الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

عمر الخيّام: الخمرُ مشروعٌ روحيّ فلسفيّ غراميّ لصناعة الجسور بين الوجود والعدم

المصدر: "النهار"
الكتابة والحوار: أسعد الجبوري
Bookmark
عمر الخيّام: الخمرُ مشروعٌ روحيّ فلسفيّ غراميّ لصناعة الجسور بين الوجود والعدم
عمر الخيّام: الخمرُ مشروعٌ روحيّ فلسفيّ غراميّ لصناعة الجسور بين الوجود والعدم
A+ A-
ما إن جلس الرجلُ على كرسيّ الخيزران، حتى بادرنا بالاعتراف قائلاً: أنا هو عمر الخيام الذي تبحثون عنه. فإذا كان ذلك من أجل الحوار، فأنا أرغب بإجرائه على متن "مقهى ديك الجن" المتاخم لبحيرات الزعفران. هناك سأطلعكم على ملفات سابق زماني وحاضري ومستقبلي أيضاً. آنذاك، وبغمضة عين، أصبحنا في المكان ذاته، تلبيةً لرغبة الشاعر عمر الخيام. وصلنا إلى المقهى. وقبل أن نتذوق شراباً، افتتحنا معه هذا الحوار الذي ننشره كاملاً هنا، على "موقع النهار الالكتروني"، بعد صدور نسخة مختصرة منه في عدد "النهار"، اليوم الإثنين 21 آب 2017: * كيف تبدو الأرض لعينيكَ من خلال ذلك المرصد الحديث الذي تتولى مسؤوليته في السماء؟- أراها كتلةً حمراء، وتكاد تنفجر.* سبق أن توليت في الزمن البعيد مسؤولية مراقبة الفضاء في مرصد أصفهان. فهل كانت الأرضُ تربةً شبيهةً بالمريخ كما هو وضعُها الآن؟ - أجل. أنا أتفهم قلق الناس. فإذا كان المريخ أحمر بفعل ارتفاع نسبة أكسيد الحديد بتربته كما هو معروف، فإن الأرض حمراء بفعل الدم. لقد اشتغل الظالمون والظلاميون على تثقيف التراب بالقتل، حتى صارت الأرضُ كريّة دموية.* بمعنى أن الأرضَ على أيامكم، كانت أقل احمراراً ونكباتٍ؟ - أبداً. فمنذ ولادة الأرض أو سقوطها من أحد ثقوب الفضاء الكوني، وترابُها يعاني سفك الدم. في السابق، كانت أدوات الموت بدائية، لكن اكتشاف السيد نوبل للديناميت ومن بعده مجيء صُنّاع الأسلحة الذكية، منح الهلاك حداثة استثنائية جعلت الأرض عبارة عن أكواريوم لمياه بلون الطماطم. * لقد كنت أول مخترع لطريقة حساب المثلثات ومعادلات جبرية من الدرجة الثالثة. ما معنى ذلك بالضبط؟- ذاك ما كان. فقد كنت غارقاً بالجبر وبالمعادلات الخاصة بعالم الرياضيات، وصولاً إلى تعديل نظام التقويم الفارسي الذي اعتمده السلطان ملكشاه السلجوقي.* إذا كنت تعلم ان الله قد ثبت الأكوان وفقاً لهندسته وقواعده، ألم تخشَ –كعالِم- اللعب بتلك التقنية المركبة تركيباً فائق الدقة؟- لم أخش شيئاً. كنت أحاول السيطرة على بعض منابع الأفكار التي تقود إلى اختزال الأكوان بكون له خصائص مشتركة، منعاً للذوبان في الفوضى والتشتت في التيه الأعظم.* هل تعتقد بأن خضوع الروح الشعرية التي فيك إلى قانون الحساب، سبق أن عَقّد وضع القصيدة؟- بالضبط. لم تَعُد الرياضيات ظلاً للشاعر. ولا الشاعر ابناً نجيباً للحساب وقواعده، لا بالأبعاد ولا بالمساحات. فعلمُ القياس الشعري هو غير فرضيات الجبر الهائجة في بُنيات المنطق. * إذاً، هل كنت تحاول التخريب؟ أقصد ان تبنيك المنهج الرياضياتي، كان يهدف زعزعة استقرار الكون، ومنه الأرض على وجه الدقة، أم كان يرغب بتحرير الإنسان من لعبة الإلوهية المُستَدامة؟ - سأقول لك بعض الحقائق: كان المفكرون يعتقدون منذ قرنين – كما كان التطور الفعلي للعلوم يبدو انه اثبت – ان في الرياضيات وحدها تجد معرفة الطبيعة أسلوبها الصحيح وضماناتها الصحيحة. لكن الرياضيات نفسها، من أين تستمد شرعيتها؟ كيف يميز الرياضي الصواب والخطأ؟* قد يأتيك أحدهم ويجيبك ان هندسة اقليدس كفّت عن كونها الهندسة الوحيدة. وكان بالإمكان تصور هندسات أخرى متناسقة كل التناسق بعيداً عن كل ما سبق، بما في ذلك الهندسة الإلهية!- حتى الآن لا وجود لنشاز.* حتى داخل المنطقة الشعرية التي في باطنك يا عمر الخيام؟- لقد حاولت الهرب من هندسة الدين أولاً، لكنني فشلت.* وما سبب فشلك بالضبط؟!- كنتُ أرى "ان الدين هو ما يفعله الفردُ بعزلته الخاصة. وإذا ما تطورت هذه العزلة حتى نهاية مقتضياتها، مرّت بثلاث مراحل: من الله الحيادي إلى اله العدائي. ومن الله العدائي إلى الله- الرفيق. وهكذا، الدينُ هو عزلة. ومن ليس منعزلاً أبداً، ليس متدّيناً أبداً. ان الحماسات الكبرى الجماعية، والتجديدات في الإيمان والمؤسسات والكنائس والأشياء الطقوسية والتوراة والوصايا الأخلاقية ليست سوى زينات وأشكال عابرة للدين"، وهو عندنا غير هذا.* ألم تستفد أنت في شغلك من الدين؟- إذا كان الدين قد طاردني في العلوم المشفوعة بالأدلة والبراهين، فكيف له أن يتركني حراً في الشعر من دون مطاردة وعقاب، والشعر لا يملك إلا الخيال؟* هل لأن الدين، يعتبر الاثنين نسخةً واحدةً: العلوم شذوذاً تحاول تغيير الإرادة الربانّية. والشعر زندقةً مفتوحةَ الأبواب، لا يمكنُ التحكم بمفاعيلها؟ - وهما كذلك من أعمال الشياطين! * نحن نعرف أنك هربتَ من المقصلة اللاهوتية إلى أفق الشاعر حسن الصباح مؤسس طائفة الحشاشين، وهي طائفة الإسماعيلية. هل وجدتَ في ذلك الشخص فضاءً لالتقاط الأنفاس واستعادة الشعر عند طائفته، أم رأيت فيهم الملجأ للحفاظ على بقاء الرقبة فوق كتفيك؟- كان فضاء الإسماعيلية أوسع من فضاءات نيسابور وسمرقند في ذلك الزمان. فما إن عرفتُ مقداري الذهب والفضة في كل جسم مركّب منهما، حسباً للكثافة النوعية، حتى فُتحت في وجهي أبواب الجحيم. ربما لأنني توصلتُ لمعرفة نسب وكثافة الوسخ والوضاعة في أعماق المخلوقات الأرضية، ففضلوا قتلي محواً لعَلمٍ من أعلام الإلحاد! * وهل كنت ملحداً من الملاحدة الدَّهرِيِّين بحق؟- قد لا يسألُ اللهُ كائناً من مخلوقاته عن سبب عدم إيمانه به. إلا أن الملحد يستطيع تقديم مطالعة بما يعتقد وبما لا يعتقد. فاللهُ محاورٌ من الدرجة العظيمة، ولا يغلقُ باباً بوجه كائن قام هو بإنتاجه واجترح تلافيف دماغه.* وإذا كان الله محاوراً عظيماً، فهل تظن أن نتيجةَ كلّ حوارٍ ستفضي في النهاية، إمّا إلى الجنة وإمّا إلى النار؟ - لا أعتقد أن الأمور في النهاية، تتعلق بمسألة...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم