الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

أرادوا أن يسمّوا اللبنانيين بها... خبايا الحقيقة الكاملة لضبط أطنان أسماك فاسدة في الكرنتينا

المصدر: "النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
أرادوا أن يسمّوا اللبنانيين بها... خبايا الحقيقة الكاملة لضبط أطنان أسماك فاسدة في الكرنتينا
أرادوا أن يسمّوا اللبنانيين بها... خبايا الحقيقة الكاملة لضبط أطنان أسماك فاسدة في الكرنتينا
A+ A-

ليست المرة الأولى تتحول سوق السمك في الكرنتينا حديث اللبنانيين، اذ ان ضبط شحنات الأسماك الفاسدة مسألة عمرها عشرات السنين. ومن الخطأ التعميم او اعتبار الواقعة كارثية، اذ انه من الطبيعي محاولة تمرير صفقات فاسدة، وهذا ما يحصل في الدول المتطورة ايضاً. لكن المعضلة تتجسد في اكثر من مفترق. أولها حماسة اللبناني ولهفته الزائدة لشراء بضاعة بأسعار زهيدة، ولعل الوضع الاقتصادي المأزوم يشجّعه على اتخاذ قرارات كهذه. يلي ذلك محاولة بعض التجار الداخليين التذاكي، وتمرير بضاعة كاسدة نتيجة عوامل كثيرة، من بينها استيراد كميات تفوق حاجة السوق المحلية، خصوصاً في فترة الأعياد. وفيما يتساءل البعض عن امكان نيل التجار تغطيةً سياسيةً مشبوهة، تبقى فرضية كهذه غير دقيقة، في ظلّ "تواضع" أرباح صفقة الأسماك الفاسدة التي لا تستحق كل هذا العناء. لكن حقيقةً واحدة لا يمكن تجاهلها، تكمن في ان اللبنانيين كانوا ليتعرضوا للتسمم اليوم، لو نجح الساعون في تهريب أطنان من الأسماك الفاسدة من سوق الكرنتينا.

الحقيقة كاملة، فنّدها مدير الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة الياس ابرهيم، راوياً لـ"النهار" ما حصل ابان مصادرة شحنة الأسماك الفاسدة التي كانت في طريقها الى الأسواق اللبنانية.

يقول: "أولاً، ان البضاعة الفاسدة المضبوطة تبلغ ما يقارب 3 أطنان من الأسماك، وليس 3 آلاف طن كما يتداول في وسائل الاعلام، وهي كمية يستهلكها لبنان في غضون 4 أشهر على الأقل، مما يعني ان المقاربة مضخمة وغير دقيقة.

ثانياً، رقابة وزارة الصحة مقتصرة على استيراد الأسماك عبر المرفأ او المطار، في حين ان الرقابة الداخلية بعد عملية التوزيع من مسؤولية وزارة الاقتصاد ومصلحة حماية المستهلك.

ثالثاً، البضاعة التي تم ضبطتها في سوق السمك لم تدخل لبنان منتهية الصلاحية، بل كسدت في الكرنتينا، بعدما فشلت عملية بيعها تلقائياً، مما ادى الى محاولة تمريرها.

رابعاً، بعد الشكوك التي ساورت السلطات حول فساد البضاعة، طلب الأمن العام من سلطة بيطرية تابعة لوزارة الصحة أخذ عينات منها لمعرفة ما اذا كانت مطابقة للمواصفات. وأثبتت نتيجة الفحص أن الأسماك لا تستوفي جميع السمات المطلوبة، كما تبين انتهاء صلاحيتها.

خامساً، تم تحويل التاجر المسؤول عن الصفقة الداخلية الى النيابة العامة التنفيذية بعد توقيفه.

سادساً، يبدو ان تمرير الصفقة أتى نتيجة كساد البضاعة في السوق بعد عيد الفطر. اذ انه خلال فترة الأعياد، يضاعف التجار الاستيراد، مما ادى تخمة، وتالياً محاولة بيع البضاعة بسعر زهيد. هذا ما يجذب المواطن الى الشراء، وفي حال تبين فساد البضاعة، يعمد الى رميها بدلاً من مراجعة مصلحة حماية المستهلك.

سابعاً، رغم انها ليست المرة الاولى تُضبط بضاعة فاسدة في سوق السمك، الا انها مسألة عادية تواجهها دول العالم المتطور دوريا، اذ ان الأسماك من المواد الغذائية السريعة الفساد، خصوصاً في فصل الصيف، ورائحة البضاعة تشي بذلك. من هنا، لا بد من عدم القلق، او التعميم ان البضاعة في كليتها فاسدة، لأن المسألة لا تعدو كونها حادثا عرضيا".

المرفأ فالمختبر

من المتعارف عليه ان أمد صلاحية استهلاك السمك الطازج قصير. تكتياً، الشاحنات تصل يومياً من طريق مرفأي بيروت وطرابلس. وخلال فترة الأعياد المرتبطة بالحجوزات، تضاعف الكمية المستوردة، فيستعاض عن استقدام شحنتين، بثلاث. وتتمثل مهمة مديرية الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة باتخاذ اجراءات روتينية لضمان مطابقة المواصفات. تؤخذ عينات، اي شحنة تدخل الأراضي اللبنانية لتفحص في مختبر الفنار او اي مختبر معتمد من وزارة الزراعة، كما يؤكّد ابرهيم. وفي حال تبين عدم مطابقتها للمواصفات، توجه انذارات جدية الى الشركة المستوردة قبل ادراجها على القائمة السوداء للشركات التي يمنع التعامل معها، إذا تكرّرت الملاحظات أكثر من مرّة. وعمدت الوزارة الى اتخاذ هذه الاجراءات الاحترازية مذ قرابة الست سنوات، رغم ان نسبة كبيرة من البلدان الغربية لا تعمد الى فحص الأسماك بعد استيرادها.

9 آلاف طن

عاملان اساسيان يحتمان على وزارة الزراعة استيراد الاسماك من مصر وتركيا كوجهتين رئيستين. الأول هو قرب المسافة، اذ تشحن الأسماك براً، وتصل الى لبنان في غضون 12 ساعة من طريق العبودية (وجهتها تركيا)، او بحراً من مصر. والثاني يثمتل بالأسعار المناسبة التي تقدمها أكثر الدول شهرةً في تربية الأسماك في البحر المتوسط. ذلك ان المسألة مرتبطة بالعرض والطلب، اذ يستورد لبنان، وفق ابرهيم، ما يقارب 9 آلاف طن من الأسماك سنوياً، والاستثمار في القطاع مربح، والانتاج كبير. فضلاً عن استيراد انواع متنوعة من اللحوم البحرية من موريتانيا ودول افريقية واستيراد سمك السومو من اسكوتلندا ونروج. ورغم ما يشاع عن ان الاسماك المبيعة "بلدية المنشأ"، أغلبية ما تحويه سوق السمك اللبنانية من لحوم بحرية مستورد.

التاجر الوسيط

ومن وجهة نظر مصدر في مسلخ الكرنتينا (فضل عدم ذكر اسمه)، ان "سوق السمك تعاني تغطية سياسية للمحظورات، اذ انها محمية، والدولة لا تعالج مشاكله بشكلٍ جلي. وعندما اتخذت الدولة قرار اقفال المسلخ وترميمه انكسرنا، وترميمه كلّف ملايين الدولارات، وكذلك سوق السمك. الرقابة غير متوافرة جدياً، حتى بعد اجراء الفحوص في مختبر الفنار. وإذا أراد التجار الحائزون دعمٍا سياسيا تمرير صفقات مشبوهة، تراهم يمرّرونها ويتغاضون عن التقارير الصحية". ولكن اذا كان ما تقوله صحيحاً، فلماذا تنجح مساعي القوى الامنية في ضبط البضاعة الفاسدة، كما حصل اليوم؟ يجيب: "فضحنا الكثير من مستوعبات اللحوم والاسماك الفاسدة سابقاً، بفضل جهود المراقبين "القبضايات" أصحاب الأخلاق، الذين لا يتأثرون بالضغوط السياسية ويمتلكون الجرأة للمواجهة". وفي استنتاجٍ حاسم، يقول المصدر نفسه: "الرقابة في سوق السمك غير فعالة".

ورداً على المصدر، يقول ابرهيم انه "من ناحية المرافئ، الرقابة مضبوطة 99 في المئة. وما يهرب سياسياً او من خلال وسائط تشوبه الشكوك، لأن موضوع الغذاء في لبنان بات على المحك، وأشك في أن أحداً من التجار الكبار يتقبل فكرة حشره بصفقة فساد، لأن اسمه معروف عالمياً ولن يغامر في تلطيخ سمعته". من يتولى المغامرة في صفقاتٍ مشبوهة اذاً؟ "المشكلة في التاجر الوسيط او التاجر الداخلي الذي يتولى عملية التصريف داخل الأراضي اللبنانية". وعن التهريب البري عبر الحدود اللبنانية-السورية، يقول ابرهيم: "تهريب البضائع عموماً من طريق الحدود السورية متفاقم، ولكن المرفأ سليم والاجهزة الامنية ساهرة، وأصدق مثال رقابة الأمن العام. والتعاون دائم من وزارة الزراعة، لكن الحدود البرية لا تضبط 100 في المئة".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم