كيف ينظر كرد لبنان إلى استفتاء كردستان؟

سلوى أبو شقرا

نتيجة "نعم" في استفتاء انفصال #كردستان عن دولة العراق سيترتب عنها أزمات جمَّة، بخاصّة مع توزّع الكرد على الدول كالتالي؛ 12 إلى 15 مليون نسمة في تركيا، 6 ملايين في إيران، 4,69 ملايين نسمة في العراق وأكثر من مليوني نسمة في سوريا. وبالعودة إلى التاريخ، يبدو واضحاً أنَّ انهيار السلطنة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى حضَّ الكرد على التفكير جدّياً في إنشاء وطن خاصّ بهم إثر معاهدة "سيفر" التي أبرمت عام 1920 ومنحتهم حقّ تقرير المصير. إلّا أنَّ الحلم تبخَّر بعد انتصار مصطفى كمال في تركيا واضطرار الحلفاء للتراجع عن بنود المعاهدة واستبدالها عام 1923 بمعاهدة "لوزان"، التي وضعت الشعب الكردي تحت سيطرة تركيا وإيران، بالإضافة إلى بريطانيا وفرنسا اللتين كانتا دولتي الانتداب على كلّ من العراق وسوريا. في عام 2005، أقرَّ الدستور العراقي إقامة إقليم كردستان عاصمته إربيل لتمتاز رسمياً بحكم ذاتي. في 3 شباط عام 2016 أكد رئيس الإقليم مسعود بارزاني أن "الوقت حان" لكي يقرر كرد العراق مصيرهم. وعاد ليقول إنّ الاستفتاء "لن يؤدي بالضرورة فوراً إلى تشكيل دولة (كردية)، لكنه سيتيح معرفة إرادة ورأي شعب #كردستان بشأن مستقبله". ليشكِّل تاريخ 25 أيلول 2017 يوماً مفصلياً في تاريخ القضية الكردية. وفيما يؤكد رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان نيجيريفان بارزاني أنَّ المكوّنات الأخرى ستعيش مع الكرد بالحقوق والواجبات نفسها، يتخوَّف العراقيون العرب من التغيّرات التي تخضُّ بلادهم الواحدة تلو الأخرى، من التدخل الأميركي، والوجود الداعشي وصولاً إلى حلم الانفصال. فما رأي كرد #لبنان بهذا الاستفتاء؟  

الفرحة تعمُّ كلّ بيت كردي

يعيش الشارع الكردي في العراق اليوم نشوةً، غير مدركٍ حجم التهديدات التركية والإيرانية، ويعدّها غير موجودة ويراهن على أنها ستتغيّر بعد الاستفتاء. وفيما يستبعد الكرد أيّ تدخل عسكري بل يتوقّع فقط ضغطاً اقتصادياً، وحصاراً للإقليم ومنع التعامل معه بالشؤون النفطية والمنافذ الحدودية، يراقب كرد لبنان كل ما يجري، وهم لم يحضّروا لتحركات شعبية حاشدة احتفالاً بالنتيجة. وعلى الرغم من غياب الإحصاءات الدقيقة لعدد كرد لبنان، تفيد المعطيات بأنَّ عددهم يتراوح بين 150 و200 ألف نسمة. وعقب الحرب السورية ازدادت أعدادهم في لبنان جراء الأوضاع السياسية في كوباني وروج آفا (شمال سوريا أو غرب كردستان) بعد هجمات "داعش" و"النصرة". تواصلت "النهار" مع مجموعة من الكرد المقيمين في لبنان، إذ أجمعوا على أنَّ "الفرحة اليوم تعمُّ كل بيت كردي بعيداً من الانتماءات الحزبية، هو يوم لا يعوَّض، وكلنا متّحدون. الكرد منذ قرون مضطهدون، وهذا الاستفتاء حق لتقرير المصير وما يجري في العراق شأن كردي داخلي. أما في لبنان فلن تكون هناك احتفالات مركزية جراء عدم السعي للحصول على ترخيص. ولكن كمقيمين في لبنان نؤكد أنَّ لهذا البلد فضلاً على الكرد، إذ إننا حاصلون على حريتنا وحقنا في التعبير عن رأينا".


ترتيب البيت الكردي

"كرد لبنان والعالم مع هذا الاستفتاء معنوياً وحق الشعب في تقرير مصيره"، وفق حديث رئيسة رابطة "نوروز" الثقافية الاجتماعية حنان عثمان لـ"النهار". "هُدرَ حق الشعب الكردي تاريخياً وسلبت مكتسباته وتعرّض لأبشع أنواع المجازر والقتل والتهجير على أرضه. وفيما كان يفترض حصول الكرد على وطن قومي خاصّ بهم على أرضهم التاريخية، أنشأت الدول العربية والدولة التركية دولاً قومية لها حسب المعاهدات الدولية طاعنةً بمعاهدة "سيفر". واليوم، حان الوقت والتاريخ والضمير الإنساني والوجدان لتسمح للكرد باستعادة حقوقهم. نحن مع الاستفتاء وحق الشعب في تقرير مصيره، وضد النظرة الشوفينية العنصرية وعدم قراءة التاريخ والحقائق، وكأنّ الكرد يريدون اقتلاع أراضٍ غير أراضيهم. يجب الاعتراف بأن الأراضي التي يعيش عليها الكرد أراضٍ كردية تاريخياً وهي من تراث أجدادهم، وقد تمَّ تعريبها والاستيلاء عليها وجُرِّدوا من حقوقهم المدنية والثقافية وحُظرَت اللغة الكردية".

نسألها إذا صوَّت الكرد بـ"نعم" فمن سيحكم في ظل الخلافات داخل الأحزاب الكردية؟ تجيب: "توحَّد الكرد دعماً للاستفتاء رغم الخلافات الحزبية بين "الحزب الديموقراطي الكردستاني" والأحزاب الكردية في روج آفا، التي أكدت وقوفها مع كرد الإقليم والجاهزية للدفاع عنه عسكرياً وسياسياً. ونحن مصرّون على المضيّ قدماً، وقد آن الأوان لترتيب البيت الكردي في ظلّ كل الخلافات السياسية. ويجب انعقاد المجلس الوطني الكردي الذي يضمّ جميع الأصوات الكردية، وأدعو أيضاً إلى عقد مؤتمر وطني نكون فيه جميعاً صوتاً واحداً في مواجهة المخاطر والإنكار الذي يتعرّض له الشعب الكردي".


ضدّ الدولة القوميّة في مفهومها الضيّق

وعن اعتبار مراقبين أنَّ استقلال كردستان سينجم منه "إسرائيل" ثانية في المنطقة؟ توضح عثمان أنَّ "كل هذه الأحاديث لعب على الوتر لينتج منها غضب عربي ضد الكرد وهو مفتعل للحصول على مكتسبات، نحن على خلاف كبير مع إسرائيل وضد السياسة التي تتبعها، ونعرف أنها أكثر من أدى دوراً سلبياً ودنيئاً في اعتقال الزعيم عبدالله أوجلان والتاريخ لن يغفر لهم. أما في منظورنا السياسي الأوجلاني، فنحن ضد إنشاء دولة قومية للشعب الكردي في المفهوم الضيّق. لا نريد أن تضمُّ الدولة فقط كرداً بل أن نعيش ضمن اتحاد كونفدرالي. والمستغرب أنَّ من يدافعون عن حق الكرد في تقرير مصيرهم في العراق يرفضون مطالبات كرد سوريا بالفدرالية. ورغم كل ما يجري، نؤكد رفضنا تقسيم أي دولة عربية، ونسعى إلى نظام تعددي لا مركزي يعيش فيه الكرد والسريان والأرمن والتركمان والعرب ضمن فسيفساء مذهبية وعرقية من دون قمع وإنكار وإبادات في حقهم فقط لأنهم ذوو انتماء مختلف. هذا الاستفتاء لا يعني تغيير الحدود، بل من باب السماح للشعوب في إعلاء الصوت والتعبير عن رأيها، فلمَ كل هذا الحشد العسكري. هل هذا هو الحلّ؟ لا يزالون يمارسون سياسة الإنكار نفسها، لم يتغيَّر شي!".


وبينما يصوِّت كرد العراق على استفتاء يتيح لهم تـأسيس دولتهم والحفاظ على كيانهم تُقرع طبول الحرب من جديد في المنطقة، إذ إنَّ اتفاقات ومعاهدات سابقة بين الدولتين التركية والعراقية تمنع أي تهديد قد يطال أنقرة. ويقول محللون إنَّ تركيا لن تسمح بنشوء أي دولة مستقلة شمال العراق. وقد صرَّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنَّ "تركيا ستضطر للتسلح لدخول الحرب واللجوء إلى حل عسكري". وفيما تعلو الشعارات القومية والسياسية عراقياً، تركياً وكردياً، النفط هو الهدف الأساس في كل هذا الصراع إذ إنَّ المناطق الكردية غنية بالنفط. ليبقى التساؤل ماذا يخبئ الغد بعدما قال رئيس الإقليم إن العلم العراقي سيبقى مرفرفاً، فهل نشهد تدخلاً عسكرياً تركياً، أم فقط حصاراً اقتصادياً يضعف "دولة" كردستان قبل أن تبصر النور؟ 

salwa.abouchacra@annahar.com.lb

Twitter: @salwabouchacra