لماذا تُعتبر الروهينغا "من أكثر الأقلّيات تعرضاً للاضطهاد"؟

وانتقدت منظّمات حقوقيّة دوليّة القانون الذي أقرّته السلطات الرسميّة سنة 1982 والذي حرمت بموجبه الأقلّيّة من الحصول على المواطنة. ونتج عن ذلك عدم اعتراف حكومات ميانمار بتلك الأقليّة كواحدة من الإثنيّات التي تتألّف منها البلاد إضافة إلى سلسلة طويلة من القمع. وقد تجلّى الأخير من خلال ممارسات حكوميّة مختلفة كتقييد حرية تنقّل الروهينغا، إجبارهم على العمل بالسخرة، حصر تلقّيهم التعليم بالمرحلة الابتدائيّة، الاستيلاء التعسّفي على أملاكهم وغيرها من الإجراءات بحسب إحدى دراسات "هيومن رايتس ووتش". وتمّ منع الروهينغا من إنجاب أكثر من طفلين لكلّ ثنائيّ فيما تعيش تلك الأقلّيّة في فقر مدقع وظروف صحّيّة سيّئة. 



اختلاف بالنظرة إلى التاريخ

تشير السلطات الرسميّة إلى المنتمين للروهينغا ب "البنغاليّين" في لفظ ازدراء بتلك الأقلّيّة عبر نسبها إلى مجموعة من المهاجرين الآتين من بنغلادش خلال الاستعمار البريطانيّ. بينما يصف أبناء الأقلّيّة أنفسهم بأنّهم أحفاد التجّار المسلمين الذين أتوا إلى تلك الناحية منذ القرن الثامن للميلاد. وتشكّل طائفة متشدّدة من البوذيّين الغالبيّة الساحقة من سكّان البلاد، إذ بحسب موقع كلّيّة اللاهوت في جامعة هارفارد الأميركيّة، يمارس 90% من مواطني ميانمار البوذيّة بحسب تقليد الثيرافادا. ويشرح موقع "بودانيت" المتخصّص في تفسير المعتقدات البوذيّة أنّ ثيرافادا تتألّف من كلمتين: ثيرا أي الأقدمين وفادا أي العقيدة. وبذلك تعني الكلمة "عقيدة الأقدمين". ويستوحي المنتمون لذلك المذهب تفسيراتهم من "تيبيتاكا" وهو التسجيل الأقدم لأقوال مؤسّس الديانة البوذيّة.



التشدّد الثيرافادي

يشرح موقع كلّيّة اللاهوت في هارفارد أنّ هذا التقليد يحتفظ بالقراءة الأكثر تشدّداً للنصوص القديمة من بين جميع فروع تلك الديانة. وكانت البوذيّة دين الدولة والممالك التي عرفتها تلك البلاد لفترة طويلة من الزمن، ومع مقاومة الرهبان البوذيّيين الثيرافاديّين للاستعمار البريطانيّ تلاحم الحسّ الدينيّ بالحسّ القوميّ. وأطلق الثيرافاديّون هناك شعارات مثل "أن تكون بورميّاً (ميانماريّاً) يعني أن تكون بوذيّاً".


"حركة اليقين"

اندلعت المعارك الأخيرة في 25 آب الماضي بعدما هاجم مسلّحون من الروهينغا عدداً من المراكز التابعة للشرطة في الولاية ممّا أسفر عن مقتل خمسة من العناصر الأمنيّة وسبعة من المهاجمين في بداية الأحداث. وينتمي هؤلاء إلى "جيش إنقاذ روهينغا أراكان" المعروف اختصاراً باسم "أرسا". وبدأ هذا التنظيم بالظهور تحت مسمّى "حركة اليقين" منذ سنة 2012 بعد أعمال عنف طالت الروهينغا حين قتِل حوالي مئة شخص من تلك الأقلّية. ومع تصاعد الأزمة خلال الأسابيع الماضية، دعا أمين عام الأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريس، يوم أمس الثلاثاء، سلطات ميانمار إلى إنهاء العنف ضدّ مسلمي الروهينغا في ولاية راخين محذّراً من مخاطر وقوع تطهير عرقيّ وزعزعة الاستقرارالإقليميّ. وكتبت "رويترز" أنّه حين سأله مراسلون عمّا إذا كان يمكن وصف أعمال العنف هناك بالتطهير العرقي أجاب: "نحن نواجه خطر (ذلك) آمل عدم الوصول إلى تلك الحالة".



ومنذ بداية الأزمة الأخيرة، قتل مئات الأشخاص وهرب أكثر من 120 ألفاً آخرين بعد عبورهم الحدود قاصدين بنغلاديش. وعلّق برنامج الأغذية العالميّ توزيع المساعدات بسبب المعارك ممّا أبقى أكثر من ربع مليون نسمة خارج دائرة تلك المساعدات. وبحسب ال "بي بي سي" لا يلقى اللاجئون ترحيباً كبيراً في الدول المجاورة.


"جبل جليد ضخم من التضليل"

في هذا الوقت، كانت مستشارة الدولة في ميانمار (منصب شبيه برئاسة الحكومة) أون سان #سو_تشي تصف الروهينغا بالإرهابيّين. وقبل استلامها الحكم، عانت سو تشي من الاضطهاد في بلادها بسبب مواقفها المعارضة للحكم العسكريّ ففُرضت عليها الإقامة الجبريّة ومُنعت من رؤية زوجها المريض كما تمّ إبعادها عن أبنائها. وحين فازت بالانتخابات التشريعيّة سنة 1990 رفض المجلس العسكريّ تسليمها الحكم، لكن بعد سنة واحدة حصلت على جائزة نوبل للسلام بعد دعمها النضال السلميّ. ولم ترفع السلطات الإقامة الجبريّة عنها إلّا سنة 2010. على الرغم من الظلم الذي تعرّضت له، رفضت سوتشي إدانة الاضطهاد الذي يتعرّض له الروهينغا، بل اتّهمتهم بالإرهاب وبتضليل العالم حول حقيقة ما يجري في بلادها. وخلال اتصال هاتفيّ مع الرئيس التركيّ رجب طيّب #أردوغان، أعادت التأكيد على أنّ "جبل جليد ضخماً من التضليل" يتمّ تسريبه إلى وسائل الإعلام حول أزمة الروهينغا من أجل "إفادة الإرهابيّين".


"متواطئة في جرائم ضدّ الإنسانيّة"

هذا التصرّف دعا عدداً من الكتّاب الغربيّين الذين أبدوا سابقاً تقديراً لافتاً لسوتشي، إلى انتقادها بشدّة. فالكاتب والناشط السياسيّ البريطانيّ جورج مونبيو رأى في صحيفة "الغارديان" أنّه بالمعايير نفسها التي جسّدتها سوتشي، يمكن وصف ما يتعرّض له شعب الروهينغا بالفظيعة. مونبيو الذي لم يضع آماله بالسياسيّين كما فعل مع سوتشي، شكّك في كونها قرأت التقرير الأممي للجنة حقوق الإنسان الذي صدر في شباط الماضي عمّا تعانيه تلك الأقلّية، من اضطهاد واغتصاب جماعي للنساء وقتل للأطفال أمام أعين أهلهم وغيرها من الفظائع.

"إنّها تنكر على الآخرين الحرّيات التي طالبت بها عن حقّ لنفسها" يضيف مونبيو الذي أكّد أنّه وقّع عريضة تطالب بسحب جائزة "نوبل" من سو تشي. وقد حثّ الآخرين كي يوقّعوا تلك العريضة، لأنّ سوتشي "متواطئة في جرائم ضدّ الإنسانيّة".