عصارة النفايات تولد السرطانات وتهدد صحة اللبنانيين!

سلوى أبو شقرا

أولاد السياسيين لا يسبحون في لبنان ولا يشتمون الروائح المنبعثة من مطامر الكوستابرافا وبرج حمود والناعمة سابقاً ومناطق اخرى ، فشواطىء فرنسا وإيطاليا وغيرها من الدول الأوروبية والمنتجعات الخاصة هي مقصدهم في الصيف، كما أنَّ سكنهم في مناطق بعيدة من تلك التي توجد فيها المطامر لن يتيح لهم الشعور بالمعاناة اليومية. وحدها شاشات التلفزة تنقل لهم الواقع الذي يدفعهُ غيرهم من اللبنانيين، فيما يغيب أي قرار جدي أو تحرك فعلي لحل ملف النفايات والمطامر المُساهمة في تلوث مياه البحر ذات الأثر السلبي على البيئية والصحة.

التيارات المائية تنقل العُصارة

مطمر برج حمود يتصدر الواجهة هذه الأيام، إذ انتشرت صورة في مواقع التواصل الاجتماعي تظهر عصارة تطغى على مياه البحر، فما مصدرها وكيف تنتقل في المياه؟ وهل لها انعكاس صحي؟ نسأل الخبيرة البيئية فيفي كلاب التي تشرح في حديث لـ"النهار" أنَّ "المواد المنتهية الصلاحية مثل المعادن والبطاريات وألعاب الأولاد واللمبات ترمى في البحر من دون أن يدرك راميها أنها تحوي مواد خطرة تسمى déchets ultimes يصعب علاجها. وفي أوروبا التي تنتشر المحارق فيها تفرز هذه المواد عن النفايات الأخرى وتطمر على عمق يصل إلى 800 متر نظراً إلى ضررها واحتوائها على مواد كالكالسيوم والرصاص الزئبق التي تعدُّ مسرطنة ولها قدرة على تسميم جسم الإنسان.هذه المواد التي ترمى في مياه البحر التي نسبح فيها يرتدُّ مفعولها على صحتنا، وعلى الثروة الحيوانية ومن بينها الأسماك ومن يتفاخر باصطياده سمكاً طازجاً عليه ويجب استبداله بذاك المُجلَّد أقله ليس ملوثاً. وتشكل هذه المواد 3% من نفاياتنا كما أنَّ كل ما يخرج من عيادات الأطباء والمستشفيات من نفايات ترمى مع تلك العادية بعيداً من أمكنة التعقيم. أما الروائح فمصدرها المواد العضوية أو البراز وتصدر منها روائح جراء تحللها وهي تستقطب الحشرات والبرغش والذباب الذي يعتبر خطراً لصعوبة قتله ولقدرته على نقل الأوبئة من مكان إلى آخر.

كما أنَّ العصارة تمتزج بالماء ولكنها لا تذوب، بل تنتقل من خلال التيارات المائية. وفي لبنان مصدر أكبر التيارات المائية جنوبي وغربي (أي من الجنوب إلى الشمال) ما يعني أنَّ العصارة في برج حمود تمتدُ نحو منطقة جونيه، لا تمر في الخليج بل تُكمل حركتها إلى طبرجا ثمَّ شكا وصولاً إلى الشمال. وفي السياق وجدوا أوساخاً في قبرص وسوريا مصدرها لبنان وقد انتقلت عبر التيارات البحرية".


ردم البحر وإنشاء منتجعات خاصة 

تؤكد كلاَّب أنَّه "ما من صفر أوساخ في أي دولة في العالم، لذلك في لبنان علينا ترحيلها نظراً إلى عدم قدرتنا على معالجتها. أخذ الوزير أكرم شهيب قراراً بإقفال مطمر الناعمة وعوضاً من البحث عن حل بديل افتتحت مكبات جديدة في الكوستابرافا وبرج حمود. ومنذ عهد الوزير أكرم شهيب الذي استلم ملف النفايات لم يتغير شيء، فما من محاسبة وعدم نية لإيجاد حل. وما لا يدركه كثر أنَّ لبنان في تصنيف منظمة الصحة العالمية احتل المرتبة الثانية في منطقة المتوسط وشمال إفريقيا (MENA) في تفشي أمراض السرطان فيه، في حين لا يملك أي مواد نووية أو كيماوية".

وفق كلاب الحل سهل وبسيط ويكمن في مسألتين، أولاهما اللجوء إلى فرز المواد الخطرة ريثما يتوصلون إلى اتفاقيات لتصدير النفايات، وثانيهما، في إنشاء محطات لتكرير المياه المبتذلة والعصارة التي تخرج منها، وهو وعدٌ قطعه الوزير شهيب إثر استلامه ملف النفايات. ولكن يبدو أنَّ هناك هدفاً أبعد عبر الاستفادة من المطامر سعياً إلى ردم البحر مثلما حصل في النورماندي وإنشاء المنتجعات. وفي برج حمود يهدف بعض المسؤولين إلى إزالة الجبل وطمر البحر رغبةً في استملاك الأراضي وإنشاء مشاريع خاصة".


كوكتيل سموم وملوثات خطرة  

من جهته، يلفت المهندس الزراعي ومؤسس شركة "ضفاف" التي تُعنى بالحفاظ على الموارد المائية حسام حوّا في حديث لـ "النهار" إلى أنَّ "العصارة التي تخرج من المطامر وتصل إلى مياه البحر تشكل كوكتيلا من السموم والملوثات الخطرة إذا لم يعمل على معالجتها في مطمر صحي. وهذه العصارة لا تؤثر فقط في مياه البحر بل بتلك الجوفية وبالأتربة. والمؤذي هي كميات النفايات إذ إنَّ جزءاً منها يتبخر والجزء الآخر يتجمَّع ويصبح مؤذياً وتساهم في ذلك حرارة الطقس ونسبة الرطوبة. وعادةً يجب التقاط العصارة من تحت المطمر عبر مدِّ أنابيب على أن تبقى هذه العصارة فوق الأرض لا تحتها لئلا تتسرب إلى المياه الجوفية فتلوثها".


النفايات التي ترمى في برج حمود وفق حوا تحوي مواد ومخلفات مسالخ الكرنتينا مما يشكل ضرراً كبيراً على الصحة إذ إنَّ بعض المعادن الثقيلة والرصاص والزرنيخ والزئبق المتوافر في بعض النفايات يؤدي إلى تسمم ويتسبَّب في تليف الكبد وبروز أنواع من السرطانات. كما يشكل خطراً على البيئة البحرية عبر التراكم البيولوجي والازدياد الحيوي. وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّه تتوافر في البحر حيوانات مائية، حيث تأكل الأسماك الصغيرة الطحالب، فتتركز السموم في هذه الأسماك من ثمَّ تأكل الأسماك الكبيرة الصغيرة، ونحن بدورنا نتناولها، الأمر الذي يجعلنا عرضة لأمراض شتى. لذلك، ننصح الراغبين في السباحة هذا الصيف الابتعاد مسافة كيلومترين من موقع المطامر أو محيط العصارة المنبعثة منه. طبعاً ما من مسافة علمية حتمية، ولكنْ يفضل أخذ الحيطة في وقتٍ تغيب فيه التحاليل والدراسات العلمية التي تدرس المؤشرات والانعكاسات".  


الوضع خطر ومـتأزِّم، ولكن لا حياة لمن تنادي، فالتخاذل مقصود، والمصالح الخاصة واللهث وراء تجميع الثروات التي تخطت الملايين تطغى على الشأن العام، فيما اللبنانيون منقسمون بين قلة تتظاهر وترفع الصوت، وأخرى استسلمت وتعايشت مع واقعها.

salwa.abouchacra@annahar.com.lb

Twitter: @Salwabouchacra