"الراء ٨" ضريبة أم ضربة على رأس المواطن المجتهد؟

هدى شديد

فقط في لبنان، تتسلّل الى راتبك الضريبة وتقتطع منه حصة تتجاوز اي تعويض يمكن ان تناله جزاء اجتهادك عن سنوات العمل. قد تعرف بهذه الضريبة وقد لا تعرف، فتتراكم مستحقاتها عليك من دون علم منك. وحذار عدم الاستعلام والاطلاع، لأن "القانون لا يحمي المغفلين"، والضرائب، وان تجاوزت قدرتك على التسديد لا مهرب منها. يمكنك ان توقف أكلك وشربك فيما هي لا قدرة على ايقافها.
فقط في لبنان، تستفيق وزارة المال على مرسوم اشتراعي عائد الى عام ١٩٥٩ (وهو القانون المتعلق بضريبة الدخل) عام ٢٠٠٣ لتفرض "علاوة على التصريح المفروض على ربّ العمل وعلى كل مستخدم او عامل أو أجير يشغل في آن واحد وظيفة أو عملاً في أكثر من مؤسسة او شركة، ان يتقدّم من مالية المنطقة التي يسكنها قبل الاول من أيار كل سنة بتصريح يبيّن فيه اسماء أرباب العمل الذين عمل لديهم خلال السنة السابقة، وعناوينهم، ومقدار المبالغ التي تقاضاها من كل منهم أو استحقّت له في تلك السنة". إنها ضريبة الراء ٨ التي يقع ضحيتها غالبية الموظفين المجتهدين الذين يمضون حياتهم في العمل في أكثر من مؤسسة لينالوا راتباً محترماً، فإذا بهذه الضريبة تتقاسم معهم بدل أتعابهم في حال عرفوا بها والتزموا التصريح عنها ودفع مستحقاتها، وإما انها تتراكم عليهم بالملايين فيكتشفون في لحظة انهم ينوؤون تحت اثقال ملايينها المتراكمة وهم عاجزون عن تسديدها.
تشرح مصادر وزارة المال مطوٰلاً الموجبات القانونية لهذه الضريبة، وتقول إنها واردة في المادة 53 من المرسوم الاشتراعي الرقم 144 تاريخ 12/6/1959 وتعديلاته (قانون ضريبة الدخل) وتوجب التصريح كذلك على كل مستخدم أو عامل يمارس في الوقت نفسه مهنة خاضعة للضريبة المحدثة بموجب الباب الأول من هذا المرسوم الاشتراعي أو يتقاضى من جهة أخرى معاش تقاعد أو تخصيصات لمدى الحياة".
وبناءً على هذا المرسوم، تشير مصادر المالية الى "ان ضريبة الراء ٨ هي من الضرائب المنصوص عليها في قانون ضريبة الدخل، والنموذج الموضوع من الإدارة الضريبية لتطبيق هذه المادة القانونية هو النموذج ر8. وبدأت الإدارة الضريبية بتفعيل العمل بالمادة القانونية المذكورة اعتباراً من عام 2004 بعدما تم وضع نماذج يتوجب على رب العمل تعبئتها عن العاملين لديه للتمكن من تحديد الأشخاص المعنيين بأحكامها".
هذه الضريبة، باستثناء نائب او اثنين من بين عدد كبير من الذين سئلوا عنها، لم يعرفوا ما هي. صحافيون وموظفون، ومنهم من يعمل في المجال المالي، لم يكونوا على علم بها. ومع ذلك، تقول مصادر الادارة الضريبية إنها قامت بإجراء توعية للمواطنين عليها من خلال وضع إعلان على التلفزيون وإرسال رسائل عبر الـ sms ووضع إعلانات في الصحف المحلية. كذلك تم توجيه كتب خطيّة إلى رابطة أساتذة التعليم الثانوي ونقابة المعلمين في المدارس الخاصة لإعلامهم بضرورة التزام أحكامها.
وزير المال علي حسن خليل الذي لا ناقة ولا جمل له في مفاعيل هذه الضريبة، يحيل كل من يسأل على مديرية الإيرادات في الوزارة، والمفارقة ان بين العاملين في الوزارة وحتى في هذه المديرية من هم ايضاً ضحايا لهذه الضريبة. يقول مدير الايرادات لؤي الحاج شحاده "إن عدد التصاريح المقدّمة من المكلفين عام 2016 عن أعمال 2015 تطبيقاً لأحكام هذه المادة هو 12280 تصريحاً". ولكن هل هذا هو فقط عدد من يقومون بعمليـن في لبنان؟ "طبعاً لا"، هو الجواب. والمستحقات المالية "لا مفرٰ من تسديدها لأن لا شيء يسقط في حسابات الدولة مهما طال الزمن، والتسديد الذي يتمّ اليوم طوعاً يمكن في اي لحظة ان يصبح تحصيلاً قسرياً قد يؤدي الى حجز ممتلكات ومنع سفر وغيره".
المفارقة أن هذه الضريبة على "المواطن المجتهد" بدأ تطبيقها عام ٢٠٠٤ بالتزامن مع إعفاء من ضريبة رسم مقطوع ترجأ سنوياً بقانون في مجلس النواب منذ ١٣ سنة، وهي التي "تفرض على كل مركز رئيسي وعلى كل فرع من فروع شركات الأموال أو شركات الأشخاص وعلى كل مركز لمزاولة عمل المؤسسات الفردية والأعمال التجارية والصناعية وأصحاب المهن الحرّة، على الشكل التالي:
٢٠٠٠،٠٠٠ ليرة على الشركات المحددة المسؤولية وسائر شركات الأموال.
٧٥٠،٠٠٠ على الشركات المحددة المسؤولية وسائر شركات الأموال.
٥٥٠،٠٠٠ ليرة على المؤسسات الفردية وعلى شركات الأشخاص المكلفة على أساس الربح الحقيقي.
٢٥٠،٠٠٠ ليرة على المكلفين على أساس الريح المقطوع.
٥٠،٠٠٠ على المكلفين على أساس الريح المقدّر.
يفرض هذا الرسم لقاء ممارسة أحد النشاطات الصناعية او التجارية او المهنية ويسدّد مهما كانت النتائج المالية لهذه النشاطات".
آخر ارجاء دوري لتطبيق هذا القانون نشر مرسومه في الجريدة الرسمية في ١٠ شباط ٢٠١٧، وهكذا يسير من دون أن يعوقه احد، فيما ضريبة "الراء ٨" او ما يمكن تسميتها بـ"ضريبة المجتهدين"، لا قوة للمواطنين المغفّلين او الملتزمين ولا ظهر لهم للهرب منها.


تحرك نيابي
هذه القضية هزّت عدداً من النواب الذين رأوْا انها غير عادلة ويجب القيام بتحرّك ما اما لتعليق تطبيقها او لالغائها. وقد بادر النائب علًي المقداد من كتلة "الوفاء للمقاومة" الى جمع معلومات عنها بهدف دراسة خطوات التحرٰك، كما ان النائب سيرج طورسركيسيان عمل على وضع اقتراح قانون معجّل مكرّر سيُقدِّمه اليوم في مجلس النواب، ويطلب "تعليق العمل بالنموذج ر 8 إحقاقاً للحق ومنعاً من إثراء الدولة على حساب مواطنيها المجتهدين والأكفاء منهم، والذين يؤمنون لأنفسهم وعائلاتهم ما عجزت هي عن تأمينه".
وجاء في الافتراح:
"- المادة الأولى: يعلق العمل بالنموذج (ر8) اعتبارٍا من تكاليف العام 2017، المتعلق بالمستخدمين لدى أكثر من صاحب عمل إلى حين اعتماد نظام الضرائب الموحدة على الدخل، أو الى حين تعديل التنزيلات العائلية وشطور ضريبة الرواتب والأجور و/أو معدلاتها.
- المادة الثانية: تعدل المادة 53 من قانون ضريبة الدخل بما يتفق مع أحكام المادة الأولى من هذا القانون، بحيث يخضع من يقوم بعمل لدى أكثر من صاحب عمل أو مؤسسة لضريبة الرواتب والأجور عن عمله الأساسي، وفقاً لأحكام قانون ضريبة الدخل، وللضريبة المقطوعة بمعدل 3% عن الأعمال الثانية الثانوية التي يقوم بها".
ومن حيثيات الاقتراح ان الضريبة الواردة في المادة ٥٣ من قانون ضريبة الدخل لم تعدّل منذ نحو عشرين سنة، عندما كانت التنزيلات العائلية تبلغ حدّ 12 مليون و500 الف ليرة، في حين ان شطور هذه الاعفاءات لم تعد تتلاءم وغلاء المعيشة عام 2017، حيث كان الإعفاء عند وضعها على الشكل التالي:
¶ 7 ملايين و500 ألف لكل شخص طبيعي.
¶ مليونان و500 الف عن زوجة لا تعمل.
¶ 500 الف عن كل ولد لغاية خمسة اولاد.
ولذلك وجب التعديل:
أولاً، هذه التنزيلات في 2017 يجب أن تصبح على الأقل 30 أو 50 مليون ليرة بعد مضاعفة الحد الادنى للاجور.
ثانياً، تعديل الشطور بما يتناسب مع غلاء المعيشة".
ووفق العاملين على وضع اقتراح القانون مع طورسركيسيان، "ان تحصيل الراء 8 من دون هذه التعديلات يعني ان الدولة تأخذ أموالاً دون وجه حق وتضرب مبدأ العدالة الضريبية. اذ لا يعقل أن تصل ضريبة الرواتب والاجور الى 20 في المئة في حين أن الضريبة على ارباح الشركات هي 15 في المئة. ومعروف في العلوم المالية أن الضريبة على الرواتب تكون معدلاتها أقلّ من الضريبة على الارباح لأنها تطال دخلاً ناتجاً من جهد فكري أو جسدي، فيما الضريبة على ارباح الشركات تتناول دخلاً ناتجاً من المتاجرة بالأموال".
فهل تتحقّق في مجلس النواب عدالة ضريبية تساوي بين موظف تؤكل رواتبه بشركات مالية تتمدّد فروعها، دون ان تدفع عنها الرسم المقطوع؟
وفي انتظار ان يتّضح مسار التحرّك التشريعي الذي انطلق لوقف هذا الظلم اللاحق بمواطنين جريمتهم انهم مجتهدون، يبقى السؤال: هل هي جهنم ضريبية ام نظام ضريبي هو الذي يحمّل الفرد ولا يحمّل الشركات في لبنان؟