في لبنان: الصليب الأحمر والدفاع المدني ضحيّتان وما من مُسعف!

سلوى أبو شقرا

الفلتان الأمني الحاصل في لبنان يطرح إشكاليات عدّة، فعمليات القتل والانتحار التي باتت تزداد بشكل مطرد تؤكد أنَّ نسبة الجريمة الى ارتفاع. وقد يكون الغطاء السياسي لبعض المخلّين بالأمن هو السبب، إلى جانب تراخٍ أمني وقضائي مردّه الضغوط الممارسة عليهما من بعض النافذين في البلد. هذه الفوضى الخلاقة تجتاح مجتمعنا مبررةً الغوغائية والعنف وحق كل شخص في الدفاع عن نفسه بعيداً من الولوج للدولة. وفي وقتٍ تشنُّ حملات إعلامية وكلامية على #الجيش الساعي لمكافحة الإرهاب، واجه عناصر في #الدفاع_المدني والصليب الأحمر اللبناني اعتداءين من شبان في منطقتين مختلفتين. هؤلاء الجنود المجهولون الذين يواجهون العنف بإنسانية ويجهدون في إنقاذ حياة الآخرين ويجعلون من أجسادهم دروعاً، أهكذا يُكافؤون؟ 

تحقيق لاتخاذ الإجراءات المناسبة

في التفاصيل، اعتدى عدد من الشبان يوم السبت في قانا على عناصر إطفاء في الدفاع المدني بواسطة آلات حادة، أثناء قيامهم بواجبهم في إطفاء حريق في البلدة، مما أدى إلى إصابة مسعفين بجروح نقلوا على إثرها الى مستشفى للمعالجة. فبعد اندلاع حريق في منزل وأثناء محاولة عناصر الدفاع المدني إخلاء خمسة أشخاص من داخل المبنى، سعى عدد من شبان البلدة للدخول إلى المبنى فمنعهم عناصر الدفاع المدني حرصاً على سلامتهم، لكنهم دخلوا عنوة موجهين إهانات للعناصر، ومعتدين عليهم بالضرب. أما في الشويفات، فبعد وقوع تصادم بين سيارة كاديلاك ودراجة نارية أصيب على إثره سائق الدراجة، حضر الصليب الأحمر إلى المكان، في وقتٍ سعى بعض الشبان إلى إعطاء العناصر "إرشادات". فحصل تلاسن بينهم وبين عناصره تبعه اعتداء سافر على المتطوعين فيما توارى المعتدون.

نسأل عن تفاصيل حادثة قانا، ولِمَ يتمّ الاعتداء على مَن هدفهم حماية السلامة العامة؟ ومن يحمي العناصر من غوغائية البعض؟ فيجيب مصدر مطلع في الدفاع المدني "النهار"، أنَّه "بتاريخ 7/7/2017 قرابة التاسعة والنصف مساءً، تبلَّغت غرفة عمليات المديرية العامة للدفاع المدني نشوب حريق داخل منزل في قانا. فتوجَّهت فوراً عناصر من المركز في صور إلى المكان. وعند وصولهم، باشروا إطفاء النار وأنقذوا خمسة أشخاص من داخل إحدى الشقق بينهم ثلاثة أطفال. وقبل الإنتهاء من إخماد الحريق، حاول البعض الدخول عنوةً إلى المنزل، فطلب منهم العناصر البقاء خارجاً لأن عملية الإطفاء لم تنتهِ بعد. مع الإشارة إلى أنّ هؤلاء الأشخاص ليسوا من أصحاب الشقة. فما كان منهم إلا كيل الشتائم لعناصر الدفاع المدني، والإقدام على ضربهم! ما أدى إلى إصابة ثلاثة عناصر برضوض وإصاباتٍ متفرِّقة استدعت نقلهم إلى مستشفى جبل عامل لتلقي العلاج. المديرية العامة للدفاع المدني أبلغت قوى الأمن الداخلي بما جرى، وهي بدورها تتابع التحقيق لاتخاذ الإجراءات المناسبة".

غياب العدالة الاجتماعية والجنائية  

ما مرد ثقافة العنف المنتشرة في لبنان؟ نسأل الطبيب والباحث في علم الدماغ السلوكي أنطوان سعد، فيشرح لـ"النهار" أنّ "ما يجري هو تكامل مجموعة عناصر من بينها شخصية، اجتماعية وثقافية لتفسير ارتفاع معدلات العنف والجريمة. إلى جانب غياب الدولة والعدالة الاجتماعية والجنائية. يدرك الفاعل أنَّ في إمكانه استعمال القوة لتحصيل حقوقه، على اعتبار أنّ الغطاء مؤمن من الزعيم السياسي والمحسوبيات، إضافة إلى غياب ثقافة احترام الآخرين وعدم الشعور بالانتماء إلى الوطن في ظل انتشار العقليات التي يغذيها سلوك سياسي وديني تقسيمي".

ويعتبر سعد أنّ "ضرب عناصر من الدفاع المدني أو الصليب الأحمر لا يهدف إلى أذية هذه المؤسسات أو العناصر الذين يعملون فيها، بل الى القول: "أنا قوي، وأنا منزعج"، لا يمكنه مواجهة نفسه فيلجأ إلى إسقاط عنفه على الآخرين، وهذا ردّ فعل طبيعي لتعويض مُركَّب النقص الذي نعيش فيه بسبب المرجعيات التي تسعى إلى إضعاف الناس فيظلوا في حاجة إليها".

في حال الحريق... اتبعوا هذه النصائح

لئلا تتكرر تصرفات مماثلة، طلبنا من الدفاع المدني تقديم بعض النصائح والخطوات الواجب القيام بها في حال حدوث حريق، خصوصاً أنَّ العناصر مدربون ومجهزون لمواجهة الحرائق، على عكس المدنيين الذين يتدخّلون من دون امتلاك ما يخولهم القيام بالمهمة عينها. أولاً، لا بد من إقفال قارورة الغاز، قطع التيار الكهربائي، ومغادرة المنزل فوراً مع التأكد من عدم وجود أشخاص في الداخل والاتصال بالرقم 125 للإبلاغ عن الحريق وعدم العودة أو محاولة الدخول إلى المنزل لأي سبب كان قبل وصول سيارة الإطفاء. 

في ظل الضغوط الاجتماعية والاقتصادية اليومية بات العنف نمط حياة مستشرٍ في لبنان، والتمادي في التطاول على الآخر مردّه انعدام السلطة ونفوذ الدولة على الأراضي اللبنانية، وطغيان أساليب الفوضى التي شهدناها في سنوات الحرب لتصبح أسلوب حياة في أيام السلم الهش.

salwa.abouchacra@annahar.com.lb

Twitter: @Salwabouchacra