هل دخل البيت الشيعي السياسي العراقي في أزمة فعلاً؟

في الاسابيع القليلة الماضية تجمع اكثر من معطى ومؤشر يوحيان بأن "المشروع السياسي الشيعي" في #العراق آيل وشيكا الى عنق زجاجة ازمة حادة اذا لم يتم تداركها ان تفجر هذا المشروع وتستولد معادلات جديدة في الساحة العراقية الملتهبة منذ زمن . 

فقد سرت اخيرا انباء فحواها ان رئيس "التحالف الوطني العراقي" السيد عمار الحكيم الذي يضم بين جنباته غالبية القوى والتيارات والشخصيات الشيعية والذي يعود تأسيسه الى عام 2005 هو في وارد الاستقالة من هذا المنصب وان مجيء البديل المحتمل له وهو رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي من شأنه ان يفتح ابواب ازمة داخلية اكبر بسبب معارضة مكونات من التحالف على هذه الشخصية الاشكالية .

وفي الوقت عينه يبدو زعيم "التيار الصدري" السيد مقتدى الصدر وكأنه قرر التغريد لوحده خارج السرب السياسي الشيعي وانه في طور فك آخر خيوط ارتباطه الواهي اصلا بالتحالف العراقي، ولا سيما بعد ان تجرأ على توجيه دعوة صريحة الى الرئيس السوري بشار الاسد الى الاستقالة من منصبه مقدمة لايجاد حل للازمة في سوريا فيما قيل ان بعض المنتمين الى تياره هم من الذين قادوا تظاهرات انطلقت في بعض شوارع البصرة رافعين شعارات الدعوة لخروج ايران من الساحة العراقية وسحب نفوذها من هذا البلد الذي يعاني من عقود عدة حروباً وصراعات داخلية متناسلة زادت وتيرتها حدة في الاونة الاخيرة .

لكن اوساطاً لبنانية متخضضة بحكم موقعها الحزبي بمتابعة الملف العراقي والتواصل مع قيادات عراقية ترى ان الكلام "عن قرب نشوب ازمة في داخل البيت السياسي الشيعي العراقي " كلام مبالغ فيه" وان ثمة من ينفخ بناره ويصوره على اساس انه امراً واقعاً ويبني عليه حسابات معينة.

فالكلام عن استقالة محتملة للحكيم هو كلام غير دقيق اذ ان الرجل الذي يتزعم بالاصل المجلس الاسلامي العراقي الاعلى احد كبريات القوى الشيعية العريقة ذات التمثيل الوازن في البرلمان والحكومة يفترضا ان تنتهي ولايته تلقائيا في رئاسة التحالف بعد نحو ستة اشهر بموجب النظام الداخلي للنحالف. لذا فهو اعلن اخيرا انه في وارد مغادرة هذا المنصب لحظة انتهاء هذه الولاية. ويفترض وفق التفاهمات الداخلية بين مكونات التحالف ان يحل محله مباشرة المالكي بصفته ايضا احد زعماء حزب الدعوة الاسلامية في العراق.

وعليه فإن المصادر عينها ترى ان تصريح الحكيم الاخير لا يعني بالضرورة تهديداً بالاستقالة بل ربما ينطوي على رغبة بالتجديد له لولاية ثانية وهو امر له نسبة من التحقق اذا ما تنازل المرشح المحتمل اي المالكي عن هذا المنصب ، خصوصاً وان ثمة قوى معنية بهذا الملف لا تريد فتح ابواب الصراع في داخل التحالف لذا هي تفضل صراحة ابقاء الحكيم في منصبه وهو يحظى برضى كل مكونات التحالف من دون استثناء وهي ميزة لا تتوفر لسواه .

 وفي موازاة ذلك تققل المصادر عينها من تداعيات " التصرفات النافرة والخارجة عن اجماع التوجه الشيعي العام حيال قضايا بالغة الحساسية للسيد الصدر ولاسيما دعوته الاخيرة الرئيس الاسد الى الاستقالة ومشاركة محسوبين على تياره في تظاهرات الدعوة الى خروج ايران من المشهد العراقي. وفي رؤية المصادر عينها ان الصدر عرف تاريخياً بتقلبات مواقفه وتبدل رؤاه وتغير مواقفه وبتسييره تارة تظاهرات معارضة للنظام في بغداد واخرى مضادة للسياسة الايرانية، لكن ذلك على بلاغته لا يعنيب بالضرورة انه تجسيد لبوادر ازمة في البيت الشيعي العراقي لان بقاء هذا البيت واقفاً ضرورة وحاجة للمنضوين تحته الى درجة انه يمكنهم استيعاب تصرفات الصدر و"مغامراته وتقلباته" واستطراداً شطحاته السياسية وقلقه السياسي المستمر منذ بدايات ظهوره على الساحة وذلك انطلاقاً من أمرين اثنين:

الاول: حرص هذه المكونات على الحيلولة دون الانجرار الى لحظة تتصادم فيها مكونات " البيت الشيعي" ادراكا منها ان ذلك "بيت قصيد الاعداء المتربصين".

والثاني: ان الرجل ( الصدر ) لم تعد عنده حيثية وازنة في الساحة العراقية عموما والشيعية خصوصا كما ان تنظيمه شهد كما هو معلوم انشقاقات وخروج قيادات وازنة فضلا عن التغييرات المستمرة التي دأب على اجرائها في قيادة التيار افضت الى خروج عشرات القيادات المؤسسة والفاعلة .وهو في كل الحالات يحبذ دوماً اطلاق قفاز التحدي في وجه كل الاخرين وهو يعرف سلفاً ان المساس به او افتعال الصدام معه : خط أحمر " وأمر لايمكن لاي عاقل وحريص على الساحة العراقية وعلى حيويتها السياسية تجاوزه او التفكير به".

ومهما يكن من أمر، فإن الساحة الشيعية العراقية اعتادت منذ سقوط نطام الرئيس صدام حسين في عام 2003 مواجهة التحديات الجسام والمرور باختبارات صعبة وكانت تنجح دوما تنجح في تجاوز المخاطر.