مؤتمر "تحديات المسيحيين" : نبذ العنف والتطرف

عمان-عمر عساف:

أكد مشاركون، في أعمال مؤتمر "التحديات التي تواجه المسيحيين العرب"، ضرورة تعزيز قيّم التعايش الحقيقي والاحترام والحوار لتشكيل مستقبل الإنسان في الشرق الأوسط. وشددوا في ختام أعمال المؤتمر أمس في حضور الأمير غازي بن محمد، كبير مستشاري العاهل الاردني للشؤون الدينية والثقافية والمبعوث الشخصي للملك، على ضرورة العمل الجدي لتحقيق آليات ممهنجة لـ"التخفيف من التطرف القائم على الدين الزائف".


ودعا المشاركون، في جلسة خصصت للشؤون الأردنية والقدس ضمن أعمال المؤتمر الذي عقد على مدى يومين في عمان، إلى نبذ العنف والتطرف والإكراه، مطالبين بـ"توحيد الجهود لمواجهة التيارات المتطرفة بشجاعة وصراحة ووضوح، من خلال خطط تربوية صحيحة تبين الجوانب الإيجابية في الاسلام والمسيحية واليهودية".
وأجمعوا على أن الظروف التي مرت بها مختلف بلدان المنطقة كان لها الاثر السلبي على المسيحيين العرب، الأمر الذي يزرع الخوف والفزع في نفوسهم ويدفعهم إلى الهجرة على رغم كل التطمينات التي تصلهم. واعتبروا أن عملية السلام المتعثرة في الأرض المقدسة، تشكل عقبة كأداء أمام تطور مجتمعات المنطقة بشكل عام، وعلى وضع المسيحيين بشكل خاص.
وكان الأمير غازي، افتتح مندوباً عن الملك عبدالله الثاني بن الحسين، الثلثاء أعمال المؤتمر، بمشاركة شخصيات دينية مرموقة، ورجال دين مسيحي، ورؤساء كنائس من منطقة الشرق الأوسط والعالم وعلماء مسلمين.


ثيوفيلوس الثالث


وأكد بطريرك القدس والأراضي المقدسة والأردن ثيوفيلوس الثالث، في الجلسة التي خصصت للشؤون الأردنية والقدس، الأهمية الأساسية للحوار، وأنه لا يمكن للسلاح والعنف والإكراه أن يحدد مستقبل المجتمع البشري، مضيفاً إن "عملية تشكيل مستقبل الانسان في الشرق الأوسط يبدأ حين ننخرط بالعمل الجاد المتمثل بالحوار فيما بيننا".
وقال خلال الجلسة : "ليس لدينا أي نية للتخلي عن تاريخنا، أو شركائنا في الوطن، أو حياتنا، ناهيك عن مقدساتنا".
وشدد على قيم التعايش الحقيقي والاحترام، مؤكداً أنه "لن يأتي ذلك اليوم الذي سنعيش فيه بكانتونات صغيرة منعزلة عن هؤلاء الذين يختلفون عنا ثقافياً أو عرقياً أو دينياً أو من ناحية اللغة. يجب علينا جميعاً أن نكون قادرين على تقاسم عدة (لغات ثقافية)".
وأوضح أن الخطر "لا يأتي الينا من تنوعنا، بل يأتي الينا من العنف والتطرف، ومن هؤلاء الذين يسعون الى إسقاط قيمنا الإنسانية المشتركة من حرية الدين والعبادة، وحرية التعبير".
وقال ان جميع الظروف التي مرت بها مختلف بلدان المنطقة كان لها الاثر السلبي، بشكل خاص على المسيحيين في العراق وسوريا ومصر ولبنان وفلسطين، "اذ ينتابهم شعور بانهم مستهدفون، الامر الذي يزرع الخوف والفزع في نفوسهم ويدفعهم الى الهجرة رغم كل التطمينات التي تصلهم". وأكد أن عنصر الدين الذي يربط مسيحيي الشرق الاوسط بالغرب، لا يمكنه قطعاً ولا يجب ان يكون حجة للبعض، لربط مسيحيي الشرق بسياسات الغرب ومصالحه. ودعا إلى مواجهة التيارات المتطرفة بشجاعة وصراحة ووضوح، عبر خطط تربوية صحيحة تبين الجوانب الايجابية في الاسلام والمسيحية واليهودية، فضلاً عن خلق رأي عام يناهض هذه التيارات ويعزلها ويحد من تأثيرها وسطوتها على المجتمعات.


المطران دواني


من جهته، قال رئيس المجمع الكنسي الأسقفي العربي العام في القدس والشرق الأوسط المطران سهيل دواني إن المبادرة الملكية لعقد هذا المؤتمر "تنطوي على شقيين، الأول وعي الملك بالمكون المسيحي كبعد من أبعاد الثقافة العربية ، والثاني المحبة للمسيحيين العرب والتي تجد كل الاهتمام من جلالته". وأكد ضرورة إعادة تأهيل الخطاب بخصوص الانفتاح على الآخر، مشيراً إلى أن غياب السلام والأمن يؤثران سلباً على المسيحيين.
وشدد على ضرورة العمل الجاد لتحقيق آليات ممنهجة للتخفيف من التطرف القائم على الدين الزائف، والعمل على تطوير ورفد القطاعات الاقتصادية لتوفير فرص عمل للناس، وردعهم عن الهجرة، وتوفير سبل حياة كريمة لكل الناس.


المطران يونان


وقال أسقف الكنيسة اللوثرية الإنجيلية في الأردن والأرض المقدسة المطران منيب يونان إن الشرق الأوسط "يغلي بشكل مستمر، ويجب علينا أن نكرس السلام المبني على العدالة والتسامح". وأكد أن مستقبل المسلمين "هو مشاركتنا في المجتمع كجزء لا يتجزء، فنحن نبحث عن الكرامة والمساواة والسلام المبني على العدالة للجميع مسيحيين أو مسلمين"، مشيراً إلى أن الصراع في الشرق الأوسط "ليس دينياً". وشدد على أهمية إيجاد حوار صريح معقول حول التحديات التي تواجه المسيحيين العرب، مشيراً إلى أنه "يجب أن نتقاسم ونتشارك المعلومات حول الإسلام السياسي ونتحاور معه ولا نخاف منه". وأرجع يونان أسباب هجرة المسيحين من القدس إلى "عدم وجود سلام مبني على العدالة، وإجراءات الاحتلال الإسرائيلي خصوصاً فيما يتعلق بتصاريح البناء ولم الشمل، وقلة الوظائف، وتصاعد التطرف". واقترح تشكيل لجنة تعمل مع الأمير غازي لوضع خطة عمل للحفاظ على المسيحيين ومساعدة الكنائس في الشرق الأوسط، ومتابعة هذا المؤتمر كعقد لقاء ما بين القادة المسيحيين والمسلمين في الأردن،لمواجهة العنف الطائفي والتطرف والحفاظ عل المسيحيين العرب.
وأكد المشاركون أهمية الاحتكام للغة الحوار والسلم لحل الازمة السورية لا الحرب والقتل والفرقة والعنصرية. وقالوا إن السلاح في سوريا لن يحل المشكلة، مشددين على أهمية الالتفات لمستقبل المسيحيين العرب في سوريا والمنطقة.
ودعا البطريرك غريغوريوس الثالث لحّام بطريرك أنطاكية للملكيين الكاثوليك، إلى تنظيم حملة عالمية تحث على السلام فى سوريا لا الحرب استجابة للدعوة التي أطلقها البابا فرنسيس قبل أيام، قائلاً "إن سلام فلسطين وسوريا هو المحك لسلام العالم".


العاهل الأردني


وكان العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني قال الثلثاء إن "التحديات والصعاب المشتركة التي نواجهها، مسلمين ومسيحيين، تستدعي منا جميعاً تضافر الجهود، والتعاون الكامل لتجاوزها، والتوافق على منظومة سلوك تجمع ولا تفرق".
وأكد خلال استقباله المشاركين في المؤتمر، أن "منطقتنا تواجه حالة من العنف والصراع الطائفي والمذهبي والعقائدي، الذي طالما حذرنا من تبعاته السلبية التي تفرز مظاهر من السلوك الغريبة على تقاليدنا وإرثنا الإنساني والحضاري، القائم على مبادئ الاعتدال والتسامح، والتعايش وقبول الآخر". وشدد على دعمه لكل جهد يستهدف "الحفاظ على الهوية المسيحية العربية التاريخية، وصون حق حرية العبادة، انطلاقاً من قاعدة إيمانية إسلامية ومسيحية، تقوم على حب الله وحب الجار، والتي أكدت عليها مبادرة كلمه سواء". ودعا المشاركين في المؤتمر إلى تعزيز مسيرة الحوار بين الأديان "والتركيز على تعظيم الجوامع المشتركة بين أتباع الديانات والمذاهب"، مشيرا إلى المبادرات العديدة التي أطلقها الأردن مثل رسالة عمان، وكلمة سواء، وأسبوع الوئام العالمي، والتي تصب في هذا الاتجاه.وقال: "نحن نعتز بأن الأردن يشكل نموذجا متميزا في التعايش والتآخي بين المسلمين والمسيحيين"، مؤكدا أن "المسيحيين العرب هم الأقرب إلى فهم الإسلام وقيمه الحقيقية، وهم مدعوون إلى الدفاع عنه في هذه المرحلة، التي يتعرض فيها إلى الكثير من الظلم، بسبب جهل البعض بجوهر الإسلام، الذي يدعو إلى التسامح والاعتدال، والبعد عن التطرف والانعزال".