لهذه الأسباب يتمسّك "حزب الله" باتفاقه مع "داعش"

لعل عبارة الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله التي توجه فيها عام 2010 لخصومه "ما فهمتونا وما رح تفهمونا"، يمكن أن تختصر جوهر السجال والانتقادات التي توجه إلى الحزب على خلفية التفاوض مع تنظيم "داعش".  

عدا أنّ العبارة تلك تؤكد معادلة مفادها أنّ تعامل الحزب مع القضايا الداخلية والإقليمية ليس بالطريقة نفسها التي تتعامل بها القوى السياسية مع المستجدّات الطارئة أو المتوقعة.

لكن إضافة إلى تلك النصيحة التي أطلقها نصر الله، تكشف معلومات لـ"النهار" أنّ الحزب الذي يردد في أدبياته آيات قرآنية عدة من أبرزها "وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسؤولاً"، أي إنه إذا أبرم المسلم عقداً فيجب أن يحترمه، وإذا أعطى عهداً فيجب أن يلتزم به. فالعهد لا بد من الوفاء به، كما أنّ اليمين لا بد من البر بها.

لن يصل إلى نتيجة السجال الدائر والاتهامات التي يطلقها خصوم "حزب الله" حيال المفاوضات والصفقة التي أجراها الأخير مع "داعش"، ثم إصداره بياناً ينتقد فيه القصف الأميركي لقافلة "داعش" التي كان من المفترض أن تنهي رحلتها في دير الزور، وتحميل الحزب واشنطن مسؤولية سلامة المدنيين في القافلة ذلك أنّ "حزب الله" لا يساوم على العنوان الأخلاقي والقيمي الديني الذي له علاقة لا فقط بالوفاء بالعهود وعدم الغدر، بل بمراعاة البعد الإنساني حتى ولو كان الأمر متعلقاً بفريق أو جماعة من أكثر الجماعات خصومة وعداءً للحزب، علماً أنّ التنظيم هو عدوّ وجودي وعقائدي وديني لـ"حزب الله" يتجاوز أحياناً حتى عداء إسرائيل للمقاومة. إذاً لا مساومة على القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية التي لها علاقة بصلب الدين والتكوين الفكري والإيماني لهذا الحزب.

أما جوهر معركة تحرير الجرود فكان كشف مصير العسكريين المخطوفين لدى "داعش"، وهو ما أعلنه الجيش وتبنّته أيضاً المقاومة وأنّ مصير هؤلاء مرتبط حصراً باعترافات الإرهابيين المحصّنين في الجرود عدا أنّ هذا الهدف شكّل محور معركتي "فجر الجرود" و"إن عدتم عدنا"، وأنّ عدم كشف أسرار قضية العسكريين المخطوفين، بما تمثل من جزء عضوي، مرتبط بالجيش والدولة والأهالي ولذلك تم وضعها كهدف ثانٍ للمعركة بعد تحرير الجرود.

وفي سياق متصل كان للحزب هدف آخر هو استعادة الأسير أحمد معتوق الذي يمثل عنصراً أساسياً مرتبطاً بالعملية. ومعروف أيضاً أنّ الحزب سبق أن أتمّ عمليات تبادل عدّة في إطار عملياته العسكرية التي كان يخوضها وكان من أهدافها، عدا تحرير الأرض، استعادة أسرى أو رفات عناصر له سقطوا في معارك سابقة.

أما الاتفاق الذي تم بين "حزب الله" و"داعش" فهو لم يكن جديداً على الأول وإنما كان مفاجئاً وجديداً للتنظيم الإرهابي الذي اضطر للتفاوض، وذلك للمرة الأولى ومنذ وجوده، وأن يكسر عقيدته التي اتبعها في كل الساحات داخل سوريا وخارجها.


هذه الأسباب التي تكشفها مصادر "حزب الله" تضيف إليها أنّ المعركة التي خاضها الحزب والجيش السوري وكذلك الجيش، حققت أهدافها بأقل الخسائر البشرية وعندما تتحقق الأهداف بحقن الدماء فهذا يعد إنجازاً عسكرياً.

كل هذه البروباغندا المعادية تحاول أن تضع العملية خارج النطاق الحقيقي للأهداف التي رسمها "حزب الله"، وأيضاً تنسف عشرات الروايات الهوليوودية عن "داعش" منذ بدء عمليات التحالف الدولي عام 2014 ضد هذا التنظيم. مع التذكير بأنه نادراً ما هاجم هذا التحالف قوافل "داعش" التي كانت تجوب الصحراء سواء في العراق أو في سوريا. إضافة إلى أن التركيز على الاتفاق والمفاوضات التي أجرتها المقاومة مع "داعش" هو محاولة للالتفاف على الإنجاز الكبير الذي تحقق في الجرود من جهة، ومحاولة تظهير علاقة ما بين الطرفين من جهة أخرى. لكن تكفي العودة إلى الهجمات التي نفذها "داعش" ضد الجيش السوري و"حزب الله" خلال الشهرين الأخيرين ليتبيّن حجم شراسة هذا التنظيم في قتاله وتسببه في سقوط عشرات الجنود السوريين وعدد كبير من عناصر المقاومة. والملاحظ أنّ "داعش" لم يُظهر سابقاً شراسة في قتاله للتحالف الدولي. وأخيراً يُطرح السؤال عن أهداف الإنزالات الأميركية في أرياف دير الزور، ومنها في منطقة التبني إذ تأكد أنّ الأميركيين سحبوا عدداً من عناصر "داعش" خلال تلك الإنزالات عدا أنهم فتحوا ممراً للدواعش من تلعفر إلى البادية السورية، ولكنّ الجيش السوري وحلفاءه أقفلوا ذلك المعبر في الريف من خلال هجوم على ريف الرقة.


أخيراً يردد مقربون من الحزب أنه ماذا إذا كان يحق للتحالف الدولي محاصرة قافلة فيها مدنيون بينهم أطفال ونساء حوامل والحكم عليها بالإعدام، علماً أنه مثل هذا التصرف لم تشهده سوريا مع عشرات القوافل لـ"داعش" إلا إذا كان المقصود هو فقط إحراج "حزب الله".

Abbas.sabbagh@annahar.com.lb