المدارس الرسمية في البقاع تتحضر للعام الدراسي وتوقّع بارتفاع عدد تلامذتها من لبنانيين وسوريين

زحلة- دانييل خياط

لم يمض يومان على فتح باب التسجيل في المدارس الرسمية، وها هو مدير ابتدائية يحاول ان يجعل والدين يقبلان بواقع ان تسجيل ولدهما رهن بشغور مكان له، ذلك ان القدرة الاستيعابية للمدرسة تضيق بتلامذتها من مترفعين ومعيدين، محاولاً افهامهما ذلك بلغة يستوعبانها متوجهاً للوالد- المزارع "الامر كما هو الحال بالنسبة للري، فالمياه تمرّ على الاراضي بحسب ترتيبها"، لا تكتمل هذه الواقعة الا بذكر ان الوالدين لبنانيان وبأن المدير كان يتحدث عن الدوام الصباحي. ذلك انه في ابتدائية رسمية في بلدة أخرى، لم يكن اي من اهالي تلامذتها اللبنانيين قد حضر بعد لتسجيل اولاده، في مقابل توافد الاهالي من اللاجئين السوريين لتسجيل اولادهم فتضطر الادارة للاعتذار منهم والطلب اليهم العودة مرة أخرى، لان الاولوية في الدوام الصباحي هي للتلامذة اللبنانيين، الى حين صدور مذكرة تسمح باستكمال الاعداد في الصفوف بالتلامذة غير اللبنانيين. أما سبب تأخر اللبنانيين في الاقبال على تسجيل اولادهم في المدرسة، بحسب مديرة الابتدائية، فيعود الى مشاغل الاهل في السهل لكون معظمهم من المزارعين.

هذا التفاوت في الاقبال على المدارس الرسمية سيتكرر بين مختلف بلدات البقاع ومدنه. وفي كل مرة سيكون له اسبابه المتعلقة ببيئة المجتمع الذي تقوم المدرسة وسطه وبثقافته، وبتوافر المدارس الخاصة ومستوياتها الى عدد السكان والطبقات الاجتماعية التي ينتمون لها، وهذا التفاوت يختلف بين مرحلة دراسية وأخرى. فيما الاسباب المتعلقة بالمدرسة الرسمية نفسها، يعود في جزء منه الى نشاط ادارة المدرسة وكادرها التعليمي ومدى التصاقها بمجتمعها، في مقابل تأثير إضرابات القطاع التعليمي الرسمي في السابق، للمطالبة بسلسلة الرتب والرواتب، على استقرار العام الدراسي و"تهشيل" الاهالي عن المدرسة الرسمية، بحسب المديرين.

ففي بلدة من 50 الف نسمة، تستضيف 120 الف نازح، ليس مستغرباً ان يغصّ كل من الدوام الصباحي في الابتدائية المذكورة اعلاه بالتلامذة اللبنانيين والقدامى من التلامذة السوريين، ودوام بعد الظهر بالتلامذة من اللاجئين السوريين. بل ان كلاً من المدرستين المتوسطة والرسمية في البلدة تشهدان إقبالاً مماثلاً، وتفخران بتسجيل نسب نجاح عالية في امتحانات الشهادات الرسمية، فيما 6 من تلامذة الثانوي حازوا منحاً من "الوكالة الاميركية للتنمية الدولية" للدراسة في الجامعة الاميركية في بيروت في اختصاصات علمية كالهندسة والكيمياء.



في المقابل، فإن الابتدائية الثانية المذكورة اعلاه، كانت في الاساس تكميلية، ولكن تراجع عدد تلامذتها في المرحلة المتوسطة، أدى الى تحولها لمدرسة ابتدائية. تلامذتها اللبنانيون من المحلة المجاورة من ابناء العشائر العربية، اما استمراريتها فيعود الى التلامذة السوريين، وهي لهذا الغرض حازت منحة اوروبية لترميم مبناها، في اطار دعم المجتمعات المضيفة. اما سبب امتناع اهالي البلدة عن ارسال اولادهم الى المدرسة، فيعود الى وجود مدرسة ابتدائية خاصة شبه مجانية تابعة للمدارس الكاثوليكية، يرتادها تلامذة البلدة من دون ان يضطروا للاختلاط "بالآخرين" من تلامذة لبنانيين وغير لبنانيين، وتغنيهم عن المدرسة الرسمية لجهة الاقساط المدرسية لكونها شبه مجانية، ناهيك بعامل آخر يعود الى ارتفاع عدد الموظفين في القطاع الرسمي والاسلاك العسكرية في صفوف ابناء البلدة، الذين يفيدون من بدلات المنح المدرسية بما يوفر لهم القدرة على ارسال اولادهم الى المدارس الخاصة. وهذا العامل الاخير سيتكرر في غير بلدة، كسبب مساعد للاهالي على تقديم خيار المدرسة الخاصة على المدرسة الرسمية التي تبقى ملاذاً لابناء طبقة العمال والفلاحين.

يتوقع مديرو المدارس ارتفاع اعداد التلامذة اللبنانيين، في مختلف مراحل التعليم الرسمي، كنتيجة للحديث عن رفع المدارس الخاصة لاقساطها بعد اقرار سلسلة الرتب والرواتب، الى النتائج المجلية التي تحققها المدرسة الرسمية في الامتحانات الرسمية لكن لا يزال مبكرا رصد صحة هذه التوقعات ونسبتها لكون التسجيل في مدارس القطاع الرسمي لا يزال في بداياته.

المؤكد ان المدارس الرسمية، لن تعاني بخاصة في مرحلة التعليم الاساسي، من تراجع في اعداد التلامذة من اللاجئين السوريين الذي يعتبر البقاع الى جانب الشمال واحداً من اكبر التجمعات لهم. واذا كان صحيح بأن مدارس التعليم الرسمي لا سيما في المرحلة الاساسية تعاني ضغوطاً بعد وضعها في خدمة تعليم التلامذة السوريين، بحيث باتت تعمل بدوامين، ومنها بقيت ابواب صفوفها مفتوحة صيفاً لاجل حصص البرامج التعليمية المخصصة للتلامذة السوريين المنقطعين عن الدراسة. فإن الصحيح ايضاً بان التلامذة السوريين كانوا خشبة الخلاص لبعض المدارس الابتدائية من الاقفال، كنتيجة لتراجع عدد التلامذة اللبنانيين فيها. علما انه لا تكاد تدخل مدرسة رسمية من دون ان تشاهد على بابها لوحات تعلن عن حصولها على دعم ترميماً وتجهيزاً من المجتمع الدولي والمنظمات الأممية في اطار دعم المجتمعات المضيفة. وبالرغم من ذلك يبقى التحدي قائماً لدى المنظمات الدولية والسلطات التربوية اللبنانية، من اجل ان يحظى غالبية الاطفال السوريين في عمر الدراسة على التعليم، بحيث لم يبلغ هذا العدد في العام الدراسي الماضي 50 الف تلميذ، في المرحلة الاساسية، من بين المسجلين لدى المفوضية العليا للاجئين في الامم المتحدة. وهنا ايضا تضطلع عوامل البيئة والثقافة والطبقات الاجتماعية والظروف المعيشية لدى اللاجئين السوريين بدور أساسي في الاقبال على تعليم اولادهم. فاذا كان للمنظمات الدولية والجمعيات الاغاثية دور في التوعية على ضرورة تسجيل اطفال اللاجئين السوريين في المدارس، فإن استمرار هؤلاء في تحصيل العلم وعدم انقطاعهم عن المدرسة، وانتقالهم الى المرحلة المتوسطة فالثانوية، حيث تنخفض اعدادهم، يتعلق بالاهالي انفسهم وظروفهم. فعلى سبيل المثال، يروي احد المديرين، بأنه في وقت يتلقى لائحة بمئات الاطفال الذين جرى تسجيلهم لمتابعة البرامج المخصصة للمنقطعين عن الدراسة، فإن العدد الذي يحضر فعلياً ينخفض الى النصف، ويبقى غير ثابت، بسبب عدم الالتزام بالحضور يومياً للحصص الدراسية، بما يؤثر على انتظام التعليم في هذه الحصص. وفي هذا الاطار يلفت المديرون الى ضرورة الا تكتفي المنظمات والجمعيات المعنية بهذه البرامج بتسجيل الاطفال، بل متابعة حضورهم والتزامهم بهذا الحضور. وبحسب المعنيين بالشأن التربوي، فإن العمالة والزواج المبكرين، عاملان في التسرب المدرسي في صفوف اطفال اللاجئين السوريين من الصفوف الاخيرة لمرحلة التعليم الاساسي وعدم انتقالهم الى المرحلة المتوسطة. ولكن في المقابل يثني مديرو المدارس على شغف التلامذة السوريين، الذين يلتزمون بدراستهم، للتعلم وتحقيقهم نتائج جيدة وممتازة، وقد سجل التلامذة السوريون نسبة عالية من النجاح في امتحانات الشهادات الرسمية، وهم مصدر فخر لمدارسهم لكونهم تدرجوا لديها، وفيها تمكنوا من تجاوز عائق اللغة الاجنبية الذي كان حاجزا ينهي رحلة التعلم لدى التلامذة السوريين عند المرحلة المتوسطة.

ثمة ملاحظة اساسية، يدرجها المديرون، لاهمية دخول الاطفال السوريين للمدارس، تتعلق بالناحية الاجتماعية الى جانب تحصيل العلم، بخاصة سكان المخيمات منهم، والذين يعيشون في ظروف معيشية واجتماعية وصحية سيئة، بحيث تشكل لهم المدرسة متنفساً ومكاناً يحاكي طفولتهم، يختبرون فيها النظام والتعامل مع الحيز العام، ويعيشون في مجتمع مختلف يكتشفوا فيه انفسهم وقدراتهم وحدودهم، ذلك ان العملية التربوية هي تنشئة للفرد ككائن اجتماعي.