أنا سعيد خباز مفقود منذ 1985 وأنا سامية حمود مخطوفة منذ 1988: لا تدعوا قصتنا تنتهي هنا!

روزيت فاضل

 "إسمي سعيد خباز، وكنت في السادسة عشرة من عمري حين طلب مني أن أترجل من سيارة الأجرة. حصل ذلك في الثاني عشر من آذار 1985. كان علي ترك منزلي في زغرتا، شمال لبنان والتوجه الى بيروت. لم أكن أعرف في وقتها أنني لن أرى منزلي مجدداً.  

كنت في السادسة عشرة، ولم أكن ملتحقاً بمدرسة. توفي والدي وكنت أبحث عن عمل لإعالة والدتي وشقيقيّ. لم تكن لدي مشكلة في مساعدتهم، فقد كنت أعمل في فصل الصيف، على أي حال، وكنت أسر بالأعمال المنزلية. يقولون إنني كنت ناضجاً بالنسبة الى سنّي. إقتضت خطتي أن أنخرط في الجيش. كنت أحب زيارة أختي الكبيرة، لينا، المتزوجة. نخرج معاً، ونزور الأصدقاء. وكنت اخبرها عن فتاة الضيعة التي تعجبني. كنت ابن 16 حين خطفت".

لا تدعوا قصتي تنتهي هنا!

هذا ما نقلته جمعية "لنعمل من أجل المفقودين" عن شهادات عائلة سعيد، وهي واحدة من أصل نحو 100 لقاء مع ذوي المفقودين. تدخل هذه الشهادات في إطار برنامج "فسحة أمل"، وهو مشروع بادرت الجمعية الى العمل عليه وتنفيذه بالتعاون مع لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان وجمعية دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين- "سوليد" مع مجموعة من 16 منظمة من منظمات المجتمع المدني الداعمة لقضية المفقودين.

ترفض الجمعية المبدأ الذي ما زال يتعامل به المسؤولون مع قضية المفقودين، والقائم على معادلة "أنا مفقود، إذا أنا منسي". تحركت الجمعية لتقارب هذا الملف بمسؤولية تامة من خلال هذا البرنامج القائم على الاعتراف بالمأساة والمعاناة الطويلة لذوي المفقودين وتدريب الجامعيين على تأريخ بيانات معلومات عن المفقود من أهله، في محاولة لتوعية جيل الشباب على تجنب المأساة نفسها.

قبل عرض تفاصيل البرنامج، أثنت مديرة الجمعية جوستين دي ماريو حوري، في حديث الى "النهار"، على "تعاون الجمعية مع الصليب الأحمر اللبناني في مقاربة عائلات المفقودين والمنسيين قسراً، ونحاول الإصغاء الى وجعهم وشوقهم للمفقود". قالت: "نعمل مع الصليب الأحمر على جمع عائلات المفقودين من مناطق مختلفة، ليعرفوا عن كثب أن المأساة واحدة، والمعاناة واحدة لأهالي المفقودين". وأكدت "أنهم يحتاجون الى من يصغي اليهم ويشعر بشوقهم. لم تسمح الظروف لهم بالتعبير عن حسرة انتظار أي خبر عن مصير فقيد غال على قلوبهم. من حقهم علينا أن نسمعهم، ونحترم كل غصة ودمعة تمنع أي فرد منهم من إكمال القصة".



شباب مؤرخون

وفق حوري، ان هذا البرنامج سعى منذ إطلاقه عام 2016 الى أن يصبح "ذاكرة حية" للشخص المفقود من خلال تخصيص صفحة لكل شخص مفقود وتعرض من خلالها معلومات عن السيرة الذاتية، والاختفاء، فضلاً عن إرفاقها بصور وأشرطة فيديو وشهادات من عائلته ومقربين منه.

كيف تقارب الجمعية أهالي المفقودين؟ أجابت: "نشدد على تعاوننا مع طلاب من جامعات عدة منها الجامعة الأميركية في بيروت، جامعة القديس يوسف، البلمند، المنار، الجامعة اللبنانية وجامعة بيروت العربية والجامعة اللبنانية الأميركية في كتابة الشهادات التي يحكيها الأهالي. يتم تدريبهم على مقاربة أولياء المفقودين ومعرفة تفاصيل القضية والصعاب التي تواجهها. ونواكب صياغتهم للشهادات لأننا نريد من الجيل الشاب أن يعي عمق المأساة والوجع الذي يعيشه الأهل جراء انتظار أي خبر عن فقيدهم".

وعن مقاربة ذوي المفقودين في المناطق خارج العاصمة، قالت: "نحاول تحفيز مجموعة شبابية محلية لخوض هذه التجربة، ودفعهم إلى التعرف عن كثب على إحدى النتائج "الدراماتيكية" للنزاع المسلح في لبنان". أعلنت أن " قصص للمفقودين بشهادات أحبائهم تنشر باللغات العربية، الفرنسية والإنكليزية".

أسفت أننا "نفتقر إلى لائحة رسمية بأعداد المفقودين أو حتى بأسمائهم"، قالت:" لا نملك لائحة موحدة بأعداد المفقودين أو حتى بأسمائهم . يختلف مضمون لائحة الجهات الرسمية عن لائحة لجنة المفقودين والمنسيين قسراً".



"حماية" القبور الجماعية

لا تتردد حوري في تسليط الضوء على الجهد المبذول من الجميع لمقاربة حوادث الحرب من خلال لقاءات "وراء الكواليس" مع بعض المقاتلين القدامى، في محاولة لرصد موقع كل من الحواجز ومراكز الاحتجاز لمعرفة معلومات ممكنة مرتبطة بمكان وجود قبور جماعية. وأكدت "اننا سنلجأ الى السلطات القضائية الرسمية عند رصدنا لأي مكان مرتبط بقبور جماعية".

ماذا بعد؟ اجابت بحسم كبير: "سنكمل في كتابة قصص المفقودين كجزء من ذاكرة الحرب الأليمة. وقد ارتكز فقدان الذاكرة الوطنية للحرب الأهلية على حساب آلاف المفقودين وعائلاتهم". وتوجهت إلى الرأي العام: "إن أسر المفقودين ما زالت تنتظر المجتمع للاعتراف بما حدث واحترام أحباتهم المفقودين. هم في حاجة إلى دعم المجتمع للمطالبة بحقهم في معرفة المصير والضغط على السلطات للتحقيق بجدية في مصير أحبائهم".

 لكي لا ننسى!

هنا شهادة أخرى لمفقودة، علّ ضمير المسؤولين يتحرك، هذا نصها: "إسمي سامية محمود. كنت طالبة جامعية أعيش في موسكو (روسيا). كنت سعيدة هناك. فقد كنت أشعر بالأمان، ولم أكن أرغب في العودة الى لبنان. قُتِل والدي وشقيقاي الإثنان في تل الزعتر. وعام 1988، كانت الحرب لا تزال مستعرة، ولكن والدتي اشتاقت إلي، وأرادتني أن أعود لأقضيَ عطلة الأعياد، وهكذا فعلتُ. زرتُ أهلي وأصدقائي، وكان الأمر جميلاً. لما حان وقت عودتي الى موسكو، كان مطار بيروت مغلقاً، كما جرت العادة في وقتها. واضطررت مع أصدقائي – 4 شابات وشاب واحد – الى أن نستقل سيارة أجرة الى دمشق (سوريا) حيث كان يمكننا السفر من مطارها. وعلى طريق بيروت – دمشق، وعند نقطة المتحف الوطنيّ في بيروت، خطفنا جميعاً (أنا وأصدقائي). أخِذنا مع كل ما نملك ولم يُترك لنا أثر بعدها. تخيلوا مأزق أمي، وهي التي عاشت معاناة مقتل زوجها واثنين من أولادها. انتهى بها الأمر الى مغادرة البلد، ولقد حزمت أمتعة كل أولادها وحتى أوراق الأزهار المجفّفة في كتابي وسافرت الى ألمانيا".

لا تدعوا قصتي تنتهي هنا !