النظام السوري يهز حصار الدير... نهاية كابوس أم بداية رعب جديد؟

وبدأ جيش النظام السوري، منذ أسابيع، عملية عسكرية واسعة باتجاه محافظة دير الزور، وتمكن من دخولها من ثلاثة محاور رئيسية هي جنوب محافظة الرقة، والبادية جنوباً من محور مدينة السخنة في ريف حمص الشرقي، فضلا عن المنطقة الحدودية مع العراق من الجهة الجنوبية الغربية

ويسيطر التنظيم منذ صيف 2014، على أجزاء واسعة من المحافظة التي تعرف اختصاراً بالدير، ونحو ستين في المئة من مساحة مدينة دير الزور، ويحاصر منذ مطلع 2015 أحياء عدة داخلها فضلاً عن مطارها العسكري. 

فتح ثغرة في جدار الحصار

وعلى رغم الصخب الاعلامي الواسع الذي يرافق تقدم قوات النظام، يقول مدير "المرصد السوري لحقوق الانسان" رامي عبد الرحمن ل"النهار" أن ما حصل اليوم هو "فتح ثغرة في جدار الحصار وليس فكاً كاملاً للحصار"، لافتاً الى أن المشاهد التي يوردها اعلام النظام نفسه تظهر استمرار المواجهات، وطائرة حربية لا تزال تقصف مواقع الطريق المؤدي الى المدينة، مضيفاً أنه "حتى الان لم يدخل المدينة الا ما بين 70 و75 من القوات النظامية".




ومع أنه يعتبر أن السباق الى مدينة دير الزور مسحوم لمصلحة النظام، يرى أن فك الحصار بالكامل يحصل عندما تصل القوات المتقدمة من ناحية السخنة الى دوار البانوراما.

 سيطر التنظيم، منذ صيف عام 2014 على معظم المحافظة، وهو يحاصر منذ بداية 2015 قوات النظام التي بقيت متواجدة فقط في أجزاء من مدينة دير الزور، مركز المحافظة، ومطارها العسكري.

دير الزور

 تقع محافظة دير الزور في شرق سوريا على بعد نحو 450 كيلومترا شمال شرق العاصمة دمشق وعاصمتها مدينة دير الزور، على الحدود مع العراق، ويمر بها نهر الفرات.

 تمتد المحافظة على مساحة تزيد عن 33 ألف كيلومتر مربع، وتحتل المرتبة الثانية في قائمة أكبر المحافظات السورية من حيث المساحة، بعد محافظة حمص. ويقدر عدد سكانها بنحو مليون مئتي ألف نسمة وذلك حسب تقديرات عام 2010.




ومعظم سكانها من العرب، وفيها أيضا أكراد وأرمن، ويربطها بباقي المدن والمحافظات شبكة من الخطوط الحديد بالإضافة إلى مطار دولي.


والى موقعها الاستراتيجي، تعرف دير الزور بحقولها النفطية الكبيرة مثل التنك والعمر والورد والتي سيبطر تنظيم الدولة على أغلبها بعد معارك ضد المعارضة السورية.


تعد دير الزور آخر أكبر معقل ل"داعش" في سوريا، في الوقت الذي يحاصر مدينة الرقة مقاتلو تحالف "قوات سوريا الديموقراطية" الذي تدعمه الولايات المتحدة. 

ويعيش في المنطقة المحاصرة نحو 93 ألف مدني تقريباً يعتمدون في شكل اساسي على الامدادات التي يوفرها الجيش السوري والمساعدات الدولية التي تلقى لهم من الجو.
 وقيل إن سوء التغذية بدأ ينتشر منذ مطلع 2016 بين السكان، وتفيد تقارير غير مؤكدة أن بعض الناس يموتون جوعا. 

كارثة استراتيجية

عموماً، يقول الباحث في الشأن السوري آرون لاند إن اعادة فتح الطريق الى مدينة دير الزور تعتبر كارثة استراتيجية ل"داعش" الذي بات في أضعف مرحلة له منذ 2014، وعاجزاً عن وقف دوامة الهزائم المتسارعة.


فبعد خسارته الموصل، بات يواجه اتتكاسات متلاحقة على يد "قوات سوريا الديمةقراطية" في الرقة، في الوقت الذي تستعد القوات العراقية لاقتحام مناطق جديدة له على الحدود. 

وكان التنظيم بدأ أخيراً تعبئة مدنيين في محاولة لتعزيز مواقعه في شرق سوريا، ولكن من المستبعد أن يستطيع مواجهة القوات النظامية التي تحظى باسناد جوي، إضافة الى الهجمات التي تشنها قوات سوريا الديمقوقراطية من جهات أخرى.

 وبالنسبة الى المدنيين التي كانوا يعيشون تحت الحصار في منطقة سيطرة الجيش السوري، وتحديداً في الجورة والقصور اللتين تحدهما الصحراء من الجنوب ومطار من الشرق، يقول لاند إن فك الحصار سيكون بمثابة نهاية كابوس طويل.

 ويمكن أن تعود قريباً المواد الانسانية والتجارة الى طرقات المنطقة، ما ينهي التهديد بالجوع الذي كان سيفاً مسلطاً عليهم لفترة طويلة.



وفي المقابل، يمكن أن يكون فك الحصار عن دير الزور بحسب لاند بمثابة حلقة رعب جديدة للقاطنين في شرق سوريا. فمع أن الحكومة تحكم نحو 100 ألف شخص يسكنون في مدينة دير الزور، يعتقد أن المحافظة تعد نحو 1,2 مليون شخص اضافيين، بمن فيهم أولئك النازحين من مناطق أخرى في سوريا. وإذا نجحت الحكومة في توسيع حربها لاستعادة المناطق الاخرى في المحافظة على طول الفرات، فإن الحرب ستنتقل الى تلك المناطق المأهولة، مما يعرضهم لموجة جديدة من الموت والدمار.

ولكن عبد الرحمن يرى "أننا لا نزال في معركة فك الحصار، وثمة أحياء كثيرة من المدينة تحت سيطرة داعش"، لذا تعتبر معركة المحافظة بعيدة.

 وسبق للأمم المتحدة أن حذرت من العدد المرتفع للضحايا المدنيين في دير الزور بسبب الغارات التي تنفذها جهات عدة في الحرب. ومع ذلك، لا ينفي لاند أن العودة المظفرة للنظام الى الشرق قد ترسم معالم نهاية الحرب في هذا الجزء من سوريا، مع تمكين قوة سورية تحظى بدعم روسي وإيراني من اعادة احلال الاستقرار القمعي الذي عرف به النظام السوري.


وبالتأكيد لن يكون للسكان كلمة في هذا الحكم الجديد الذي سيكون أٌقرب الى كابوس منه الى أمل بالنسبة الى اولئك الذين تلاحقهم المخابرات السورية.

أما بالنسبة الى سوريين لا يبحثون الا عن البقاء على قيد الحياة بعد هذه الحرب، يمكن أن توفر عودة النظام الى دير دير الزور بارقة أمل بمستقبل بلا حرب.


وتعتبر قضية تقدم النظام إلى ديرالزور، تأكيداً عملياً على قضية التوافق الروسي-الأميركي على اقتسام المحافظة، بحيث تكون المناطق جنوبي نهر الفرات من صالح النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، أما المناطق شمالي النهر فستكون لصالح أميركا عبر حليفها العسكري "قوات سوريا الديمقراطية".