"بيروت مدينتي" في كتاب مفتوح إلى الحريري: عن خطابكم في البيال!

وجهت مجموعة "بيروت مدينتي - البلدية البديلة" كتاباً مفتوحاً إلى رئيس الحكومة سعد الحريري، دعته فيه إلى "احترام الدور الديموقراطي الرائد التي تؤديه المجموعات المدنية، والاعتراف بمساهمتهم الأساسية في بناء مستقبل أكثر ازدهاراً مما قدّم لهم المسؤولون الذين انتخبوهم". 


وجاء في الكتاب:
"استوقفنا الكلام الذي تقدمتم به الأسبوع الماضي في "البيال"، وأسرّنا اهتمامكم بالمواضيع الإنمائية الأساسية، وقضايا الناس اليومية والحياتية التي لطالما نادت بها "بيروت مدينتي" ومجموعات أخرى. لكننا، وإذ نقدّر اعترافكم بتلك القضايا الملحة التي تقع في صلب برنامج "بيروت مدينتي" وعملها الملتزم، كوضع خطط سليمة لإدارة النفايات، وتحسين حركة السير، وتعزيز الغطاء الأخضر في المدينة، ومنع البناء عن الشاطئ، والمحافظة على التراث، وغيرها من المطالب المحقة، نتحفظ بشدة عن طريقة طرح الحلول والبدائل غير المستدامة التي تهدد صحة سكان بيروت وحقهم في العيش الكريم". 

أضاف الكتاب: "لقد ظهر جلياً في كلامكم أن بُعد الزعماء السياسيين كل البعد عن واقع الناس العاديين، وتقوقعهم وراء نوافذهم الداكنة ومواكب سياراتهم المصفحة، حجب عنهم منظر طبقات الباطون التي تقام لاشرعياً على حرج بيروت وعلى طول واجهة بيروت البحرية. الأكثر إقلاقاً في كلامكم هو الترويج لإنشاء محرقة النفايات تحت شعار "التفكك الحراري" المضلّل، في حين أن الخبراء والجامعيين والجمعيات الأهلية – لاسيما النسائية منها – حذّروا من الأخطار الجمة التي ستنجم عن إقامة محرقة النفايات وأجمعوا، في ضوء معطيات علمية، على آثارها القاتلة على صحة المواطنين وسلامتهم في مدينة ذات كثافة سكنية عالية كبيروت. هذا يدل، مرة جديدة، على استخفاف الطبقة السياسية بمعالجة أزمة النفايات، ومحاولة تسويق وهم "الحل بعصا سحرية"، وتجاهلها المتعمّد لضرورة إعادة التدوير وأوليّة صحة المواطنين كركيزتين أساسيتين لأي خطة سليمة ومستدامة لإدارة النفايات".

وتابعت: "تستغرب بيروت مدينتي بشدة مخاطبتكم أهالي بيروت باسم بلدية بيروت وبالنيابة عن رئيسها وأعضائها، بصفتكم رئيس الحكومة. فذلك يتعارض مع موقع مجلس بلدية بيروت، السلطة المحلية المنتخبة التي تتمتع باستقلالية تجاه الحكومة، والتي تمثل سكان المدينة كافةً لا مناصري حزب سياسي واحد. وبالتالي فإن كلامكم يحجّم دور بلدية بيروت ويضعها في موقع المتفرّج، وهو يستكمل، مرة أخرى، الهيمنة الممنهجة التي مارستها الحكومات المتعاقبة منذ منتصف التسعينات، لتعيين سلطة "لامركزية" خيارها الوحيد تنفيذ مشاريع خاصة يستفيد منها الزعماء ومن يدور في فلكهم على حساب مصلحة كل الناس".

وأضاف الكتاب: "على طرف نقيض، لطالما طالبت "بيروت مدينتي" منذ إطلاقها بتحييد الإنماء المحلي والعمل البلدي عن التجاذبات السياسية التي تضع شؤون الناس ومصلحتهم المشتركة رهينة الحسابات السياسية والفئوية الضيقة.

"بيروت مدينتي" تطمح إلى أن تستعيد بيروت، تلك المدينة النابضة التي تحضن مليوناً ونصف المليون نسمة، دورها كعاصمة إقليمية ومركز نهوض اقتصاديا وثقافيا بارزا، ونقطة لقاء بين المناطق اللبنانية المختلفة، ومساحة انفتاح تربط لبنان بمحيطه. أما الرؤية التي تواجهنا في الوعود الواردة في كلامكم فهي تصرّ على حصر دور البلدية ضمن حدود إدارية ضيقة تعزل العاصمة عن نسيجها الحضري والاجتماعي الأوسع، وتعيق إمكانيات وضع الحلول والاستراتجيات الحضرية الشاملة التي تحتاج إليها بيروت".

وأكدت "بيروت مدينتي" اقتناعها "المطلق بأن العمل الإنمائي الحقيقي لا يختصر بالورش والأشغال المستمرة لتأهيل الطرق والأرصفة، أو توظيف المزيد من الاستشاريين (الذين باتت أعدادهم وأجورهم الباهظة وتفاصيل عملهم مخفيّة عن الرأي العام)، بقدر ما يتميز بالسياسات المستدامة – والمعلنة – التي تلبي حاجات أكثرية سكان المدينة في ما يخص التنقل، والصحة، والطاقة، والبيئة، والعمل، وأبرزها السكن في ظل التهجير المتواصل لذوي الدخل المحدود. هذه هي المهمة التي تتولاها "بيروت مدينتي"، والتي تولتها مجموعات مستقلة في لبنان بعد فترة الحرب المدمرة في ظل سياسة التفرقة التي كان يعتمدها السياسيون. في وقت تخلّت مؤسسات الدولة – والمؤسسة البلدية بشكل خاص – عن القيام بمهامها في خدمة المواطنين، كان ولا يزال عدد من المجموعات المستقلة في طليعة النضال من أجل تحصيل حقوق الناس الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. "بيروت مدينتي" تستنكر بشدة محاولة إبطال الإنجازات الجبارة التي سجّلتها بعض هذه المجموعات المستقلة في السنوات الأخيرة، وتصديه للسياسات التدميرية والاستنسابية – المقوننة أحياناً – خصوصاً في ما يتعلق بضمان نزاهة الوظيفة العامة، وحقوق المرأة، والحق في المدينة، والحق في السكن، وسواها".

وتابعت في كتابها إلى الرئيس الحريري: "حقيقة الأمر أن عدداً هائلاً من المجموعات والمبادرات المستقلة قد سبق ووضع في تصرف بلدية بيروت ثمار خبراتها وعملها الدؤوب لتحسين أحوال المعيشة والحياة في بيروت، لكنها لطالما اصطدمت برفض الشراكة والنهج الزبوني الخاضع لإملاءات كبار المقاولين على حساب الأكثرية. وهذا الرفض عينه، يا دولة الرئيس، هو الذي دفع المواطنين المحبطين إلى الشارع في السنتين الماضيتين، إحتجاجاً على تغييب صوتهم وعدم إشراكهم في صنع القرار في البلدية. من هذا المنطلق، ندعوكم إلى احترام الدور الديمقراطي الرائد التي تؤديه المجموعات المدنية، والاعتراف بمساهمتهم الأساسية في بناء مستقبل أكثر ازدهاراً مما قدّم لهم المسؤولون الذين انتخبوهم".