الانتخابات الفرنسية صعبة التكهن... فهل الإرهاب الورقة الرابحة؟

سلوى أبو شقرا


يومان يفصلان فرنسا عن مصيرها السياسي الجديد، فالانتخابات المرتقبة في 23 الجاري تشهد تنافساً حاداً بين المرشحين حيث تشير أرقام استطلاعات الرأي تقارباً بين مرشح "تيار الوسط" إيمانويل ماكرون ومرشحة "اليمين المتطرف" مارين لوبن. تزامناً، يبرز قلق فرنسي سبَّبهُ هجوم تبناه تنظيم "داعش" بعدما أطلق مسلح النار على الشرطة عند جادة الشانزيليزيه مساء امس. هذا الحادث الذي وصفَ بـ"العمل الإرهابي"، اعتبره فرنسيون غير مؤثر في الانتخابات، فيما وجده آخرون "مفتعلاً" وخطوة لشدِّ عصب الناخبين واستقطاب المحايدين.  


الإرهاب يطغى على المشكلات الحياتية

مرشحو الانتخابات الرئاسية الـ11 شاركوا في حملة كبيرة متلفزة على شاشة "فرنسا 2" ضمن برنامج "15 دقيقة للإقناع" استمرَّ ما يقرب من الأربع ساعات. وتزامنت الحلقة مع إطلاق النار، الذي أسفر عن مقتل شرطي وجرح اثنين آخرين، فعلَّق المرشحون فوراً على الحادث سعياً للتأثير في الناخبين. فيما يبدو الناخب الفرنسي غير راضٍ عن البرامج الانتخابية وفق الصحف الفرنسية إذ لم تلحظ هذه البرامج خططاً لمواجهة فرنسا لخطر الإرهاب، الذي يشكل واحدة من أهم المشكلات في الشارع الفرنسي الذي يلوم لوبن على استخدامها أسلوب التخويف من الإرهاب بدلاً من الحديث عن حلول له، وسط مشكلات اقتصادية واجتماعية يعيشها الفرنسيون أبرزها البطالة وتحسين قانون العمل الذي سبب مواجهات في الشارع.  


استحقاق انتخابي مصيري  

في قراءة لمجريات الانتخابات الرئاسية نسأل الدكتور خطار أبو دياب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس عن تأثير الهجوم الأمني على قرارات الناخبين ونتائج الانتخابات؟ فيشرح في حديث لـ"النهار" أنَّه "مما لا شك فيه أنَّ الضربة الإرهابية عشية الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية ربما يهدفُ من صنعها ومن خطط لها ومن وجهها التأثير على المسار الانتخابي الفرنسي. في الأساس كانت هذه الانتخابات غامضة وفيها كثير من الصعوبة في التكهن بالنتائج. وبحسب استطلاعات الرأي كان التنافس محموماً بين أربعة مرشحين في الدور الأول. والمؤكد مع هذا الحادث يزداد تفاقم التنافس ما بين الخطاب الأمني المتشدد لدى بعض دعاة القطيعة أمثال المرشحة لوبن، وبين الخطابات الواقعية الأخرى التي تنظر إلى الأمور بمنظار أنَّ الظاهرة الإرهابية عالمية وأنَّ فرنسا مجتمع تعددي صمد حتى الآن في وجه الإرهاب منذ عام 2015، وتماسَكَ نسيجه الاجتماعي. وبالرغم من أنَّ البعض يعتقد بانعكاسٍ مباشر لهذا الحادث على نتائج الانتخابات، ولو كانت المسألة في الدورة الثانية لربما كان التأثير أكبر. إلا أنه عشية الدورة الأولى سيبقى الفرز إيديولوجياً وحسب الاقتناعات على ما هو عليه، قبل الخوف الأمني".

ويضيف: "لقد نجحت الأجهزة الأمنية قبل يومين بتفكيك عملية خطيرة في مرسيليا جنوب فرنسا. نحن في مطلق الأحوال أمام استحقاق انتخابي مصيري، ولو افترضنا أنَّ التخويف وحالة الأمن ستكون لهما الغلبَة، واقتنع الناخب الفرنسي في إيصال السيدة لوبن فيعني ذلك ليس فقط خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي، ولكن انهياره ايضاً، وضربة كبير للديموقراطيات في العالم، وأظنُّ أنَّ تجارب سابقة من هولندا والنمسا وغيرها دلَّت إمكانية صدّ أوروبا لهذه الظاهرة ولو موقتاً".


إذاً ستشهد فرنسا أحداثاً أمنية بين الدورتين الأولى والثانية للتغيير في نتائج الانتخابات؟ "مَنْ يعلم؟ هناك تخوف لدى الأجهزة الأمنية من حصول ذلك بين الدورتين للتأثير على النتائج. نحن من الآن لغاية 7 أيار (الدورة الثانية) أمام أكثر من نصف شهر، وهذا يعني أننا أمام وضع بالفعل معقَّد لا سابق له، إذ ستجري انتخابات مصيرية في بلدٍ مهم مثل فرنسا تحت وقع الخطر الإرهابي. ربما يربح ماكرون أو فيون، لا أعتقد أنَّ جان لوك ميلونشون (مرشح أقصى اليسار) يملك حظوظاً كثيرة. والسباق المحموم يدور بين ماكرون وفيون ولوبن".  

ولكن نتائج استطلاع الرأي تظهر تقارب الأرقام بين ماكرون ولوبن، ماذا عن ذلك؟ "لا يمكننا أن نسلِّم بدقة استطلاعات الرأي نظراً إلى الخذلان الذي حصلَ في الـ "بريكست" ومع الرئيس الاميركي دونالد ترمب. فيون لديه خطابات معينة قريبة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبعض الأنظمة العربية معه، سيكون هناك بعض التعديل في السياسات الخارجية. أما بالطبع مع ماكرون سيكون هناك تواصل بشكل أو بآخر مع السياسة التقليدية الفرنسية في الشرق الأوسط وحتى تجاه روسيا، ولكنْ مع تعديلٍ في الأسلوب ربما".


لا تغيير في قواعد اللعبة  

بدوره، يلفت الأستاذ في العلاقات الدولية الدكتور سامي نادر في حديث لـ "النهار" إلى أنَّ "الأحداث تؤثر بشكل محدود لأنَّ مسألة الاعتداءات ليست جديدة في فرنسا، والفرنسيون حددوا خياراتهم. الإرهاب اضطلع بدور في صعود اليمين المتطرف ولكنه لن يغير الأمور رأساً على عقب، لوبن قد تربح نقطة بعد تراجعها 4 نقاط الأسبوع الفائت، مع تقدم ميلونشون وفيون، ولكن لن تُغيِّر قواعد اللعبة. وما من أكثرية فرنسية تتجه للخروج من أوروبا. ستنجح لوبن في الدورة الأولى ولكن المسألة أصعب في الدورة الثانية. كما أنَّ اليمين لن يصبَّ في مصلحة لوبن، لأنَّه إذا أعطاها أصواته سيقضي على نفسه، إذ بفوزها ستُقصيه، ويُفضِّل الاتجاه أقصى اليسار ليحافظ على دوره ووجوده".



التشنج الأمني يسيطر على الأجواء الانتخابية الفرنسية التي يترقب العالم نتائجها، وهي المرة الأولى التي يجد فيها الفرنسيون أنفسهم في موقعٍ مصيري قد يغير وجه سياسة البلد الداخلية والخارجية.

salwa.abouchacra@annahar.com.lb

Twitter: @Salwabouchacra