الطائفة الشيعية ضحيّة استخدام لبنان ساحة أم نتيجة استئثارها بالقرارين الأمني والسياسي؟

التزم كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري و" حزب الله" الصمت حيال خطف طيارين تركيين على طريق المطار على غرار الصمت الذي التزمه الجانبان لدى لجوء ما سمي الجناح العسكري لآل المقداد الى خطف مواطن تركي العام الماضي على طريق المطار نظرا الى احراج في تبني هذه العملية او حتى تغطيتها او تبريرها كما في التبرؤ الكلي منها، وخصوصا انها ليست عفوية، بل مدبرة ومدروسة. وفيما برر "حزب الله" خطف آل المقداد المواطن التركي سابقا بعدم مونته او ادارته الطائفة ككل ووجود عشائر وعائلات مؤثرة خارج تأثيره، تبرّع وزراء في الحكومة وحلفاء سياسيون للحزب في رمي عملية الخطف في حضن اطراف شيعة وتبرير هذا الاداء بانه رد فعل على خطف الحجاج الشيعة في اعزاز وتوسيع شقة الخلاف مع تركيا من خلال تحميلها مسؤولية عدم الضغط من اجل اطلاق المخطوفين من اعزاز. وقال وزير الداخلية مروان شربل "رب ضارة نافعة"، في اشارته الى احتمال حصول تبادل للمخطوفين، في حين اعتبر وزير العدل شكيب قرطباوي ان "تركيا قادرة على المزيد في ملف مخطوفي اعزاز". وزادت هذه المواقف ارباكا على ارباك المرجعيات السياسية الشيعية. اذ ليس واضحا بالنسبة الى مصادر سياسية مصدر المصلحة في ان تسمح مرجعيات هذه الطائفة بزيادة الاثقال والاعباء على ابناء الطائفة ما لم تقحم على غير ارادة منها وفي اطار لعبة اقليمية تتجاوزها من خلال استخدام لبنان ساحة للضغوط الاقليمية وتحول الطائفة الشيعية عاملا مساهما في هذا الاطار كما حصل في اقحامها في زواريب الحرب السورية. وتعتقد هذه المصادر السياسية ان المراجع السياسية لدى الطائفة، تبدو كأنها تواجه احراج اقفال الابواب اكثر فاكثر امام ابناء الطائفة خصوصا اقليميا ودوليا بعد المواقف الاخيرة لدول الخليج نتيجة تورط "حزب الله" في الحرب الى جانب النظام السوري، ثم ادراج دول الاتحاد الاوروبي الجناح العسكري للحزب في لائحة التنظيمات الارهابية، فيما ساهم الحزب بعد حرب تموز 2006 في اسباغ طابع متقدم لكل من تركيا وقطر في لبنان وعلى الصعيد الاقليمي، قبل ان يتحول الى موقع العداء لهذين البلدين بفعل الازمة السورية.


والمترتبات السلبية على الطائفة الشيعية ليست اقل اثرا على لبنان من هذه الزاوية كما من زوايا اخرى. وبمقدار المفاخرة في السطوة والقدرة في الامساك بالطائفة، فضلا عن السيطرة على القرار وعلى غالبية جوانب الوضع اللبناني، يغدو "حزب الله" مسؤولا اكثر فاكثر عن زج لبنان واللبنانيين في اوضاع صعبة في الداخل والخارج ومسؤولا عن تبعات اقتصادية وسياحية وتبعات اخرى لا علاقة لها من قريب او بعيد بـ"المقاومة"، ولا يد لخصوم الحزب فيها كما هو مسؤول الى حد كبير في ما يعتبره خصومه "الاستقواء بالسلاح" واستباحة استخدامه. وفي المقابل تخشى المصادر السياسية المعنية ان تكون عملية خطف الطيارين التركيين في اتجاه الامعان في استخدام لبنان ساحة للرسائل والضغوط الاقليمية الى جانب استكمال شموله من ضمن ساحة الصراع الجاري في سوريا، على رغم ابقائه حتى الآن، ولاعتبارات متعددة ومختلفة في اطار الصراع السياسي والامني من دون الحرب المباشرة. فمسألة العودة الى اعلان بعبدا وسياسة النأي بالنفس في حال كان مقدرا للحكومة ان تتألف - وهذا امر يغدو اكثر تعقيدا في ضوء التطورات الاخيرة - هما امران باتا من الماضي في ضوء المزيد من الوقائع التي تحول دون ذلك، بدءا من عدم قدرة "حزب الله" على الانسحاب من الحرب السورية وصولا الى خطف الطيارين التركيين، وهو ما يمكن دحض احتمال ارتباطه بالعلاقة المتردية والحرب القائمة على خط النظام السوري وتركيا. من جهة اخرى، تظهرعملية خطف الطيارين التركيين كأبرز تحد للمؤسسات اللبنانية السياسية الرسمية، كما الامنية والعسكرية، في تتويج لمسلسل خطف متواصل ومستهجن يتصاعد ضد مواطنين لبنانيين او سوريين. لكن ان يطاول الخطف مواطنين اجانب فهذا الامر ينطوي على مخاطر جمة على رغم الاسباب التخفيفية التي يظهرها بعض العواصم حتى الآن، من خلال ربط الكثير مما يحصل في لبنان سياسيا وامنيا بتداعيات الحرب السورية. فمسألة الخطف، وان يكن البعض يبررها في اطار رد الفعل على المخطوفين في اعزاز ووجود ملفات اقليمية عالقة مع تركيا، يبدو صداها اكبر من ان يحصر في هذه الخانة بالذات، فلا يتضرر مطار بيروت او سمعته وكذلك طريق المطار فحسب، بل يتشظى لبنان ككل اذ يبقى عالقا في الاذهان فقط ضرورة عدم التوجه الى بيروت خشية التعرض للخطف لاعتبارات شتى. يضاف الى ذلك الارتباك الواضح للمسؤولين السياسيين في التعامل مع الموضوع بين استنكاره وتبريره في الوقت نفسه الى جانب التوظيف السياسي من الخصوم ايضا.
بعض المسؤولين يأملون في ان تساهم الخطورة التي باتت تطبع الوضع والانزلاق السريع الذي يتجه اليه، في اتخاذ رئيس الجمهورية مبادرة الدعوة الى استئناف الحوار بعد الموقف الاخير الايجابي للرئيس سعد الحريري في هذا الاطار وما بادر اليه الامين العام لـ"حزب الله" في اولى خطبه الشهر الماضي لجهة مد اليد وابداء الاستعداد للحوار في الاستراتيجية الدفاعية.


rosana.boumonsef@annahar.com