رسالة إلى طالبٍ مسافر

ابتداءً من اليوم تُباشر، يا بنيّ، مستقبلكَ بيديكَ، حرّاً من كلّ عبء، إلاّ عبء الحرية. الحرية المطلقة.

لقد عقدتَ العزمَ على طلب العلم في الخارج. أمُّكَ، وأنا، نبارك ما أنتَ أقدمتَ عليه. فاذهب بخطىً واثقة، وافتحْ بعزيمة القلب، وبوهج عينيكَ، وبالحكمة الطريّة، كلَّ الطرق، وافرشْ لحياتكَ ما يجعلكَ تستحقّ كرامة الحياة.

بوعي المسؤولية الكبرى، بالعقل والرغبة والتوق والشغف والاجتهاد والسهر، ستصنع ما تريد أن تصنعه. وستفعل ذلك من أجل نفسكَ أولاً. ومن أجل القيم التي تربّيتَ عليها.

لم تتعلّم إلاّ ما تعلّمتَه.

وقد تعلّمتَ أن تكون شخصاً مدنياً، وتعلّمتَ الكرامةَ والأَنَفةَ وعزّةَ النفس والتواضع واحترام الآخر والاتكالَ على الذات والحبَّ والكرمَ وكسرَ المستحيل، تحت هيبة القانون والحقّ. وهذا كلّه كافٍ ليكون زادكَ في حياتكِ الجديدة.

لن أعظكَ. من المعيب، أن أعظكَ، يا بنيّ.

أثق بأنكَ جديرٌ بالثقة، وبالقدرة على مواجهة ما أنتَ ستواجهه من تحديات ومشقات.

لن تكون مسؤولياتُكَ قليلة. أنتَ عارِفٌ. بل أكثر من عارِف.

رتِّبْ أولوياتكَ. وأنتَ مُرتِّبها مسبقاً ومنهجياً.

التعبُ الجامعيّ سيجعلكَ مزدهراً كنبعٍ لا ينضب عطاؤه وإبداعه. وكنجمةٍ لا تتعب من إرسال الضوء. ومجاناً. وأينما كان.

أما الليلُ المضني فسيكون طويلاً. وستعرف بنفسكَ كيف تمضي نهاركَ وكيف ستطوي الليل.

إقامتكَ الجامعية، حيث أنتَ، ستمتدّ سنوات. املأها كاملةً. بما يجب أن تُملأ به. هذا شغلُكَ وحدكَ.

واجعلْ إرادتكَ صلبةً كجموح الحبّ لديكَ، وكعنفوان الأمل.

الأهل سيسهرون عليكَ من هنا. وسيكتفون بالحبّ. ولن يلاحقوكَ، لا واقعياً، ولا افتراضياً. هذا لن يعتريه أيّ ريبٍ أو شكّ.

الأصدقاء الغفيرون الذين يحبّونكَ هنا، في البلاد، وتحبّهم، ستعقد هناك، حيث ستكون، من الأواصر، ما يعزّيكَ، ويخفّف عنكَ بعاد هذه الصداقات.

أما البلاد التي ستقيم فيها، فاحترِمْها، وتهيّبْ أمام قانونها، وقيمها، وآنِس ناسها، والمقيمين فيها.

واجعلْها تغتني، أكثر، بعطايا روحكَ، وفوح أخلاقكَ وقيمكَ، وأنَفَتكَ العالية.

وإذا كان لي من رجاءٍ وحيد، فأن تعود يوماً من أجل البلاد.

أنا لا أعظكَ، يا بنيّ. حاشا أن أعظكَ، بعد كلّ ما حبكناه من عرى الحبّ والثقة والصداقة.

أنا لا أعظكَ، أيها الرجل، بل أصافح عقلكَ. وقلبكَ.

سلامي إليكَ.

akl.awit@annahar.com.lb