رأي - "قيامة البنادق" ضمن الإطار

يوليوس هاشم

بعد مسلسل "الغالبون" بجزءيه الأول والثاني، لم يقدّم "مركز بيروت الدولي" جزءاً ثالثاً، كما كان مقرَّرا حين انطلق المسلسل، فقدّم عوضاً عنه "قيامة البنادق" الذي يُعتبر امتداداً للجوّ العام السابق. الأجواء نفسها، اللهجة الجنوبية نفسها، التركيبة والهيكلية نفسها: محتلٌّ ظالم (عثماني وفرنسي)، رجال لا يهابون الموت ويحلمون بالشهادة دفاعاً عن أرضهم، أمهات وآباء يصبرون بعزّة وشجاعة، جاسوس وعميل. كذلك منطق كتابة الحوارات لا يزال هو نفسه: تعظيم المقاومة والثوار من الأعداء والمحتلّين، خِطَبٌ موجّهة تؤكّد أنّ مقاومة المحتلّ واجب يشجّع عليه الدين، حُب وغرام "من بعيد لَ بعيد".


لا شكّ في أنّ ما نراه في إنتاجات "مركز بيروت الدولي" لا نراه غالباً في الدراما اللبنانية، أو بالأحرى لا نراه أبداً! كاميرا تحلّق في الجوّ مع أحصنة تركض في الحقول، مع عدد كومبارس كبير مع أسلحة وأزياء تاريخية، مشاهد فريدة من نوعها لا شكّ في أنّها، بالإضافة إلى مشاهد كثيرة مماثلة، تبهر عين المُشاهد. يمكن القول إنّ المخرج السوري عمّار رضوان نجح في خلق مناخ جميل بصرياً، مع حركة كاميرا مناسبة وتقطيع جيّد ومونتاج جاذب، مع العلم أنّ الميكساج كان يحتاج إلى ضبط، وربما كان تخفيف استعمال أغنية الجينيريك في مشاهد كثيرة، من شأنه أن يخفف تشتيت الانتباه إلى ما يُقال، وخصوصاً أنّ هذه الأغنية بلحنها وتوزيعها لا تناسب أن تحلّ مكان الموسيقى التصويرية.
في العمل عنايةً بالتفاصيل الدقيقة، لكن مشكلة المسلسلات التاريخية هي البوتوكس والحواجب المرسومة عند الممثلات، فصار من النادر أن يجد المخرج ممثلةً مجعّدة الخدّين كي تلعب دور أمٍّ كبيرة في السنّ أو جدّة! المشكلة الثانية التي واجهها المسلسل هي كلام الضباط الفرنسيين باللغة الفرنسية البعيدة عن اللهجة الصحيحة. ظهر ذلك بشكلٍ فاضح مع الممثل باتريك مبارك الذي كان "يغنّي" حواراته مع accent لا يلائم أبداً النطق بالفرنسية! ربّما يكون مرور اللغة التركية أو العبرية أسهل بما أنّ المشاهدين لا يجيدونها، وبالتالي لا يعلمون إن كان الممثل يُخطئ في لفظها أم لا، أمّا في اللغة الفرنسية فالأمر يختلف كثيراً. لكن كلّ ذلك لم يمنع الممثلين من أن يبرعوا في أدوارهم، على رأسهم عمّار شلق الذي كان كما لم نره من قبل، وأحمد الزين الذي يلبس أدواره لبساً فيقنعنا بأنّه "أبو حسين" الطيب حيناً، ووائل بك القاسي حيناً آخر. بيار داغر مع شاربين وكوفية بدا شخصاً جديداً، وهو الأمر الذي ينطبق على معظم الممثلين الذين يظهرون في "قيامة البنادق" في إطار جديد، وقد يكون السبب أنّ الموضوعات المماثلة غير مستهلكة في الدراما اللبنانية. كثيرون هم المشاركون في هذا العمل، وعدد كبير منهم لفت النظر، نذكر منهم: باسم مغنية، حسام الصباح، ختام اللحام، مازن معضّم، بديع أبو شقرا، مجدي مشموشي، علي سعد، جان قسيس، كارول عبود، دياموند بو عبود، رودريغ سليمان، سعيد سرحان، أغوب دو جرجيان...
"قيامة البنادق" نجح في المحافظة على قوّة الإنتاج الدرامي، لكنّه لم ينجح في الخروج من التوجّه المباشر لدعم المقاومة في كل زمان ومكان. العبارة الأخيرة في المسلسل كانت: "يا أشرف العرب، يا أشرف العرب"! نأمل أن تستهدف الأعمال المقبلة كل فئات المجتمعين اللبناني والعربي.