هل يقود "ميركرون" أوروبا إلى مستقبل آمن؟

جورج عيسى

طبعاً لم يأتِ انتخاب ماكرون كحدث معزول في السياق العام للشعور المؤيّد للأوروبّيين. فقد عرفت هذه السنة أيضاً خسارة لموجة اليمين المتطرّف في القارة العجوز، أكان في #هولندا أو #النمسا ومؤخّراً #فرنسا وكما هو متوقّع في #ألمانيا شهر أيلول المقبل. لكنّ مجيء ماكرون إلى الإليزيه أخذ يعبّر ربّما عن نقطة تحوّل في المزاج الشعبي الأوروبي، حتى ولو كان من المبكر إصدار حكم نهائيّ في الموضوع. 


استعادة الزخم

ولطالما عُرفت #باريس و #برلين بأنّهما محرّك الاتحاد، الأولى سياسيّاً والثانية ماليّاً. لكنّ فرنسا عانت في السنوات الأخيرة مع الرئيس السابق فرانسوا #هولاند فباتت شبه معزولة عن دورها الطبيعي على المستويين السياسي والاقتصاديّ معاً. ومع ترقّب استعادة فرنسا مكانتها التاريخيّة بوجود الرئيس الحاليّ، يُتوقّع للاتحاد الأوروبي اكتساب الزخم الملائم لمواجهة التحديات المقبلة، من خلال تجديد التحالف المرتقب بين العاصمتين البارزتين.

من هنا، بدأ المراقبون يتحدّثون عن عصر أوروبّي جديد بقيادة "ميركرون" وهو تعبير مركّب من اسمي زعيمي البلدين، المستشارة الألمانيّة أنجيلا #ميركل وماكرون. مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجيّة مارك ليونارد كتب أنّ الشراكة الألمانية الفرنسيّة الحاليّة تتمتّع بفرصة أفضل لبناء النوايا الحسنة داخل أوروبا أكثر ممّا كانت عليه الأمور في عهد #ساركوزي. وكتب في مؤسّسة "بروجيكت سنديكايت" الإعلاميّة أنّ عودة التوازن إلى العلاقة الثنائيّة مرجّحة خلال عهد ماكرون، بما أنّ الاقتصاد الفرنسي آيل إلى التحسّن.


قوّة أوروبا من ضعف ألمانيا؟

على صعيد آخر، بإمكان الرئيس الفرنسيّ أن يشرع ببناء علاقات جيّدة مع دول أوروبيّة أخرى لم تكن تتمتّع بصلات إيجابيّة مع باريس. والتوازن في العلاقة بين الطرفين أمر ضروريّ من أجل صنع قرار سياسيّ يراعي المصلحة المشتركة بينهما. وهذا ما يشدّد عليه ليونارد حين يشير إلى أنّ الموقف الفرنسيّ يتعزّز فيما ألمانيا بات موقعها الآن "أضعف" ممّا كان الأمر عليه خلال عهد ساركوزي. فألمانيا باتت مستورداً بدلاً من أن تكون مصدّراً للبضائع الأوروبيّة بسبب أزمة اللاجئين.

وكانت ميركل قد حثّت الرئيسين الفرنسيّين السابقين على إجراء إصلاحات ماليّة للنهوض بالاقتصاد الفرنسيّ من دون الوصول إلى نتيجة. فعجز الموازنة الفرنسيّة تخطّى لفترة طويلة الحدود المسموح بها داخل الاتحاد الأوروبي والبالغ 3% من الناتج الإجماليّ المحلّيّ. ويتوقّع المراقبون أن يستمرّ العجز بتخطّي السقف المحدّد خلال السنة المقبلة. أمّا بالنسبة للموازنة الألمانيّة فهي تشهد فائضاً وإن محدوداً بحيث لا يصل إلى 1%.


نقاط تقارب وتباعد

في مقابلة مع صحيفة "لوبس" الفرنسيّة، قالت مديرة المشروع الألماني الفرنسيّ في المعهد الألمانيّ للسياسة الخارجيّة كلير ديمسماي أنّ هنالك روابط تجمع المسؤولَين في مقابل مواضيع تفرّقهما. وتشير إلى أنّ ألمانيا أرادت دوماً "شريكاً فرنسيّاً صلباً" لكنّ هذه الإرادة باتت أقوى الآن بعد البركزيت. كما يتوافق الطرفان على إصلاح سوق العمل وإدخال مزيد من المرونة والتنافسيّة إليه، بالإضافة إلى تلاقٍ حول تفعيل التعاون الدفاعيّ والأمنيّ وإيجاد أرضيّة مشتركة لمجابهة الأزمات مثل تلك المرتبطة باللجوء. أمّا في المسائل الخلافيّة، فتلفت ديمسماي النظر إلى أنّ ماكرون يريد إصلاحاً في منطقة اليورو مع رغبته بإيجاد منصب لوزير ماليّة وموازنة واحدين للمنطقة. لكنّ ألمانيا "حذرة" تجاه هذه المسألة لأنّها تنظر بعين الريبة إلى التحويلات الماليّة.


ماكرون "يستسلم" لميركل

ومع أنّ أوّل زيارة لماكرون كرئيس كانت إلى برلين في أيّار الماضي، فقد كان هنالك اتفاق شبه ضمنيّ لدى الطرفين في تاجيل طرح الخيارات الإصلاحيّة الكبيرة لما بعد الانتخابات الألمانيّة. لكنّ ذلك الاتفاق أظهر بحسب البعض أنّ لألمانيا الموقع الأكبر من حيث القوّة التفاوضيّة مع جارتها. الباحثة السياسيّة الألمانيّة أولريك غيرو كتبت في موقع "سوشال يوروب" الإعلاميّ البريطانيّ أنّه حتى مجيء موعد تلك الانتخابات، سيكون ماكرون منشغلاً في "فروضه الداخليّة" أوّلاً والمتمثّلة بالإصلاحات الاقتصاديّة والماليّة في بلاده. وبمجرّد القبول بالانطلاق في هذا المسار الإصلاحيّ قبل البحث بتطوير السياسات الأوروبيّة، يكون ماكرون قد "استسلم بحكم الأمر الواقع للهيمنة الألمانيّة قبل العودة إلى طاولة المفاوضات الأوروبيّة. لكن في حال فشل الإصلاحات الداخليّة لأيّ سبب كان، بما فيه الاعتراض الشعبي، فإنّ ذلك سيعيد خلق المشاكل بين الدولتين.


بين "ميركرون" و "ميركوزي"

لم يعد يكفي الاتحاد الأوروبي أن يكون على رأسه مسؤولون مؤيّدون لهذا المشروع كي يستمرّ في تخطّي مشاكله وتطوير آليّات تعاونه. إنّ الاتكال على فقط على فوز ماكرون لتوقّع حماية الاتحاد الأوروبي من أيّ انتكاسة تحليل قاصر. فالخلافات الإصلاحيّة بين الزعيمين يمكن أن تعرقل التحديث الأوروبي، كما حصل في عهد "ميركوزي". ومن هنا تقتضي العودة إلى أهمّية التوازن بين العلاقة الفرنسيّة الألمانيّة لكي يكون يكون هنالك أمل بالعهد "الميركروني" الأوروبّيّ. فقد اتّهم محلّلون كثر المستشارة الألمانيّة بفرض الأجندات على الاتحاد بدون التشاور والاستماع إلى شركائها الأوروبّيين. فهل ستتصرّف بالطريقة نفسها مع ماكرون أم تفعل المستحيل لإعادة التوازن إلى المحرّك؟ على الأرجح سيتاخّر الجواب إلى ما بعد أيلول المقبل.