محمود درويش متأمّلاً الشعر: لم يكفّ عن الحفر في طبقات التاريخ

المغرب- سفيان الماجدي

في التاسِع من آب 2017، تحلُّ الذكرى التاسعة لرحيل #محمود_درويش. نستحْضر شاعراً حقيقياً راكمَ تجربة شعرية لها التعدّد والاختلاف، امتدت لأربعة عقود، وخطّت لنفسها مسيراً مميزاً في الكتابة والإبداع، تُرجِمت إلى لغات كثيرة، وتَنَاولَها الباحثون بالدراسة والنقد، ولا تزال تعد بالكثير.

لم تكن ممارسة درويش بعيدةً عن الخَوض في المسألَة الشعرية؛ فإذا أقرَرْنا بغياب دراسة نظرية مؤسّسة للشاعر، فإنّ المُنجز النصي نفسه، شكَّل الرحم الخصبة لتأمُّل القضايا الشعرية. وقد اتّخذ ذلك شكلين غير منفصلين؛ إمّا تصريحاً، وإمّا انطلاقاً من اختبار عنصرٍ بنائي، في علاقته بباقي العناصر الأخرى، في عملٍ شعري أو مجموعة من الأعمال. ولنا في مفاهيم الشعر والنثر والصورة والإيقاع واللغة ما يؤثّْث فضاء هذه التأمّلات النظرية.

ويفيد تأمّل الممارسة النصيّة لدرويش في الوقوف على بعض العناصر التي ينبني عليها تصوّره لمفهوم الشعر؛ الذي عرف تحوّلاتٍ مسّتْ جوهره بانتقاله من القصيدة التي كانت تروم التعبير، إلى القصيدة التي تدعو إلى التغيّر وتقدّم المعنى على البناء، إلى قصيدة الرؤيا. خلال هذا المسير يبرز التنوّع الذي وسم النصوص الغائبة التي انفتح عليها المنجز النصي للشاعر، من خطاب ديني، وأشعار، وتاريخ، وملحمة، ومسرح، وفنون بصرية مختلفة.

إلى جانب الشعر، بدا جليّاً انشغال درويش بالنثر واشتغاله عليه. ذلك أنّ قراءة نتاج الشاعر تؤكَّد الصلات والوشائج التي يفتحها الجنسان أحدهما تجاه الآخر؛ بحيث تبدو العلاقة بينهما قائمة على التجاور والتساند. فإذا كان النثر جَارَ الشعر، بالنظر إلى مركزية الشعر في الممارسة الإبداعية لدرويش، فإن التساند ينبني بينهما على أساس كتابة قصيدةٍ ذات خصائص نثرية، أبرزها المشهد الشعري القائم على تعدّد الأصوات، والقصيدة الموزونة ذات الجمل النثرية، التي يعود إليها الشاعر ليضمّنها بعض قصائده، إضافةً إلى الانفتاح على السرد. في الجملة، فإنّ الشاعر بدا، في الأعمال التي تلت "أحد عشر كوكباً" مؤسِّساً لوعيٍ ينبني على الإفادة من خصائص قصيدة النثر، من دون الخروج من إطار القصيدة الموزونة.

لم يستفق الشعر بعد من صدمة رحيل درويش. أعماله تدعونا إلى قراءتها، وإبدال زوايا النظر إليها في كلِّ حين، حبّاً ووفاءً للشعر، ولشاعرٍ لم يكفّ عن التعلم، والحفر في طبقات التاريخ والأساطير، مسافراً بين اللغة والفلسفة والأديان والفنون.