معرض - أحمد قليج وساندرا عيسى في "غاليري جانين ربيز": أسلوبان تجمعهما تراجيديا الوجوه المبعثرة

لور غريّب

"وجوه مبعثرة"، هو معرض ثنائي مشترك يقام في "غاليري جانين ربيز"، الروشة، للفنانة اللبنانية ساندرا عيسى (1984) والفنان السوري أحمد قليج (1964) ويستمر الى 21 ايلول.


يختلف الفنانان في الأسلوب، غير ان افكارهما ومعاناتهما تنبعان من مشكلات جيليهما وأحوال بلديهما، وخصوصاً ما تشهده المنطقة من تحولات وانتفاضات وثورات تطمح كلها الى التحرر من الاضطهاد والديكتاتورية والطغيان التي تخنق الانسان العربي وتجعله يقاومها من اجل الحرية والديموقراطية.
ساندرا عيسى
تختار عيسى الوجوه التي تنشر في الصحف والافكار والمقالات والتحقيقات والتعليقات كقاعدة موحدة لاعمالها، ممزوجة بأقمشة وقطع أثاث واشياء من الحياة اليومية التي تعتبرها جلدنا الثاني، اي الغلاف الحامل الثقافة والهوية. في تقنيات متنوعة، تدفع الفنانة الوجوه إلى المواجهة او التظاهر لجبه الاضطهاد ووسائل القمع والتوقيف والسجن التي يتعرض لها كل من يقاوم حجز الحريات.
رسومها عنيفة بأحمرها وتكويراتها السوداء ونظراتها المتوجهة الى هناك حيث الافق، والشعارات والاكاذيب التي تعاكس الواقع وتستعمل حججا للتغلب على الناس. تستعمل الواقع القاسي في تعابير الوجوه، وتنقل بغضب وبعنف التظاهرات واللقاءات بين فئات الشعب، الصغار والكبار، المحتجين وحاملي الاعلام، والاخرين المجهولين في خضمّ الزخم الشعبي. لا تحاول تجميل المشاهد بل ترسمها في عنفها وغضبها وتجهيل اصحابها لأن البحث عن الحقيقة هو ما يدفعها إلى ذلك، الحقيقة التي توجع ولا يمكن التغاضي عنها.
رسومها على كرتون مكسور او مقصوص او مطوي بحسب طبيعة استعماله الاولى، وهي تجيد استخدام المادة لتأتي مناسبة للموضوع الذي تعالجه. لا اضافات ولا زخرفات ولا تجميلات مشهدية بل القليل منها، من مثل بناية مائلة نحو الارض او اخرى نابتة من بين الاجساد، وهي نادرا ما تكمل المنظر ليبدو صورة مألوفة منفذة فقط لارضاء العين، مكتفيةً برسم رمزية الحدث بأقل الخطوط والالوان الممكنة، مسقطةً من حسابها كل ما يطرّي الاجواء ويجعل عملها رسالة مجاملة ترمي الى محاكاة المشاعر قبل العقل والدعوة الى الانتفاض والنقمة ورفض الواقع المؤلم والقاهر.


أحمد قليج
بعكس ساندرا عيسى، يطل الفنان السوري احمد قليج الذي يعمل حاليا في لبنان، بلوحات التعبيرية تغرق في وحدة قاتلة، حيث مساحات مونوكرومية مجردة من اي عنصر تزييني. نماذج اتية من العدم ومتوجهة الى السديم، حتى أن الزائر لا يستطيع تحمل النظرات الغارقة في الوجوه. كرويات شبه سوداء لا تحمل هوية ولا اضافات تعريفية. مشاهد نلمح فيها متاريس، وفي عمق الصورة مجموعات سوداء يفترض ان تكون لعساكر او مقاتلين، وتعلو هذا التجمع بقعة صغيرة زرقاء تدل على اننا في سهل تجري فيه اشياء مخيفة لا نريد التأكد من انها معارك يسفك فيها الدم وتمزّق الاجساد.
يتمتع الفنان بموهبة لافتة في تقديم لوحات ذات ديكورات مختلفة تزيد من رهبة المشهد وشدة التأثير المرئي على الزائر. يتفنن في استعمال الالوان الفاتحة نوعا ما، بعد ان يكون قد نفذ الحالة الدرامية كما يجب. تلك الالوان المضافة تمثل نوعا من تهوئة للموضوع كي لا تبقى العيون جاحظة فقط على الحالة الدرامية.
تتنوع مواضيعه وتلفت الدروس التي تمزق المشاعر الانسانية، وتستفيد لوحات اخرى من فراغات كبيرة والوان شبه مونوكرومية تغطي الفراغ التشكيلي وتبقي بعضا من وجه وبعضا من اشارة دموية وكثيرا من الاصفرار الذي يغزو اللوحة ويجعلها مجردة من الايقاعات الفرحة.
يعطي المعرض فكرة عما يحدث من حولنا وفي قلب ديارنا، ريثما ينطفئ بريق العنف ويحل الهناء الذي يجعل بلدنا من جديد عنوان الحرية والديموقراطية.


laure.ghorayeb@annahar.com.lb