ميشال عون "الحَكَم" بين التناقضات ... أين الرئيس القوي من قانون الإنتخاب؟

أن يتقدم البحث في مشروع قانون الإنتخاب على قاعدة النسبية بالدوائر الـ15، لا يلغي المخاوف التي ترتسم حول لبنان. فالأسئلة المقلقة لدى اللبنانيين عن مستقبل الحكم وطبيعته وتركيبته تستمر من دون أن تتضح أي صورة يثبت العهد من خلالها أنه على طريق تحقيق انجازات لإرساء قواعد دولة قوية وعادلة. فالتجاذب حول الحصص في قانون الإنتخاب، وتحوّلها إلى صراع طائفي بين الأفرقاء الذين أوصلوا العماد ميشال عون الى موقع الرئاسة، وآخرين أمنوا التغطية السياسية والطائفية لإنجاز الاستحقاق، بلغ أشده، فيما الحصيلة، على ما نشهده من شد حبال وخلاف حول الدوائر وطريقة الانتخاب، هي توافق أو اختلاف بين مجموعة تناقضات سياسية وطائفية، وخيارات مختلفة وحسابات ومصالح، لا يجمعها إلا المشاركة في الحكم، علماً أن البرامج السياسية المطروحة لا تقدم مقاربة واضحة للمستقبل اللبناني في منطقة لا تزال مشتعلة، وتهدد الوضع اللبناني برمته. 


حسم النتائج سلفاً 


يتركز النقاش في موضوع قانون الإنتخاب في نسخته الأخيرة، أو ما يسمى "قانون جورج عدوان"، على الحصص، وإن كانت النسبية عنوانه بالصوت التفضيلي، لكنه يجري وفقاً لحسابات المكونات السياسية والطائفية في البلد، إلى حد أن القانون لن يمر إلا عندما تحسم المقاعد سلفاً، وتطمئن قوى الحكم بما فيها "التيار الوطني الحر" الذي سمي العهد باسمه، الى مستقبل وجودها في السلطة، واستمرارها في قيادة الأيام اللبنانية الراهنة والمستقبلية، ما يعني وفق سياسي لبناني عريق أنها ستحسم سلفاً النتائج بقانون لا انتخابات حقيقية فيه. ويشير هذا السياسي إلى أن النقاش والتجاذب السياسي والطائفي حول قانون الإنتخاب يشبه ما حصل عند تشكيل الحكومة، وهو يشير في حصيلته إلى تراجع فكرة الرئيس المسيحي القوي الذي يمكنه أن يحكم باستعادة الصلاحيات، وهي التي رفعها "التيار الوطني الحر" بتحالفه مع "القوات اللبنانية" التي لها حساباتها ايضاً انطلاقاً من تحالف الثنائي المسيحي. لذا عادت الأسئلة تخرج الى العلن عن الرئيس الحَكَم بين اللبنانيين، وعن معنى أن يكون هناك حكام آخرون وعن القدرة على الحسم في إقرار قانون عادل، أو أن الوقت تأخر على ذلك، وما إذا كنا نشهد اليوم بداية تشكل تكتلات جديدة قائمة على الثنائيات، منها ثنائية مارونية - سنية مدعومة من مواقع طائفية مختلفة، الى مستقبل العلاقة مع الطائفة الشيعية بثنائيتها "حزب الله" وحركة "أمل" وحصتهما. أما السؤال الأهم فهو عن اتفاق الطائف؟ وما إذا كانت حقوق الطوائف ستبقى مكرّسة ثنائية أو ثلاثية أو حتى رباعية وخماسية وفق موازين القوى والتحالفات، علماً أن التقدم في قانون الإنتخاب المطروح لا يحسم التساؤلات ولا يجيب عن التهديدات التي تحوط الكيان اللبناني. 

بين التنسيق والحكم

في الوقائع، لم يخرج موقع الرئاسة حتى الآن من دائرة التنسيق بين التناقضات اللبنانية، فهو ليس موقع الحكم، وهذا يعني أن هناك عوائق وعقبات لفكرة الرئيس القوي في قصر بعبدا. فالرئيس لن يكون قوياً في ظل التركيبة التي تقود البلد، وتغطياته الإقليمية والعربية، فيما يبقى عنصر القوة الوحيد، هو ضبط التركيب السياسي لدى الطوائف المسيحية، التي بدأت تتحول الى ما هي عليه الطوائف الأخرى، خصوصاً إذا أقر قانون انتخاب على قياس الطوائف. ولعل واقع التركيب الثلاثي للحكم وفق الطوائف الكبرى اليوم يعيدنا الى تركيب الطائف، مع تعديلات تعطي الشيعية السياسية دوراً أكبر وقدرة على التأثير في مسار التوازنات الداخلية، خصوصاً أن أحد ثنائييها أي "حزب الله" يفرض موقعه المحلي والإقليمي وانخراطه في الحرب السورية دوراً أكبر في تحديد شكل التركيب السياسي الداخلي، الى حد يمكن القول إنه أحد المقررين الرئيسيين، وله كلمة عليا في الشؤون اللبنانية العامة.

حكم الطوائف

هل يمكن رئيس الجمهورية أن يحسم بإقرار قانون انتخاب عادل؟ لا يبدو موقفه حاسماً حتى الآن، بل ان البعض اعتبر مواقفه الأخيرة منحازة الى طرف ضد آخر. ومن هنا يطرح في ظل هذا الواقع السؤال عن استعادة صلاحيات الرئيس القوي، وهو كان عنواناً رئيسياً لـ"التيار العوني" في معركته السابقة لترشيح العماد عون للرئاسة، علماً أن الطائف قيّد صلاحيات الرئيس ورسم حدوداً للطوائف ونفوذها. لذا يبدو وفق السياسي اللبناني إياه أن قانون الإنتخاب لن يقر إلا إذا اجتمعت التوازنات الداخلية ومكوناتها الطائفية المقررة عليه، تماماً كما اجتمعت عندما انتخب ميشال عون رئيساً للجمهورية، وهو الإنتخاب الذي ما كان ليتم لو لم تجتمع لتزكي اسمه للرئاسة بالأكثرية، فحسم الأمر من دون أن يعني ذلك أن المقررين وفق الطائف تنازلوا عن صلاحياتهم، بل هم في الأساس لا يعطون موقع الرئاسة الأولى حق الكلمة النهائية أو الكلمة الفاصلة المنطلقة من موقع وطني لبناني عام. ولذا يبدو المشهد اللبناني استمرارا لرسم الحدود والصلاحيات وفق قانون الطوائف، بحيث لا يستطيع الرئيس أن يقدم على خطوات من دون أن تكون للسنية السياسية وللشيعية السياسية تحديداً كلمة الفصل فيها، فيما الطوائف الأصغر تتحالف وفق ما تمليه التوازنات.

وقبل أن يقر قانون انتخاب أو لا انتخاب، يسأل رئيس الجمهورية عن موقعه الوطني العام بالتوازي مع سؤال آخر، ما إذا كانت الأولوية للمصالح العامة المسيحية أم لاستعادة الصلاحيات بما يتناسب مع الموقع الوطني الذي يحمي البلد من كل شطح أقلوي على ما يحصل في أكثر من مكان. وبين حكم التناقضات يقول السياسي اللبناني المواكب لمحطات الحكم في البلد منذ ما قبل الطائف، ان التحدي اليوم يكمن في الدفع باتجاه اقرار قانون انتخاب عادل، قبل أن يدخل البلد في الفراغ، وتقديم صورة النموذج لتحصين البلد من الأخطار وضد انعكاسات الحروب الاقليمية، وكذلك مواجهة الفساد والشروع في عملية إصلاح شاملة، علماً أن الطائف أرسى توازنات طائفية وسياسية وهيمنات متعددة، إلى حد جعل من غير الممكن أن يخرج ذلك الرئيس القوي الذي عرفناه قبل الحرب الأهلية. ويبقى سؤال مصيري: كيف يمكن أن يحكم الرئيس بين التناقضات؟ الى الآن لا يستطيع النطق باسمها كلها، لذا نشهد حالة الفوضى في الوضع اللبناني والكيان كله.

ibrahim.haidar@annahar.com.lb

twitter: @ihaidar62