الرقّة حرّة.. ما خطوة الأكراد بعد "أقسى" معركة ضدّ داعش؟

جورج عيسى

بعد حوالي أربعة أشهر من القصف المستمرّ، سقطت عاصمة خلافة داعش المزعومة تحت ضربات التحالف الدولي من جهة ومقاتلي قوّات سوريا الديموقراطيّة "#قسد" من جهة أخرى. يلخّص حجم الدمار الهائل ضراوة المعارك الميدانيّة في #الرقّة، وهو بشكل عام يشبه إلى حدّ بعيد صور الخراب الذي لحق بمدينة #الموصل العراقيّة. واحتفلت "قسد" بالانتصار الكبير فعمّت الأعلام الصفراء التابعة لها أحياء الرقّة إضافة إلى مشاهد متفرّقة لبعض الدبّابات وهي تقوم بمناورات استعراضيّة مختلفة. وفي هذه الاحتفالات، سلّط الإعلام الضوء على مشاهد النساء الفرحات اللواتي يقاتلن داخل "قسد" في تناقض مع مشهد النساء اللواتي قُمِعن في عهد داعش داخل المدينة نفسها. ومن المشاهد الرمزيّة في الرقّة ما تبقّى من "دوّار النعيم" الذي تحوّل إلى "دوّار الجحيم" مع كثرة الإعدامات الميدانيّة التي نفّذها داعش. 


"مثيرون للشفقة"

أسفرت عمليّة تحرير الرقّة عن مقتل ما لا يقلّ عن 6000 إرهابيّ خلال الأشهر الأخيرة، بحسب الموفد الأميركي إلى التحالف الدوليّ بريت ماكغورك. وأضاف أنّ عدداً آخر من الإرهابيّين استسلم ل "قسد" مشيراً إلى أنّ هؤلاء الذين كانوا يوصفون يوماً بالأشدّاء باتوا "مثيرين للشفقة" ويحملون قضيّة خاسرة. كما شرح أنّ الولايات المتّحدة تقدّم المساعدات الإنسانيّة والتقنيّة لإزالة الألغام التي خلّفها التنظيم. وبحسب المرصد السوريّ لحقوق الإنسان، حصدت هذه المعركة أرواح حوالي 3250 شخصاً من بينهم حوالي 1200 مدنيّ.



انتصار "بطعم المرارة"

بالنسبة إلى بعض المقاتلين الذين حاربوا داعش في عدد من الجبهات، كانت هذه المعركة هي الأصعب عليهم. تنقل شبكة "فرانس إنفو" الإعلاميّة عن يونس، مقاتل عربيّ في "قسد" ينحدر من منطقة الشدادي السوريّة قوله: "لقد كنت في جميع الحروب ضدّ داعش. في منبج، في الطبقة، في صرّين. لكن في الرقّة، كانت (المعركة) الأقسى إلى حدّ بعيد. لقد كانت عاصمتهم ودافعوا عنها حتى النهاية". ونظراً إلى الكمّ الهائل من الدمار الذي خلّفته الحرب داخل مدينة عاش فيها عدد من مقاتليها، جاء الانتصار "بطعم المرارة" بحسب تعبير الشبكة الإعلاميّة الفرنسيّة.


قول مأثور ينطبق عليها

يشكّل تحرير الرقّة مرحلة مفصليّة في الحرب على الإرهاب. لكن على الرّغم من أهمّيّة الحدث، يعبّر عدد من الباحثين عن مخاوفهم من غياب أيّ خطّة لما بعد التحرير. ففي موقع "جاست سيكيوريتي" المعنيّ بتحليل السياسات والقوانين المتعلّقة بالأمن القومي الأميركي، شكّك الباحث في شؤون الإرهاب والتطرّف نديم حوري، بفاعليّة واشنطن في اتّخاذ الخطوة التالية: "قادة التحالف هؤلاء لا يملكون حقّاً أيّ خطة فعّالة لما بعد داعش". ثمّ استذكر الباحث المثل القائل: "الحرب سهلة، السلام صعب" ليشير إلى أنّ هذا القول المأثور ينطبق بالتحديد في الحرب على داعش.


ويمهّد تحرير الرقّة لطرح الأسئلة السياسيّة بالنسبة لما بعد التحرير، بالتزامن مع التبدّلات السريعة في المنطقة. فالمدينة الواقعة تحت سيطرة "قسد" قد تكون ورقة حارقة بيد الأكراد خصوصاً مع التطوّرات العسكريّة المرتبطة باستفتاء #كردستان العراق. والأمر الذي يزيد الأوضاع تعقيداً بالنسبة إلى الأكراد هو أنّ الخيارات الموجودة أمامهم قد تكون قليلة وسيّئة إذا ما قيست بمشهد كركوك. ولعلّ الاحتمالات يمكن أن تتقلّص سريعاً إمّا إلى تخلّي "قسد" عن الرقّة وإمّا إلى إحكام السيطرة عليها.


موجة من الصدامات والتوتّرات

يمكن للحالة الأولى أن تبدو أمراً معقولاً من أجل تجنّب إغضاب الأميركيّين الذين تخلّوا بسهولة عن أكراد العراق بعدما أصرّوا على تنظيم الاستفتاء بعكس توجّهات #واشنطن. لكنّ التخلّي عن الرقّة سيعني بطبيعة الحال تسليمها إلى النظام في دمشق. لكن دون ذلك تداعيات كبيرة تشرحها لينا الخطيب، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسّسة الرأي البريطانيّة "تشاتهام هاوس" التي أكّدت بداية أنّه من غير الواضح إلى الآن من سيسيطر على المدينة. وتقول في حديثها إلى صحيفة "الغارديان" البريطانيّة إنّه في حال تمّ تسليم الرقّة إلى الحكومة السوريّة، كما سبق لهم أن سلّموا عدداً من المناطق لها، فسيكون ذلك "زرعاً لبذور موجة جديدة من الصدامات". أمّا في حال قرّرت "قسد" بسط سيطرتها عليها فستظهر مخاوف من توتّرات إثنيّة بين سكّان الرقّة الأصليّين وغالبيّتهم من العرب والقوّات الكرديّة التي تتألّف منها "قسد" بقسمها الأكبر.




مع ذلك، أبدى بعض المقاتلين الأكراد في #سوريا حماسة بالنسبة إلى المستقبل. موقع "الدايلي بيست" الأميركي نقل عن أحد الأكراد قوله إنّ "قسد" حدّدت وجهتها المقبلة: "سنذهب للقتال في #دير_الزور وتحريرها، سننهي داعش في جميع المدن السوريّة".

من جهتها أكّدت القياديّة الكرديّة البارزة في سوريا إلهام أحمد أنّ الأكراد السوريّين لا يخشون من نتائج تشبه ما حصل لجيرانهم على الضفّة الأخرى من الحدود الدوليّة. ونقل عنها الموقع نفسه قولها إنّ ما حصل في العراق لم يزعزع ثقة الأميركيّين بهم: "أعتقد أنّ الاستفتاء لم يكن مرحّباً من الأميركيّين وهو أتى في زمن غير مناسب". وأضافت: "لم تكن الولايات المتّحدة وحدها، بل الرأي العام الدوليّ كان معارضاً للاستفتاء – لكنّ حزباً كرديّاً قرّر الاستمرار في هذا المسار، وأدّى إلى هذه النتيجة المؤسفة". وأكّدت أنّ الإدارة الكرديّة في شمال سوريا أبدت استعدادها للتفاوض حول الاستقلال الذاتيّ مع الحكومة السوريّة، على عكس أكراد العراق الذين أرادوا بناء دولة مستقلّة استقلالاً كاملاً.

من هنا، تُبرز تصريحات الأكراد في سوريا أنّهم على استعداد للتعامل بمقدار من المرونة قد يجنّبهم ما حدث مع نظرائهم في العراق. وقد تكون الرقّة في نهاية المطاف، عدسة أساسيّة للمراقبين تمكّنهم من رؤية النهج العام الذي ستسلكه وحدات حماية الشعب الكرديّ في تعاطيها مع التطوّرات المحيطة بها.