أربيل لن تسقط... "لا خونة في المدينة"

جورج عيسى

وكان قائد عسكريّ عراقيّ أكّد منذ يومين لوكالة "رويترز" أنّ البشمركة تراجعت إلى المناطق التي كانت تسيطر عليها سنة 2014 قبل اجتياح داعش لشمال وغرب #العراق. وقال مسؤول كرديّ للوكالة نفسها إنّ عدد الهاربين من مناطق القتال بلغ حوالي 100 ألف، على الرّغم من أنّ التحالف الدوليّ سمّى هجوم #بغداد يوم الاثنين الماضي "تحرّكات منسّقة، لا هجمات". وجاء ردّ التحالف متماهياً مع ردّ فعل الإدارة الأميركيّة التي وقفت على الحياد داعية الطرفين إلى تجنّب التصعيد والجلوس إلى طاولة الحوار. وباستثناء الموقف الأميركي، جاءت التصريحات الغربيّة مؤيّدة لعمليّات حكومة بغداد ووحدة الأراضي العراقيّة.  


غضب كرديّ من المسؤولين

لم تتوقّف القوات الحكوميّة عند هذا الحدّ بل توجّهت لقطع الطريق الرئيسي بين كركوك وإربيل. ولتحقيق هذه الغاية تحرّكت باتّجاه مدينة التون كوبري، آخر مدينة في المحافظة، واستولت عليها اليوم ظهراً، مقتربة بذلك من مدينة #أربيل. وتشير التقديرات الأوّليّة إلى سقوط حوالي 30 مقاتل كرديّ وجرح نحو مئة آخرين.


الأحداث الميدانيّة تبرز حال الضياع التي عانى منها المقاتلون الأكراد بعدما كانوا يتلقّون الأوامر بالانسحاب. وقال أحد الجنود الأكراد لموقع "نقاش" الذي يغطّي الأحداث العراقيّة والذي تصدره مؤسّسة إعلامية ألمانيّة غير ربحيّة: أحد ضبّاطنا رفض (الانسحاب) قائلاً إنّه سيفضّل الموت هنا على تركهم يمرّون. فقال القائد إنّه إذا لم ينسحب، سيأتي إلى هنا ويقتل نفسه. لذا انسحبنا". وأرجع المسؤول عن المقاتلين الأكراد في كركوك رسول كركوئي سبب التراجع إلى أنّهم كانوا يقاتلون "ثلاثة أعداء كبار" وهم الجيش العراق وإيران وتركيا بحسب رأيه. ونقل الموقع أيضاً غضب المقاتلين الأكراد من مسؤوليهم السياسيّين لأنّهم أرسلوهم للقتال في وقت اتفقوا فيه مع بغداد على تسليم المنطقة السبت الماضي. لكنّ الأخبار الأخرى الواردة من كركوك تشير إلى أنّ مسؤولي الاتحاد الوطني الكردستاني هم من تفاوضوا مع قاسم سليماني من أجل تسليم المنطقة، لا الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني.

وبما أنّ وقت توزيع المسؤوليّات عن التراجع الكرديّ السريع لم يحن بعد، يبدو أنّ أسئلة أخرى ما زالت تنبعث بين غبار المعارك السريعة في المحافظة وأبرزها يرتبط بالوجهة المقبلة للقوّات العراقيّة. فهل تنوي حكومة بغداد فرض مزيد من الضغوط على الأكراد عبر توجيه قوّاتها العسكريّة إلى إربيل للتخلّي نهائيّاً عن فكرة الاستقلال؟


تفجير جسر حيويّ

لا شكّ بوجود صعوبة في تحديد مسارك المعارك المقبلة خصوصاً مع تضارب الأنباء حتى حول الاشتباكات الحاليّة في التون كوبري. كما أنّ هنالك أخباراً واردة من ناشطين أكراد تتحدّث عن دخول الحشد الشعبيّ إلى مدينة كركوك بعد يوم واحد على إصدار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي توجيهاته بانسحاب مقاتلي الحشد منها. ومع ذلك، إنّ التخوّف من هكذا خطوة واضح لدى الأكراد، فقد قام هؤلاء بتفجير جسر يربط كركوك بإربيل بحسب وكالة الصحافة الفرنسيّة. من جهة ثانية، خرجت مؤشّرات من إقليم كردستان تفيد بأنّ الإقليم ما زال مستعدّاً للحوار مع بغداد بالرّغم من كلّ ما يحصل.

فوزير الشؤون الخارجيّة في الإقليم فلاح مصطفى بكر أكّد في حديث إلى شبكة "سي أن أن" أنّه لم تكن هنالك أيّ نيّة لدى السلطات المحلّيّة للدخول في مواجهة عسكريّة مع بغداد. وأشار أمس إلى ضرورة الحوار مع الحكومة المركزيّة للتوصّل إلى تفاهم مشترك مشدّداً على أنّ الأمر "لا يتعلّق بآبار النفط أو بالعلم، بل بمستقبل أمّتين".


المعارك المقبلة مختلفة

من جهة أخرى، تبدو بغداد مستعدّة للمضيّ قدماً، بعد السيطرة على التون كوبري، لكنّ هذا التقدّم غير واضح المعالم. يؤكدّ المحلّل السياسيّ الكرديّ شرفان فازمان بداية أنّ المعارك في التون كوبري لم تنتهِ إذ ما زالت هنالك بعض الصدامات العسكريّة. وأشار في حديثه ل "النهار" إلى أنّ المعارك المقبلة ستكون مختلفة عمّا شهدته الأيّام الماضية لعدد من الأسباب. فبالرّغم من وصول الصدامات العسكريّة "الثقيلة" إلى مناطق تبعد عن إربيل حوالي 30 كيلومتراً فقط (التون كوبري 50 كيلومتراً) إلّا أنّ هنالك توقّفاً حاليّاً عن التقدّم بحسب ما قاله فازمان، بسبب ردّ الأكراد العسكريّ على القوّات المهاجمة. وأضاف: "تريد (الحكومة العراقيّة) أن تتقدّم أكثر باتّجاه إربيل، لكنّ البشمركة تردّ عليها فتوقّفت عند نقطة معيّنة".

لكن إذا صمّم الجيش العراقي على الدخول إلى أربيل، هل يمكن توقّع أن يتكرّر سيناريو الانسحابات السريعة التي شهدته الأيّام الماضية؟ يبدي المحلّل السياسي تفاؤلاً بالنسبة للتوجّهات الكرديّة في هذا الخصوص: "لقد كان وضع كركوك مختلفاً، وهي منطقة متنازع عليها. حتى التون كوبري خاضعة لإدارة كركوك وهي أيضاً منطقة متنازع عليها". وتابع عرض نظرته قائلاً: "#أربيل هي عاصمة إقليم كردستان. وأعتقد أنّه لن يكون هنالك أيّ انسحاب".

غير أنّ ما تمنّع المحلّل عن ذكره في أجوبته على أسئلة "النهار" أو فتح هامش للحديث عنه، كان قد ذكره في إحدى تغريداته عبر حسابه على "تويتر" والتي تلخّص الكثير من حالة التوتّر الداخليّ المتبادل بين الأكراد أنفسهم: "الحشد الشعبيّ لن يتمكّن من تخطّي حاجز شيراوا، وحتى لو تمكّن من فعل ذلك، لن تسقط أربيل، بما أنّه لا خونة في المدينة".