عودة اللاجئين مصلحة لبنانية أم سورية؟ ولمن الغلبة؟

رضوان عقيل

بعد نجاح الجيش في عمليته النوعية الاخيرة في جرود عرسال وتمكّن وحداته من التصدي للارهابيين في عمق مخيماتهم في هذه البقعة التي حوّلوها معسكراً ومحطة انطلاق للانتحاريين، عاد الحديث بقوة هذه المرة عن امكان عودة اللاجئين السوريين الى ديارهم، ولا سيما بعد استتباب الامن في مناطق عدة تحت كنف النظام، والتي بدأت استقبال أعداد منهم من خارج لبنان. ومنذ ولادة الحكومة وهذا الملف يشكل مادة انقسام بين مكوناتها وغير قابل لتدوير زواياه الى الآن نظراً الى موقف كل طرف من هذه القضية بسبب الموقف من نظام الرئيس بشار الاسد والتفاوض معه، حيث لا تزال جهات لبنانية عدة ترفض التعاون معه او اقامة اي قنوات اتصال مع دمشق ،على رغم تفاقم ازمة اللاجئين من جراء ارتفاع اعدادهم في مناطق عدة. ولم تكن بلدية حلبا الشمالية سوى عيّنة من المجالس البلدية التي رفعت الصوت لعدم قدرتها على تحمّل هذا الكمّ من السوريين، ولوحت باقفال مخيماتهم اذا لم تتلق مساعدات عاجلة. وصدرت مثل هذه الصرخة في اكثر من بلدة في مختلف المناطق.

 وكان لافتاً ان الحكومات المتعاقبة من ايام الرئيس نجيب ميقاتي الى الرئيس تمام سلام وصولا الى الرئيس سعد الحريري، لم تستطع تقديم رؤية واضحة حيال هذا الملف الحساس وأقله وفق الطريقة المدروسة التي انتهجتها تركيا والاردن. وساهمت الانقسامات اللبنانية في بروز تعقيدات عدة في هذا الملف. ويحضر هنا كلام الوزير السابق سجعان قزي الذي أكد انه لن يعود لاجىء واحد قبل بت هذا الموضوع مع الحكومة السورية. وزاد عليه وزيرالشؤون الاجتماعية السابق رشيد درباس لدى تناوله "المناطق الآمنة" وامكان الاستفادة منها. وكانت تركيا اول من اقدمت على طرح هذا الموضوع الذي اصبح قابلاً للقبول به عند الروس والاميركيين. وستمر الحكومة بدءا من جلستها غدا وما سيليها في هذا المطب الجديد الذي لا يخلو من تناقض بين الوزراء. وطرح وزير الدولة علي قانصو هذا الملف في "اللقاء التشاوري الاخير" في قصر بعبدا، وكرر ضرورة العمل على المساعدة في عملية اعادة اللاجئين الى ارضهم، لكنه جُبه باعتراض شديد من الدكتور سمير جعجع الذي رد بان العالم لا يعترف بشرعية الحكومة السورية . فرد علية وزير الحزب القومي : "هذا في رأيك ورأي قوى 14 آذار". وانتهى السجال بينهما من دون التوصل الى اي خلاصة شافية. ولا تفوت قانصو فرصة الا يتناول فيها هذا الملف الشائك على اكثر من مستوى.

 ويقف "حزب الله" في صدارة المتحمسين على خط امكان المباشرة في عودة اللاجئين الى بلدهم، وان تحقيق هذا الامر يشكل "مصلحة لبنانية قبل ان تكون سورية". وما تتوقف عنده جهات مشجعة لخيار عودتهم اليوم قبل الغد هو وجود مشاريع تنفذ على مدار خمس سنوات لبقاء هؤلاء في الربوع اللبنانية المكتظة وانشاء مساحات جديدة لهم . وما يستوقفها ايضاً ان الرئيس ميشال عون لم يقل كلمته النهائية في هذا الملف مراعاة للرئيس سعد الحريري الرافض وغير المتحمس لفتح اي قناة اتصال مع الجانب السوري الرسمي. وتصف سياسة الحريري هذه بـ "التعنت"، واذا استمر على هذا المنوال "فسيجلب له موقفه هذا المزيد من الارباكات والمشكلات والضغوط الاقتصادية".

من جهته، كان قانصو في مقدم المتحمسين لتضمين البيان الوزاري مسألة عودة اللاجئين بين سطوره، مستنداً الى ان المجتمع الدولي لم يساعد لبنان في ازمته هذه في الشكل المطلوب. ويشكك في حديث لـ "النهار" ان يلتقي اعضاء الحكومة على موقف موحد حيال فتح حوار سياسي واجراء اتصالات مع دمشق وعقد لقاءات معها للمساهمة في بدء عودتهم ، وان القنوات الامنية لا تكفي وحدها لإنجاح هذه المهمة.

 ورداً على سؤال حول ما اذا كان جاهزا بتكليف من مجلس الوزراء للقيام بهذه المهمة، يؤكد استعداده، وان تنفيذ هذه المهمة عن طريق القنوات الامنية لا يؤدي الى مبتغاها، وان الاتصال المباشر مع الحكومة السورية افضل واسرع من ان تأتي هذه المهمة من طريق الامم المتحدة. ويرى ان لا فائدة من انتظار جامعة الدول العربية للقيام بهذه المهمة، وان من مصلحة لبنان الشروع في التفاوض مع سوريا "وهذه هي المصلحة الفعلية للدولة اللبنانية ، لا سيما ان اكثر بلدان العالم بما فيها الاوروبية اخذت وفودها الاقتصادية والامنية في الاشهر الاخيرة تتدفق الى دمشق وتحاور النظام".

 ويأمل قانصو في ان يطرح الرئيس عون "وهو يمون على الكل" هذا الموضوع على بساط البحث الموسع في الحكومة ليعالج في الشكل الصحيح ولأخذ المبادرة في محاورة النظام السوري "لنسير على سكة الحل"، الامر الذي سيخلق موجة من الاطمئنان عند اللبنانيين الذين لم يقصروا في احتضان السوريين. واذا بقي الامر على هذه المراوحة ومن دون حدوث اي تقدم ، فإن العواقب ستزداد في لبنان، ليس على مستوى الاقتصاد فحسب، من جراء الاثقال التي تنتج من هذا الملف، ولتكن الوجهة دمشق "مهما طال السفر" قبل غرق لبنان اكثر في المزيد من وحول هذه الازمة.


Radwan.aakil@annahar.com.lb