على النائب أن يمثّل شعبه أولاً قبل أن يمثّل "شعوب" الأمّة!

ريـمون شاكر


يتبارى بعض السياسييـن والنواب، ويُـجهدون أنفسهم لاقناعنا بصدقيّتهم وتـجرّدهم وحُسن نياتهم وحرصهم الشديد على العيش الـمشتـرك والـميثاق وعلى تطبيق كل بند وحرف من الدستور، ويتنافسون على اظهار شغفهم بالعدالة، وعشقهم للمساواة، ويدّعون أنـهم لا يبالون بـمصالـحهم الـخاصة ومصالـح طوائفهم وعشائرهم، وآخر هـمّهم نتائج الانتخابات، ومَن يكون الرابـح أو الـخاسر، هـمّهم الوحيد أن تنتصر الديـموقراطية وتتـحقّق العدالة ويتـمثّل كل الناس مهما كانت أعدادهم و"أحجامهم"!
صدّقناكم أيـها السياسيون والنواب، وصدّقنا وآمنّا بطهارتكم وحُسن نياتكم، حرام أن لا تـمدّدوا لأنفسكم عشر مرات، لقد أبـهرتـمونا بأعمالـكم وانـجازاتكم على كل الصعد، من الكهرباء الى الـمياه الى الطرق الى النفايات الى سلسلة الرتب والرواتب الى الضرائب الى الفساد الى قانون الانتخاب، وأبـهرتـمونا بنـزاهتكم واخلاصكم ونكران ذواتكم، حتـى بتنا لا يـحلو لنا العيش من دونكم. وما الـمشاريع الانتخابية التـي تطلقونـها وتروّجون لـها الاّ خيـر دليل على طهارتكم وشهامتكم وحبّكم لشعبكم.
ثـمانـي سنوات مضت وأنتم تتناكفون و"تتشاطرون" وتتذاكون على بعضكم البعض وعلينا، وكل فريق يقدّم الـمشروع الانتخابـي الذي يؤمّن له الأكثـرية الـمطلقة فـي مـجلس النواب، غيـر آبه بآراء الناس وحقوقهم، ضارباً عرض الـحائط بـأهمّ ثلاث مسلّمات فـي الدستور: "الـميثاقية"، و"التمثيل الصحيح"، و"الـمناصفة" الـحقيقية بيـن الـمسيحييـن والـمسلميـن.
ايـها الزعماء والسياسيون، لو كنتم حقيقةً تريدون نواباً يـمثّلون شعبـهم لـما كنتم تتكلمون على لوائح معلّبة، تارةً على مساحة الوطن، وطوراً على مـحافظات ودوائر كبـرى أو صغرى. يا جـماعة الـخيـر، لا يـجوز أن يكون قانون الانتخاب الاّ صورة عن واقع الـمجتمع الذي نعيش فيه، لا صورة عن مـجتمع آخر فـي بلد آخر، ولا صورة عن أفكاركم وحساباتكم وطموحاتكم الفئوية. كل نائب لا يـمثّل شعبه هو نائب "مزوّر"، ووكالته مزوّرة، ولا يستحق الدخول الى مـجلس النواب. ان النائب الذي يـمثّلنـي، هو النائب الذي يتكلّم باسـمي ويعبّـر عن وجعي وهواجسي، لا الذي يتكلم باسـمكم ويزحف ويتملّق ليدخل لوائـحكم. اذا لـم أستطع مـحاسبة مَن مثّلنـي وتكلّم باسـمي طوال أربع سنوات، أكون خائناً لوطنـي وطائفتـي وأهلي ووجودي. فـي نظام اللوائح الذي تطرحون، ان كان وفق "النسبـي" أو "الأكثـري"، تتـحقّق الغلبة الديـموغرافية، وتسيطر الطائفة الأكثـر عدداً، ولا يعود للصوت الأقلّي أيّ قيمة، ولا للـمجتمع الـمدنـي، ولا للمستقليـن، ولا للعلمانييـن، ولا للفقراء غيـر الـحزبييـن، فقط مَن يرضى عنه ملك الطائفة أو شيخ القبيلة يدخل الى جنة اللائـحة، أو يدخل الأثرياء الكبار الذين "يـموّلون" اللائـحة، ولا يصل الى البـرلـمان الاّ مَن يريده ملك الطائفة وليس ابن الطائفة. وفـي مـجتمعنا الـمفكّك والـمشرذم والـمنقسم طائفياً ومذهبياً وفكريّاً، لا شيء يـجمع بيـن مرشّـحي اللائـحة الاّ الـمصالـح الذاتية والآنية وشهوتـهم للسلطة والتسلّط، وآخر هـمّهم الـمبادئ والبـرامج والقيـَم. فبـربكم يا أصحاب الـمشاريع الانتخابية الذين تُـفصّلون قوانيـن على قياساتكم وأحجامكم، أَقنِعونا، كيف يـمكن للوائح "النسبية" أو "الـمختلطة" أن تؤمّن التمثيل الصحيح والـمناصفة الفعلية؟ ونطرح هذا السؤال على الأحزاب الـمسيحية، لأنـها مسؤولة قبل غيـرها بالـحفاظ على الـمبادئ التـي ناضل واستشهد من أجلها آلاف الشهداء، وعلى ديـمومة الوجود الـمسيحي الـحرّ واللائق.
أيها السادة، فـي قانون "الستيـن" الـمشؤوم، أكثـر من 36 نائباً مسيحياً يدينون بوصولـهم الى مـجلس النواب الى قيادات وأصوات سنية وشيعية ودرزية. أليس القانون "الـمختلط" بشقّه الأكثـري يـمثّل جزءاً من قانون "الستيـن" ونتيجته معروفة سلفاً؟.
أما "النسبية"، التـي تُعتبـر ابنة الأحزاب والبـرامـج والـمبادئ، وابنة الدول والـمجتمعات الديـموقراطية العريقة والـمتقدمة، حيث لا ذكر للـمناصفة فـي دساتيـرها، ولا مقاعد مـحدّدة لكل طائفة ومذهب، فقد غدت بيـن ليلة وضحاها، وبدفْع وتـرويـج من أحد الأفرقاء الأقوياء، "موضة العصر" وحجر الرحى، والتـي يتباهى بـها البعض بكل صراحة أنـها تُظهر الأحجام على حقيقتها. وهنا نسأل: هل أصبح هدف قانون الانتخاب فـي مـجتمعنا الطوائفي هو تـحديد الأعداد والأحجام؟ وهل تكلّم الدستور على الأحجام أم على التمثيل الصحيح والـمناصفة والعدالة؟ الاّ اذا كان البعض لـم تعد تناسبه الـمناصفة وتستهويه الأحجام! ان النظام "النسبـي" كما هو مطروح، هو نظام أكثـري مقنّع، يــسحق الأقليات والـمستقليـن والعلمانييـن من كل الطوائف، ويكرّس الغلبة للأحجام الكبيـرة، ولا يعطي الـمسيحييـن سوى 42 نائباً فـي أحسن الأحوال، وبعد اثـنـتـي عشرة سنة سيهبط العدد الى 34، وبعدها لا تسأل. انـها فـي الواقع، "نسبية الأحجام" لا "نسبية الـمبادئ".
نـحن الناس البسطاء والسذّج، نطالبكم بأن تـنـزعوا الغشاوة عن عيوننا وتـخبـرونا عن الـمبادئ والبـرامج التـي سيلتقي عليها الـمرشّحون فـي تلك اللوائح - الـمحادل التـي ستـجمع فـي صفوفها كل التناقضات على الساحة اللبنانية. كيف سيـجتمع فـي لائحة واحدة الـمرشّح الذي هو ضد السلاح خارج الدولة، مع الـمرشّح الذي يؤيّد السلاح خارج الدولة؟ والـمرشّح الذي هو ضد تدخّل "حزب الله" فـي سوريا، مع الـمرشّح الذي يؤيّد هذا التدخّل؟ والـمرشّح الذي هو مع الـمحكمة الدولية، مع الـمرشّح الذي هو ضد هذه الـمحكمة؟ والـمرشّح الذي هو مع "اعلان بعبدا" مع الـمرشّح الذي هو ضد هذا "الاعلان"؟ والـمرشّح الذي هو مع تطبيق القرارات الدولية 1559 و1595 و1701 و1757 ومع بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، مع الـمرشّح الذي هو ضد هذه القرارات وآخر هـمّه سيادة الدولة وقوانينها وهيبتها؟
يقول وزير الـخارجية جبـران باسيل: أول عمل وأول تغييـر فعلي مطلوب من العهد الـجديد هو قانون الانتخاب، لأنه الأداة الفعلية الذي يـجعل اللبنانييـن يتمثّلون ويـحكمون باراداتـهم". صحيح هذا القول، ونـحن نؤيّده، ولكن، هل سيسمح لنا قانون الانتخاب الـمفروض علينا أن نـحكم بارادتنا وبـممثّلينا الـحقيقييـن؟
يا اخوتنا فـي الانسانية والوطن، اسـمحوا لنا أن نـختار مـمثّلينا الـحقيقييـن.


باحث وكاتب سياسي