معتصم ابن الـ13 عاماً حلاق وبائع وعامل "دليفيري"... وطالب أيضاً!

ألقت الحرب المشتعلة في سوريا منذ سنوات بظلالها على المدنيين من جميع الأطراف المتناحرة، إلا ان الطفولة كانت لها الحصة الأكبر من المعاناة. أحلام بريئة تاهت بين زخات الرصاص ووجدت نفسها اما بلا معيل أو مجبرة على ترك منزلها واللجوء الى دول الشتات بحثاً عن مأوى.


معتصم عوض، فتى سوري لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره، هرب مع عائلته في سن التاسعة خوفاً من بطش تنظيم داعش في مدينة الرقة، فلجأ والده الى لبنان ليستقر في منطقة الشياح، ويبدأ رحلة اخرى من المتاعب لتأمين حياة كريمة لأطفاله الستة، فما كان من طفله معتصم ان يعرض على والده العمل في الصباح ومتابعة دراسته في وقت المساء ضمن المدارس المخصصة للاجئين السوريين.

بدأت رحلة معتصم في العمل منذ كان في عمر 9 سنوات في محل لبيع الثياب قريب من منزل عائلته، واستمر لمدة تجاوزت السنة، قبل ان يقرر الانتقال للعمل في صالون لتصفيف الشعر، أملاً بتعلم "مصلحة" قد تساعد عائلته، إلا ان كثرة مصففي الشعر في المنطقة دفعت بمعتصم للعمل كـ"ديليفري أراجيل" لاحقاً.

السهر وعدم تطابق وقت العمل مع وقت الدراسة دفعاه للعمل مساعد ميكانيكي للدراجات النارية، ورغم حبه الشديد للمهنة الا انه لم يستطع مقاومة التعب.

والداه لم يتقبلا فكرة عودة ابنهم من العمل منهكاً وانخراطه في عالم قد يبعده عن دراسته وتحقيق حلمه بأن يصبح طبيباً. لينتقل بعد ثمانية أشهر للعمل لدى محل "خرضوات" في الصباح منذ الساعة التاسعة صباحاً لغاية الثانية بعد الظهر، ليكمل بعدها مشواره اليومي بالذهاب الى المدرسة لغاية الساعة السابعة مساءً.


عودته لأيام الطفولة

استقر الأمر أخيرا بعمل معتصم مع والدته في متجر لبيع الألبسة.

بسخرية، يخبر الفتى تجاربه مع الزبائن، وبعفويته البرئية يغضب من تصرفات بعض النساء "فأنا ارتب الثياب طوال اليوم لتأتي سيدة وتعرض معظم الثياب على الطاولة ولا يعجبها العجب فيذهب تعبي سدى في دقائق".

معتصم صريح ويجاهر ان هذا العمل الذي يتقاضى مقابله مئة ألف ليرة أسبوعياً ليس طموحه، فهو يفضل تصليح الدراجات النارية وقد أصبحت مهنة يحلم بها نظراً للأموال التي قد يجنيها في حال قرر فتح محل خاص به.


اختلاف الأحلام

حلم معتصم بتصليح الدراجات النارية مختلف تماماً عن حلمه قبل سنوات، فهو لطالما حلم بأن يصبح طبيباً ويكمل دراساته العليا ويصبح محاضراً في الجامعات ويروي تجربته الطويلة في عالم الطب لطلابه، كما يقول.

وبينما يسرد أحلامه القديمة يستدرك سريعاً الموقف، لينتفض من عالمه الخاص ويقول امام اخوته الصغار " حالياً سأكمل عملي مع امي واكمل دراستي وقد اصبح طبيباً اما ان اعالج الناس او "اعالج الدراجات".

يرفض "الرجل الصغير" ان يبقى في لبنان في حال انتهاء الأزمة في سوريا.

فأحلامه بقيت في دمشق، وكذلك أصدقاؤه واقاربه. "كنا نلعب ولا نخاف من احد، اما اليوم فلا وقت لدي للأصدقاء. حياتي تبدأ صباحاً في محل الألبسة من الساعة التاسعة لغاية الثانية بعد الظهر، من ثم أذهب سريعاً الى المدرسة القريبة من المنزل لأكمل حلمي بأن اصبح طبيباً لغاية ".

نهار معتصم لا ينتهي عند السابعة مساء، فهو يكمل دوامه في عمله لغاية التاسعة مساءً ليعود الى منزله منهكاً من نهاره الطويل.


يرفض معتصم أن يشكوَ تعبه لأحد رغم ان والدته تعلم جيّداً ما يعيشه ابنها ولكنها تقول انها مجبرة على تقبل الأمر، وهي تساعده في حل واجباته الدراسية خلال دوام العمل، متمنية لو انها تستطيع ان تعوضه عن الحياة التي أجبر على عيشها. والأمر عينه ينطبق على والده والذي يعمل ناطوراً في احد الابنية المجاورة.

يدخل معتصم بعد اشهر عامه الرابع عشر وقد امضى ما يزيد عن 5 سنوات من عمر الحرب السورية متنقلاً بين عمل وآخر وباحثاً في الوقت عينه عن حلم يتمنى أن يحققه يوماً ما في وطنه الأم سوريا.