صندوق الاستفتاء ومستقبل تركيا
"يوم الأحد سنصوت بـ"نعم"، تعالوا نصنع هذا التحالف، نحن حكمنا ما يقارب 15 عاماً كرئيس حكومة ورئيس جمهورية وتعرفون تماماً المنجزات التي حققناها وسنحقق أكثر عن طريق النظام الرئاسي وسنكسر القيود التي يضعها الأخرون كي نحقق أهداف تركيا. ان النظام الرئاسي يخولنا أن نكون من أهمّ 10 دول بالعالم خلال 2023".
بهذه الكلمات توجه الرئيس رجب طيب أردوغان إلى الشعب التركي بنهاية مقابلته ليلة الجمعة قبل ساعات قليلة من انتهاء المهلة القانونية لحملة التصويت على الإستفتاء. المقابلة التي أجراها التلفزيون التركي TRT تضمنت إعادة مختصرة لخطاب أردوغان خلال حملة الاستفتاء على التعديل الدستوري الذي يجري اليوم الأحد، بعد أن كان حزب العدالة والتنمية قد قدّم مشروع التعديل قبل شهرين وتم التصويت عليه من البرلمان التركي وحصل على أغلبية 339 صوتاً.
خلال الشهر الأخير، قليلة هي الأيام التي مرّت على تركيا من دون ان يزور أردوغان مدينة ما في البلاد أو من دون أن يعتلي مسرحاً خصص لمناسبة ملاقاة مناصرين لحزبه أو للاستفتاء. آخر محطاته كانت الجمعة في مدينة قونيا، قبلها حطّ الرئيس في غيراسون وأنقرة وأزمير واسطنبول واغلبية المدن التركية. مشهد الحملة قليلاً ما اختلف من مدينة لأخرى، نص الخطبة التي يلقيه أردوغان من على مسرح يتوسطه الجموع المؤيدة للتعديل الدستوري، هذا النص في محتواه أيضاً غالباً ما يكون مشابهاً بالجزء الأكبر منه مع تغيّر بسيط قد يصيبه للحديث عن تاريخ المدينة أو أحد اعيانها، كما لو أنه وعلى سبيل المثال استنجد بمقولة لـ"مولانا" من على منبر قونيا أو يسأل السكان في أرضروم عن أغنية المدينة المفضلة ويقوم بانشادها مع المتجمهرين. في المشهد أيضاً، أردوغان يجول يمينا يساراً على المسرح، يرفع يده اليمنى ويحيّ الجماهير، يسألهم إن كانوا سيذهبون نهار الأحد إلى التصويت ويدلون بالـ"نعم"، قد يطلب أيضاً قراءة الفاتحة على روح الشهداء وأيضاً احياناً يضطر إلى طلب مشاهدة فيلم قصير أعده فريق عمل الرئيس.
التعديل الدستوري:
يقول حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة إنّ التعديل الدستوري من شأنه أن يعطي صلاحيات كبيرة لرئيس الجمهورية وهذا ما يقود إلى دكتاتورية حقيقية في تركيا. وإن هذا التعديل الدستوري يهدد الديموقراطية والحريات في البلاد ويغير نظام الدولة (الجمهورية) وليس نظام الحكم (البرلماني) فحسب.
يتكون التعديل من ثماني عشرة مادة، أهمّ ما جاء فيها رفع عدد أعضاء البرلمان من 550 إلى 600، وخفض سن الترشح للبرلمان من 25 إلى 18، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن كل خمس سنوات، وإلغاء المحاكم العسكرية، وتنظيم انتخابات "هيئة القضاة والمدعين العامين".
بينما أهمّ ما جاء بالتعديل المقترح هو التحول للنظام الرئاسي، أي شروط الترشح للرئاسة وصلاحيات الرئيس وآليات محاكمته والعلاقة بين المؤسسات المختلفة سيما الحكومة والبرلمان. محاسبة الرئيس: بحسب التعديل الدستوري يجوز محاكمة الرئيس لأي سبب باقتراح نصف أعضاء البرلمان زائد واحد وموافقة ثلثي أعضائه على تقديمه للمحكمة العليا.
ما بين الخطر والإنجازات ضرورة الـ"نعم":
الدعوة واضحة كانت خلال الحملة التي ساقها أردوغان بمعاونة من رئيس الحكومة بن علي يلدرم. 55 مليون ناخب داخل تركيا و3 ملايين خارج البلاد أمامهم إمّا الـ" نعم" أو "لا"، ولا خيارات كثيرة.
من يتابع خطوات الرئيس المتنقل بين مدن تركيا وأريافها يدرك بسرعة الخطوط العريضة لحملة الحث على الاستفتاء والاتجاه نحو تغيير الحكم في تركيا. أمران أساسيان رافقا اردوغان كل هذه الفترة، أولاً الحديث عن الخطرالذي يهدد تركيا وانجازات عهد العدالة والتنمية على مدى السنوات الفائتة التي حكم فيها بالمرتبة الثانية.
تركيا بحسب أردوغان مهددة من أكثر من إتجاه، وبث الخوف في نفوس الاتراك كان وظيفة واضحة للحملة. فمن الجنوب داعش والأحزاب الكردية الـPKK والـPYD تشكل تحدياً أمام الأتراك مجتمعين ويقول أردوغان تعقيباً أنه وجب على كل أبناء البلد محاربة لتجنب تركيا الكوارث الأمنية، ليتابع بضرورة التصويت بـ نعم التي ستكون حجر عثرة وعائق امام كل أنواع الإرهاب.
لم يتوان أردوغان عن استعمال الضجة التي أثيرت مؤخراً بين الدول الأوروبية وتركيا في الحملة وكذلك الحديث عن العلاقة بين الطرفين التي أصابها أكثر من خلل على الصعيدين السياسي والديبلوماسي خصوصاً مع هولندا، المانيا وسويسرا. الهجوم على الدول الأوروبية غالباً ما كان يحدث قبل البدء الحديث عن أي منجزات، وبحسب أردوغان فإنّ هذه الدول تقود حملات اعلامية ضخمة لحثّ الأتراك على عدم التصويت بـ "نعم" على التعديل ووصف أردوغان بالديكتاتور. الاعلام التركي قام بتغذية صورة الخلاف مع أوروبا فإعادة نشر فيديو السياسي الهولندي اليميني غيرت الذي يجزم بأن تركيا لن تدخل الاتحاد الأوروبي حدث قبل أسبوع من المشكل الديبلوماسي بين هولندا وتركيا.
بالنتيجة أوروبا منزعجة من التقدم الذي حققته تركيا ولا تريد لحكم أردوغان أن يستمرّ وهذا كلّه بحسب الرئيس الذي يدعو الشعب التركي للتحدي.
الحديث عن فتح الله غولن زعيم منظمة الكيان الموازي المتهم الأساس بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الذي جرى ليلة 15 تموز 2015 من أهم محاور الخُطب التي ألقاها أردوغان داعياً الأتراك إلى مواكبته في اقتراح التعديل على الدستور، النظام الرئاسي الجديد قد يردع شبح بنسلفانيا بحسب الرئيس.
فالحديث عن الأخطار يوازيه ويتوسطه كلام آخر عن المنجزات التي حققتها تركيا، الاستثمارات والتقدم في كلّ مدينة. عدد المدارس والجامعات مؤشر مهم كثيراً ما تكلم حوله اردوغان. خلال الساعة التي يلقي خطاب المدينة غالباً ما عرض فيلم قصير عن وضع المستشفيات قبل حكم العدالة والتنمية وبعده. في الأرياف قد يختلف الحديث قليلاً عنه في المدينة، ما بين التركيز في أرياف الشمال على الزراعة وفي ازمير على السياحة مثلاً.
الشباب والاستفتاء:
ينص التعديل المقترح على خفض سن الترشح للبرلمان من 25 إلى 18 في حين ان الرئيس التركي توجه بكثير من الأحيان الى الشباب التركي داعياً اياهم الترشح والمشاركة في الحياة السياسية وان تركيا بحاجة هذه الفئة والبلد بانتظار هذه النخب. قد تكون الفئة الشبابية خائفة نوعاً ما من حكم العدالة والتنمية والذي يمكن أن يقود إلى الحدّ من الحريات في المستقبل.
هذا الاستهداف هو بمثابة استمالة الشباب نحو التصويت بـ "نعم" على الاستفتاء وهم يشكلون نسبة كبيرة من المجتمع التركي ولصوتها أن يحدث فرقاً في الاستفتاء.
تاريخ الاستفتاءات في تركيا
عاشت تركيا لغاية اليوم 5 استفتاءات كان أولها عام 1961 للتصويت على الدستور الذي صاغته لجنة الوحدة الوطنية والذي على حصل على 61.7% بـ "نعم".
الاستفتاء على دستور 19 تمّ وضعه بعد انقلاب 1982 وفاز بأغلبية 91.4%
الاستفتاء الذي حصل سنة 1987 الذي هدف لرفع الحظر عن بعض الزعماء السياسيين 50.2%
1988 الاستفتاء على الانتخابات المحلية المبكرة والذي لم يحصل إلّا على 35%
2007 حصل استفتاء على انتخاب رئيس الجمعورية مباشرة من الشعب وحصل على أغلبية 70%
الأخير حدث في 2010 وتمّ التصويت بأغلبية 57.9% على حزمة تعديلات دستورية تشمل 26 مادة
الاستطلاعات
تظهر شركات استطلاع الرأي في تركيا نتائج متباينة ومتفاوتة في ما بينها فمثلاً شركة ORC تعتقد انّ 43% سيصوتون بـ "لا" و57% بـ "نعم" بمقابل شركة GEZİCİ ترى أن 59% سيصوتون بـ "لا" و 41% بـ "نعم" وهناك شركات أخرى لها إحصائيات مختلفة.
مستقبل تركيا:
حذر زعيم المعارضة كمال كليتشدار من اراقة الدماء في حال تمّ التصويت على الاستفتاء وأقرّ النظام الرئاسي في تركيا. بالطبع انّ الحياة السياسية في تركيا سيكون لها وجهاُ جديداً بعد الاستفتاء نهار الأحد بكلا الحالتين فوز معسكر أردوغان أو خسارته.
سيتيح النظام الجديد صلاحيات أوسع بكثير لرئيس الجمهورية بحيث سينهي الائتلاف بين الحكومة ورئاسة الجمهورية وما يمكن أن ينتج عنه.
الإعلام الأوروبي لا يتحدث عن النظام السياسي الجديد بقدر التركيز على ما يمكن أن يصيب تركيا من جراء حكم أردوغان الكامل بمصير البلد والذي ممكن ان يتحول الى حكم ديكتاتوري والشخص الواحد.
في النهاية، يبقى للفترة المستقبلية أن توضح كيفية المسار السياسي في تركيا والتطبيقات العملية هي التي ستتيج معرفة حقيقة ما سيؤول اليه الوضع في تركيا أكثر بكثير من النصوص المكتوبة واستطلاعات الرأي.