رسالة "حزب الله": انتبهوا جميعاً... الجنوب ساحتنا!

اعتبر البعض أن الجولة غير مسبوقة لـ"حزب الله"، لكن هناك محطات عرض فيها الحزب في شكل غير مباشر تطورات كانت تحصل على الحدود، علماً أن الجميع يعلم أيضاً أن الحدود الجنوبية هادئة منذ أكثر من ست سنوات، باستثناء بعض المناوشات العسكرية والعمليات المتصلة بالحرب السورية. وإذا كان "حزب الله" وجه رسائل من خلال جولته الإعلامية وإظهار استعدادات مقاتليه، إلا انها ترتبط بالدرجة الأولى بوضعه الداخلي، وكأنه يقول لجمهوره أن الجنوب يبقى ساحته ومنزله وأنه قادر على الاستنفار والتعبئة مهما كان حجم مشاركته في الحرب السورية وتورطه بها، فضلاً عن استباق أي تطورات محتملة في الداخل السوري تفرض على الحزب الإنسحاب نحو الحدود وفقاً لتسوية دولية محتملة، خصوصاً بعد الإنخراط الأميركي وتحولات مواقف الإدارة الأميركية بعد وصول دونالد ترامب الى الرئاسة. 

لا تفجير ولا حرب

لكن "حزب الله" يدرك وفق مصادر سياسية متابعة لحركته، أنه لا يستطيع أن يخوض حرباً في الجنوب اللبناني، وهو ينشر قواته الأساسية في سوريا ونخبة مقاتليه في محافظاتها. كذلك لا يتعلق الأمر بإظهار أوراق إيران القوية في المنطقة، إذ أنها اليوم لا تستطيع تفجير المنطقة انطلاقاً من الجنوب اللبناني. لكن رسالة "حزب الله" تقول أن العقوبات الأميركية لن تثنيه عن مواصلة حربه السورية، وأن منزلته في الجنوب كبيرة وقائمة على دعم شعبي تجعله يستنفر قواه في أي لحظة. وقد سبق للحزب أن استعرض قواته العسكرية المدرعة وآليات جيشه في منطقة القصير السورية، وهي إحدى الرسائل التي تقول أن سوريا ستبقى خط الدفاع الخلفي والقوة الصاروخية للحزب عند أي معركة.

أسئلة التسوية 


ترتبط رسائل "حزب الله" بأمور تطرح داخله عن الدور الذي يمكن أن يؤديه في حال اكتمال التسوية السياسية في سوريا، علماً أن تجربته في منطقة الجولان السوري لإنشاء مقاومة في المنطقة كقاعدة شبيهة بالجنوب لم تنجح، إذ حصلت اختراقات كثيرة، خصوصاً أن الساحة ليست ساحته ولا جمهوره ولا هو يستطيع أن يقاتل خارج منزله الى ما لا نهاية.ويعرف الحزب، وفق ما تقول المصادر أنه يقدم شباباً لبنانيين على طبق لن يجير انتصاره في سوريا، إذا كان هناك من انتصار، وذلك إذا سارت الأمور على طريق التسوية، على رغم أنه استطاع أن يكوّن جيشاً مدرباً من المقاتلين مع حصوله على اسلحة وخبرات جديدة، لكنها لن تكون ذات معنى لبنانياً في ضوء الانقسام حيال تدخله في سوريا. وهو دفع كلفة وعدداً لا يستهان به من المقاتلين والكوادر تخطى الـ2000، فيما اضطر في أوقات كثيرة الى إفراغ مناطق جنوبية ليغطي مناطق شاسعة في سوريا مع مقاتلين آخرين من جنسيات مختلفة. لذا كانت جولته ليقول أن الجنوب يبقى ساحته الرئسية، علماً أن الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله تحدث قبل مدة عن استهداف العمق الإسرائيلي في حال ضرب اسرائيل للداخل اللبناني، ما دفع البعض الى الدعوة لشد الأحزمة والإستعداد لمرحلة مختلفة ستشهدها المنطقة ومن بينها لبنان. إلا أن لا مؤشرات جنوباً تدل على توتر أمني أو استنفار عسكري علني للحزب باستثناء ما أظهرته الصورة عن المقاتلين، على رغم أن ذلك لا يعني أن الأمور هادئة، فقد تشتعل الجبهات في أي وقت وفقاً لأجندات دولية أو حرب اسرائيلية مقررة على لبنان. 

يقول السياسي المتابع لحركة "حزب الله"، أن لا شيءيشير اليوم الى اشتعال معركة في الجنوب، اذا كان البعض يعتبر أن الجولة الحدودية مؤشر لمرحلة جديدة، لكن التطورات المقبلة قد تفتح على احتمالات عدة. وإذا كان الوضع هادئاً على الحدود الجنوبية، إلا أن ذلك لا يطمئن بالإستناد الى تجارب الحروب السابقة، خصوصاً حرب تموز 2006 التي اشتعلت شرارتها بعد عملية "حزب الله" أسر جنود إسرائيليين، حيث امتدت الحرب لأكثر من شهر. ويرى المصدر أن الأمور ليست مستقرة لبنانياً لمواجهة اي حرب اسرائيلية محتملة، أو أي مواجهة إيرانية أميركية قد يكون لبنان جزء منها. ففائض القوة والاستعداد العسكري لدى "حزب الله" لا يمكن تجييره كاملاً في أي مواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي، خصوصاً وأن الحزب منخرط بقوة في الحرب السورية التي تستنزف مقاتليه ونخبه العسكرية المدربة.

احتمالات المواجهة ونقاط الضعف 


هناك نقطة ضعف في أي مواجهة مع الاحتلال لا يتطرق اليها "حزب الله" ترتبط بالوضع اللبناني الداخلي في ظل الانقسام السياسي وفي الصراع الطائفي في المنطقة ولبنان. ففي الفترة السابقة كان مفهوماً أن "حزب الله" استمر في ساحته في الجنوب متسلحاً بخصائصها أو منزله اذا جاز التعبير، لكن، وهو يدفع بالألوف من مقاتليه الى ساحة أخرىاليوم، أي الساحة السورية، يفقد هذه الخاصية، ويفقد معها ايضاً جزءاً من ساحته، أي في الداخل اللبناني الذي لم يعد كله ساحة للحزب، بعدما فقد قسماً كبيراً من غطائه الذي استند اليه لسنوات طويلة. لذا جاءت الجولة ليقول لجمهوره أنه يعيد استعداده في ساحته ومنزله، وهو يوجه أيضاً رسالة الى الداخل اللبناني، للاستعداد لأسوأ الاحتمالات، فالمعركة الاسرائيلية المقبلة تستهدف لبنان كله. 

وفي المعلومات أن الحزب أعاد هيكلة قواته العسكرية من النخبة في المقاومة الإسلامية وتنظيمها بإشراف مباشر من السيد نصرالله، فأعاد تثبيت مقاتليه في القرى الجنوبية ومنهم من شارك في القوة المضادة للدروع في مواجهة الدبابات الإسرائيلية في تموز وآب 2006، فيما نشر المزيد من المقاتلين المدربين، محتفظاً بقوته الصاروخية وعتاده المخبأ تحسباً لأي مواجهة، من دون أن يعني ذلك أن الحرب على الأبواب أو أن معركة كبرى ستحتدم في وقت قريب، وإن كانت المشاريع الإقليمية لا تعفي لبنان ولا تحيّده عن أي مواجهة أو استخدامه ساحة مواجهة ورسائل، وهو أمر قد يشعل الحرب نتيجة خطأ في الحسابات أو محاولة تحسين مراكز قوى. ويشير المصدر السياسي إلى أن الجميع بات على علم بقوة "حزب الله" وقدراته والدعم الذي يقدم له من إيران، إضافة الى تعويض الكثير من خسائره، لكن البعض يدفع الأمور الى مستوى غير مسبوق في تضخيم قدرات الحزب وكأنه جيش فوق الجيش. وتقول المصادر، أن "حزب الله" قد يعتمد في أي معركة على قوته الهجومية التي تطورت واكتسبت مهارات كبيرة في الحرب السورية، لكن حرباً من هذا النوع ستكون مدمرة للبنان!

ibrahim.haidar@annahar.com.lb

twitter: @ihaidar62