نجوى كرم وعاصي الحلاني حرارة أرز تنورين في برد تموز

الطريق طويلة من بيروت إلى #تنورين. أكثر من ثلاث ساعات و"هدير البولمان" يُشعرك بأنّك اخترت اللحاق بنجوى كرم وعاصي الحلاني إلى "آخر الدنيا"، حيث الهواء مختلف والغناء بديع في حضن الأرز. متعبٌ المشوار، وهذا الرأس تثقله تعرّجات الطرق وخضّاتها. إنما الوصول يخفّف التعب، فغابة أرز تنورين تُبهج بجمالها القلب، أنوارها تخترق ليلاً شديد الظلمات وناسها الملتحفون بالبطانيات يمسحون وحشة الأماكن مع غياب الشمس. غنّى الحلاني "بيكفي إنّك لبناني"، مفتتحاً مهرجانات "ليالي أرز تنورين" بنسختها الثالثة ليل الجمعة، بإرادة مارلين بطرس حرب في جعل المكان مقصداً للزائر، يتنفّس جماله ويحفظ في الذاكرة صور طبيعة منحوتة بفرادة خلّابة. 

تُهمد برودة الطقس الحضور، فيتّخذ بعضهم وضعية ثبات في محاولة ردّ نسمات تموز الباردة ليلاً في الأعالي. تتغيّر ألوان الأرز، بنفسجي حيناً وأحمر، فيبدو مهيباً صارماً متجذراً في العمق، فيما #عاصي_الحلاني يغنّي "قومي ارقصيلي بعد لغرّقك بالورد". يُشعل الغناء الحماسات ويحرّك صمت الأجساد الهادئة، فخيار غناء الحلاني و #نجوى_كرم معاً في ليلة واحدة ينطوي على انسجام وتناسق، لقدرة الفنانَيْن على ضبط الإيقاع وجذب الجمهور إلى أجواء الدبكة والدربكة.


غنّى الحلاني للحبّ والوطن: "سألوني إذا كنت بحبك"، "ويقولوا شو ما يقولوا ياما انطرتك عمري بطولو"، "وخضرا رح تبقي خضرا يا أحلى مروج"، وصدح الصوت بالموّال: "حاجي بقا حبّ وجفا، درب الهوى نسيناه". أغنيات تناسب المهرجانات، تُبعد الملل عن الآتي من أجل سعادة عابرة تبلسم آهات الروح، وليته غنّى من القديم، فالقلوب محتاجة للحنين. هذا ما تدركه نجوى كرم جيداً، فلا تكاد تخلو حفلةٌ من استعادة ما هو حيّ في الوجدان. إنّها "المدلي" المُنتظرة، أغنيات في أغنية، ذكريات في باقة زهر. تفضَّل بالغناء: "طليت يا طلّة ملك"، تليها "على مهلك يا هوى على قلبي" و"لا تبكي يا ورود الدار"، ومحطات جميلة ختامها بـ"نقطة عالسطر حبيتك، وأوف شو حبيتك". مقطعٌ مقطع، أسلوبها في المرور على الماضي وإشباع الرغبة في استعادة مشاعر تلك الأيام. "وأوف شو حبيتك". 

الساعة الثانية عشرة منتصف الليل، ونجوى كرم تغنّي "ما في نوم بعد اليوم إلا جنبك حبيبي". الدربكة رفيقة الأغنية، توقظ مَن فكّر للحظة في السهو أو شرد في حسابات الوقت ومشوار العودة إلى المنازل. أغنية "الثورة" في مسيرتها، الفاصلة بين المحطات، القبل والبعد، غنّتها بثقة وقوّة. "تاتا تاتا تاتا تاتا تاتاتركلك تاتاترلك تسودا تسودا"، وعذراً إن ورد خطأ. بدت أنيقة، فستان نصف أبيض، نصف ذهبي، كمّ طويل يناسب برودة الطقس. نوّعت من جديدها، "وعمرا ما تشتي الدنيي" و"كلّ الدنيي تحدّيت وللعَشرة ما عدّيت"، ومن "الهِتّات" "الليل بيستر العيوبة"، والميجانا: "لبنان إلنا والجبال جبالنا". غنِّ: "لبنانِ إلنا والجبالِ جبالنا"... 

رقصت مارلين حرب وتنقّلت في الصفوف الأمامية مرتدية عباءة تصدّ هجوم النسمات. حفلٌ جمّله برد الأرز وهدوء الطبيعة. ساعتان في المكان، بهوائه ورائحته وعبق الليل، تجعلان الوصول هدفاً، بتعبه ومعاناة الطرق المتعرّجة و"هدير البولمان" في عزّ الزحمة و"الحمام المقطوعة ميتو" الغارق بالإهمال والفوضى رغم الحاجة المُلحّة إليه.

fatima.abdallah@annahar.com.lb

Twitter: @abdallah_fatima