اهلاً بكم في سير "عروس المصايف"

طرابلس - رولا حميد

تجمع بلدة سير سحر الطبيعة من جوانب عدة، وتعبرها الفصول متناوبة بين الحر اللطيف الذي تكسر قسوته وفرة المياه والينابيع، مظللة بالأشجار المعمرة من دلب وسنديان وصنوبر، والبرد الدافىء بثلوجه، يتساقط شتاء بين تلال ووهاد تخفف اندفاع رياح الثلج العاتية على أمكنة أخرى.  


تشتهر البلدة بلقب "عروس المصايف اللبنانية" وتسمى ايضا "جنة القرى اللبنانية"، ويقال ان اسمها الفينيقي يعني "القمة"، والاصل السرياني للاسم يعني الصخور المرتفعة او العالية.


ومَن يزر "سير" تبهره مناظرها الخلابة، حيث الخضرة في جميع ارجائها، والمياه المنسابة من تلالها وفي سواقيها، راسمة لوحة طبيعية، وهي مركز قضاء المنية – الضنية شمال لبنان، تقع على ارتفاع يراوح ما بين 900 و1150 مترا عن سط البحر، تبعد عن العاصمة بيروت 110 كيلومترات، وعن طرابلس 27 كيلومترا، وهي تختبئ في احضان الجبال على ضفاف الانهار والوديان، وتشتهر بزراعة الفواكه والخضر، وباشجارها الحرجية، ويتصف اهلها بالفطرة، والحب، والحيوية، وبالعلم، وحسن الضيافة، والتمسك بالعادات والتقاليد والاخاء بين مسلميها ومسيحييها.


كما تشتهر بكثرة المطاعم والفنادق، وبسوقها التراثية، وبمغارة مهمة فيها تضاهي أهم المغاور اللبنانية الأخرى، هي مغارة الزحلان الطبيعية الواقعة بين ثلاث تلال، وفيها روعة التكوين، وآيات الجمال، واشكالها اشبه بالتطريز البديع في تناسقه والوانه، اضافة الى مغاور اخرى، وتتوافر فيها كل مكونات السياحة البيئية، وهي خزان طبيعي للمياه العذبة التي لا تنضب على مدار السنة حيث يعزف الماء المتدفق من بين الصخور خريرا لا تملّه النفس، كسيمفونيات طبيعية متواصلة، ترحل بالسامع إلى عوالم الجمال والخيال.


وقد شهدت سير تراجعا على الصعيد السياحي، والاصطياف اللبناني، والعربي بسبب الحرب اللبنانية، اذ كان يقصدها المصطافون العرب، خصوصا من دول الخليج ، كما كانت تزورها الوفود السياسية، والفعاليات الادبية، والثقافية، والفنية. لكن البلدة عادت تلتقط انفاسها منذ العام 2010 بفعل النشاط البلدي اللافت في عهد رئيس مجلس بلديتها احمد علم الذي اعيد انتخابه في العام 2016، ومنذ 2010 تشهد سير ورشة شاملة تشمل بناها التحتية، وطرقاتها، ومرافقها، على رغم الامكانات المالية الضئيلة.


علم تحدث عن سير، فأوضح انها "من افضل مناطق الاصطياف في لبنان، فهي شهدت اول انتخاب لملكة جمال الاصطياف سنة 1976، وتتميز بالعدد الكبير للفنادق قياسا بالمناطق اللبنانية الاخرى منذ ستينات القرن الماضي، عدا عن مناخها الطبيعي وينابيعها ومطاعمها المنتشرة بكثرة والتي تستقبل اعدادا كبيرة يوميا، وهي حافظت على السلام إذ لم تتعرض لاي نوع من الاحداث خلال الحروب في لبنان، كما حافظت على العيش الواحد المشترك بين مسلميها ومسيحييها، وهم عائلة واحدة". وافاد أنه"يجري العمل حاليا في مشروع تلفريك سير بعد توقف منذ السبعينات وهو مشروع حيوي يساهم في انعاش سير وقضاء الضنية. اما بالنسبة الى مغارة الزحلان فقد بذل مالكها محمد جواد فتفت جهودا مضنية للوصول بها الى ما وصلت اليه من جمال وشهرة فباتت تستقطب اعدادا كبيرة من الزائرين".


واكد "ان سير باستطاعتها استقبال كل الزائرين والسياح"، مضيفا: "نحن في المجلس البلدي نعمل على رفع مستوى الخدمات، فقد انشأنا اخيرا مكتبة عامة ومكتبا سياحيا يقدم كل المعلومات عن معالمها، كما يرافق اعضاء منه السياح في جولاتهم للتعرف الى البلدة ومعالمها السياحية، وتشهد عودة العمل بالفنادق التي كان قد توقف بعضها. وشكلت البلدية لجنة من اصحاب المطاعم، واتفقنا على تخصيص يوم في الاسبوع بتسعيرة مخفضة لتشجيع رواد المطاعم".


وقال: "وضعنا العديد من الدراسات والمشاريع منها تنظيم مهرجان سياحي سنوي، وسوف نشكل وفدا يضم المجتمع المدني لزيارة دول الخليج العربي وبلدان الاغتراب لعرض اوضاع البلدة وما طرأ عليها من تحسن ونمو وازدهار".


وعن دور اتحاد بلديات الضنية قال:"في السنوات الماضية قدم الاتحاد العديد من الخدمات والمشاريع بحسب امكاناته المادية، واستطعنا انشاء قصر بلدي، ومكتبة عامة، ونادٍ رياضي، وتوسيع الطرق وتأهيلها وتجميلها وخصوصا مدخل البلدة، وكذلك البنى التحتية، بالتعاون مع الاتحاد، وشراء معدات لتسهيل العمل البلدي".


ودعا علم سياسيي الضنية والشمال الى "دعم المشاريع المقدمة من البلدية، الى وزارة السياحة ومجلس الانماء والاعمار والوزارات المعنية ومواصلة المشوار معنا لاستكمال المسيرة"، كما دعا الخليجيين والمغتربين اللبنانيين والسياح الاجانب الى "زيارة سير والاطلاع على ما فيها من مميزات، والمستثمرين ورجال الاعمال الى الاستثمار في سير الضنية".


رعد


على الطريق العام، وعند منعطف يتوسطها، يقوم مطعم "نبع سير" أحد أبرز المطاعم في البلدة، وقد أسسه الراحل فيصل رعد، أحد أبناء البلدة الارستقراطيين عام ١٩٥٢، تحتضنه اغصان وارفة من الدلب المعمر، وتترقرق المياه من جنباته مشكلة شلالات صغيرة جميلة، تسبح فيها طيور كثيرة من البط والأوز، ولا يزال يحافظ على الطابع الذي أنشىء فيه، لذلك يقصده الناس لأجوائه التقليدية وفطرية الموقع، وعفويته الطبيعية.


ويتحدث أحد أبناء الراحل فيصل رئيس بلدية سير السابق المحامي راغب رعد (احد مالكي مطعم نبع سير) عن بلدته التي قال إنها "جميلة وتتمتع بمميزات كثيرة، فهي تتميز بمناخها الطبيعي، ومياهها العذبة، ومنتجاتها البلدية، ولقمتها الشهية، والاسعار فيها رخيصة، وهي قريبة من المدن والبلدات الاخرى، والوصول اليها سهل، واهلها طيبون، وقد اشتهروا منذ القدم بالكرم، وحسن الضيافة، وهم بسطاء وأنقياء، يشبهون طبيعة الضنية التي حباها الله بأجمل المناظر الطبيعية، وبالمياه، والخضرة. وفي البلدة نسبة كبيرة من المتعلمين والمثقفين. واتوجه للراغبين بالمتعة الطبيعية، والأجواء الراقية، الى زيارة اجمل قرية سير".


الأوضاع الأمنية المتتالية اثرت على السياحة بصورة عامة، ونال سير منها الكثير، لكن الأمل بغد أفضل دفع بعض المتحمسين الى بناء مشاريع سياحية كبيرة، وفي مقدم هؤلاء رجل الأعمال محمد جواد فتفت الذي تحدث عن جملة مشاريع سياحية في سير ومحيطها، فلفت الى "ان هناك مشاريع نفذت وغيرها ستنفذ ومنها: مغارة الزحلان، الآثار، القطار، الفنادق والشاليهات، بحيرة صغيرة، ويجري العمل على تلفريك سوف ينجز قريبا وتلفريك آخر نأمل انجازه، اضافة الى مراكز التزلج والشاليهات الخشبية ومركز "تلسكوب" والجسر المعلق لقفز المظليين والطائرات الشراعية. وكل المشاريع تتطلب التعاون بين الدولة والبلدية والمؤسسات المعنية".