تلك المرأة وهذه التظاهرة "أعادتا" إليَّ بعض فلسطين ولبنان

لم أكن أعرف سيدةً تُدعى ريما خلف. الآن بتُّ أعرف مَن هي. باختصار: لقد وضعت هذه المرأة، بصفتها الأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة، "أسكوا"، تقريراً "أممياً" يدين إسرائيل ويتهمها بارتكاب الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، وهو عملٌ يوازي من حيث القيمة والفاعلية كلّ "إنجازات" الأنظمة الاستبدادية العربية، "المعادية" لإسرائيل، وكلّ الشعارات والخطب التي تُرفَع في العالم العربي من أجل فلسطين، وتدعو إلى إزالة الكيان الصهيوني الغاصب.


أقول بصراحتي المعهودة: لا شيء في هذا التقرير المشار إليه يحمل طابعاً استثنائياً. فلا تضحكوا عليَّ، ولا تسخروا منّي. هو تقريرٌ أعتبره في معياري الشخصي طبيعياً جداً، وعادياً جداً، ومن باب تحصيل الحاصل. فقد كتبت هذه السيدة ما يعرفه "المجتمع الدولي" كلّه، ولا يريد أن يُقِرّ به. لكن النظام الصهيوني في إسرائيل لا يسكت على تقرير كهذا، فهو قامت قيامته عليه كما لم تقم من قبل. لماذا؟ لأن هذه السيدة عرفت أين يكمن موضع الضعف والوجع في الكيان الديني العنصري، وكيف تضربه ضربتها القاتلة.
أنتِ موظفة "أممية" عارفة، دقيقة، علمية، وذكية، أيتها السيدة ريما خلف. وهذا هو المطلوب من العقل العربي. ففي هذه المعرفة، والدقة والعلم، والذكاء، يكمن الفعل الموجع اللازم و"اللؤم" الموجع اللازم.
ما يهمّني في شأن هذا التقرير، وفي غيره من الشؤون الرمزية والمعنوية الأخرى، التأكيد أن العقل العربي ليس في الضرورة عقلاً ميتاً، بل في إمكانه أن "يشتغل"، وأن يُقلِق العدوّ الإسرائيلي، ويقضّ مضجعه.
... أوّل من أمس الأحد، في ساحة رياض الصلح، شعرت الطبقة السياسية اللبنانية بأن "شيئاً" ما يهدّدها، وينزع من يدها القدرة على الإمعان في إقرار زيادة الضرائب، وضرب سلسلة الرتب والرواتب، وتفجير الموازنة، و... تأجيل الانتخابات النيابية. وكان لا بدّ لهذه الطبقة السياسية من أن تتحرّك كالأفعى، وتحرّك أزلامها لتخريب المشهد الحضاري جداً، وأن تنفث سمّها الدنيء بأعمال تخريب وتشويه في الساحة المذكورة.
"يسعدني" أن أشبّه ردّ فعل هذه الطبقة على التحرّك المدني العفوي، بردّ الفعل الإسرائيلي على تقرير السيدة خلف.
أحياناً تكفي كلمة؛ تقرير؛ تظاهرة، ليشعر المرء بالأمل، بالكرامة، وبالسعادة. فكيف لا أشعر بهذا كلّه، في "تحذير" يوم الأحد، وفي التقرير الذي وضعته السيدة خلف، ورفضت أن "تسحبه" على رغم الضغوط "الأممية" الهائلة التي تعرضت لها.
التظاهرة، وريما خلف، "أعادتا" إليَّ بعضاً من لبنان وفلسطين.


akl.awit@annahar.com.lb