وقع استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري أضحى العقدة، والباقي تفرعات وتفاصيل. سيعود بعد أيام أم سيطول مكوثه بعيداً من ربوع لبنان؟ بخيرٍ هو أو يشكو ضيْماً؟ وفي حال اجتاز حصان الاستحقاقات اللبناني حاجز التساؤلات الأول هذا، تراهُ سيخوضُ غمار المستوى الثاني من التحديّات المتمثلة في تصريف الأعمال وامكان تشكيل حكومة جديدة، سياسية أكانت أم تكنوقراط، وما يتطلبُ ذلك من إجراءات بروتوكولية روتينية. لكن ما ينقص اكتمال مشهدية كهذه، عراقيل خفية تكبّل رجلي الحصان، ناجمة واقعياً من رغبةٍ غير متظهرةٍ في تعطيل الاستحقاق الانتخابي من القوى السياسية التي لا تجد فيه مصلحةً لها. يعيدنا ذلك الى مرحلة ما قبل إعلان الاستقالة، يوم كان ميدان السباق الانتخابي لا يزال غير صالحٍ لاعتناق الفروسية، نتيجة اختلاف وجهات النظر القوى السياسية الضبابي خلف ستارة البطاقة الممغنطة التي ما لبثت أن تحوّلت الى بيومترية، قبل ان تضاف توابل التسجيل المسبق الى الطبخة السحرية، فإذا بالمعلف يحضّر قبل قدوم الفرس. ناهيك باجتهادات الخبراء الدستوريين التي تتعارض في ما بينها. فإذا بأحدهم يدحض نظرية زميله في تفسير المواد القانونية، خصوصاً تلك التي تنص على إلزامية استخدام البطاقة الممغنطة من عدمه. فيقول الأول إن تعديلاً موجباً في حال التسليم بالاستغناء عنها، ويجابهه الثاني بالقول انه وعلى العكس، استخدام البطاقة الممغنطة يحتاج في ذاته الى تعديلٍ قانوني. وهكذا تكون درب السباق التي يخوضها حصان الاستحقاق، هي أيضاً غير مرتسمة بدقة. وماذا تبقّى من الانتخابات إذاً بعد إقفال ميدان الخيل ريثما تتكشّح سحابة الاستقالة؟ من وجهة نظر عضو كتلة المستقبل النائب عمار حوري، لا بد من إجراء الانتخابات في موعدها لمقتضيات المصلحة الوطنية. ويقول لـ "النهار" إن "حكومة تصريف الاعمال في إمكانها متابعة الاستعدادات اللوجستية المطلوبة، فيما البطاقة البيومترية ليست عائقاً في ظلّ المادة 95 من القانون التي تخوّل استخدام بطاقة الهوية او جواز السفر، لكن انجاز البطاقة البيومترية يبقى اولوية بصرف النظر عن الاستحقاق لكونها ستحمل مضمون اخراج القيد والسجلين العدلي والصحي".

واذا كانت نظرة حوري التفاؤلية الى امكان انجاز الاستحقاق منفصلة عن ارتدادات استقالة الحكومة سياسياً، فإن الحصان الانتخابي لا يزال قابعاً في كبوته، وفق عضو كتلة الكتائب النائب ايلي ماروني الذي يقول لـ "النهار" إن "القانون في ذاته كان موضع خلافٍ بين أهل السلطة على نقاط عدة كانت موضع خلاف في الحكومة. ومن جهة ثانية، هناك مهل قانونية لا بد من احترامها للتمكن من اجراء الانتخابات، منها الترشح قبل 3 أشهر وإعلان اللوائح قبل شهرين فضلاً عن اللوجستيات والمراسيم التي يجب اتخاذها في مجلس الوزراء الذي لن ينعقد لكونه سيتحول الى تصريف الأعمال". وعن المصالح السياسية المشتركة في إصابة الحصان الانتخابي بأسهم سامة تمنعه من خوض السباق في موعده، يقول ماروني إن "أحداً لا يعترف بالخلل، ولكنهم يعون ضمنياً ان طبيعة القانون النسبي وميزات الصوت التفضيلي لن تعطيهم ما يتمنون. من هنا، لا مصلحة لهم في خوض الانتخابات في ظل صعوبة تطبيق القانون. وهم لم يتفقوا حتى اللحظة حول كيفية احتساب الصوت التفضيلي، مما يفتح المجال لكل خاسر لاحق بالطعن بكل فائز معلن".

لكن عضو كتلة التنمية والتحرير النائب ميشال موسى، وبخلاف نظيره الكتائبي، ينظر الى الحصان الانتخابي من عين المتفائل نتيجة رغبة علنية لدى القوى السياسية باجراء الانتخابات النيابية في موعدها. وعما اذا كان امتطاء ظهر الحصان لا يناسب البعض، يقول موسى لـ "النهار" انه وبصرف النظر عن موضوع المزاج الشعبي، ولكن "مبدأ الانتقال الى النظام النسبي اتفق عليه بين جميع الأفرقاء. وتالياً الموضوع يجب ان يكون قد انتهى. فيما الحسابات الشخصية تدفع الى تحالفات سياسية لم تتظهر بوضوح حتى الساعة على أمل اتضاحها في فترة ما بعد الأعياد. وانا اقدر ان أي فريق يريد التهرب من الانتخابات سيحارب شعبياً، في وقت يحددُ فيه المزاج الشعبي الانتخابي في ضوء التحالفات والمواقف السياسية".


وينضم عضو كتلة "القوات اللبنانية" النائب فادي كرم الى عديد المحللين لأرضية ميدان السباق الانتخابي ليؤكد أن الاستحقاق يمكن ان يتم في ظلّ حكومة تصريف الاعمال التي تستطيع إجراءه لكونه يعيد بناء خريطة سياسية لبنانية جديدة ما يعكس تمثيل الشعب اللبناني الحقيقي ويفرز حكومة جديدة الى جانب العهد. من هنا يقول كرم لـ "النهار" إن "الوضع السياسي مفتوح على تسوية جديدة قوامها الحيادية، وتالياً يجب عدم فقدان الأمل. أما الفريق الذي يحاول كسر الحيادية والجنوح نحو انتصارات وهمية ظناً منه انه انتصر في سوريا ويمكنه ترجمة انتصاراته في لبنان، فعليه العودة الى الحيادية لتجنيب البلد المشكلات التي من الممكن الوقوع فيها، لأن الاستقالة لم تكن سوى نتيجة ضغط هذا الفريق لجرّه خلف المحور الايراني - السوري". وعن امكان التعطيل، يجيب ان "البعض ربما ليس من مصلحته خوض الانتخابات ولكن ليس في استطاعتهم ايقافها خصوصاً أن بعض الافرقاء مصر على اجرائها ومنهم القوات اللبنانية. وبمجرد الاصرار على الاستحقاق في وقته، لا احد يستطيع ايقافه سوى حدث كبير يرجى الا يحقق وهو الحرب الاقليمية الكبيرة التي تبدو حتى الساعة بعيدة من المنطقة".

مقاربات نواب الأمة الأربعة نحت كلّ واحدة منها في اتجاهٍ متوازٍ مع غيره في توصيف ميدان السباق الانتخابي. وإذا كانت الحيادية في قراءة المشهدية لا تطعم الحصان شعيراً، والسلبية منها تقفل الميدان حتى إشعارٍ آخر، والإيجابية المفرطة من شأنها أن تفصل سرج الحصان عن كيانه، يبقى القلق الأبرز في ألا يصهل الاستحقاق المنتظر في موعده المحدد، محتفظاً بنماذج الجياد التي بهُت لونها في البرلمان.