الروسي الذي صار نذير شؤم للأميركيين... ديبلوماسي مخضرم أم صائد جواسيس؟

يجد الديبلوماسي الروسي سيرغي كيسلياك نفسه في قلب الفضائح المتسعة في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول اتصالات سرية بموسكو. بات الرجل نذير شؤم لكل مسؤول يرد اسمه معه. من التقاه أو اتصل به يصير متهماً وقد يفقد منصبه، كما حصل مع مستشار الامن القومي مايك فلين، أو يدخل دائرة الشبهات، كما هي حال المدعي العام جيف سيشنز أو صهر الرئيس جاريد كوشنير أو غيرهما.


وصار السفير الروسي في واشنطن عناوين الصحف في أميركا وخارجها. بينها من قال إنه الديبلوماسي المخضرم الذي عاصر الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي والصعود المدوي للرئيس فلاديمير بوتين، وبينها من وصفه بأنه صائد الجواسيس.


بدأت قصة صعود كيسلياك الى دائرة الضوء مع استقالة مستشار الامن القومي السابق مايكل فلين وسط تقارير من أنه أجرى أحاديث خاصة معه تتعلق بالعقوبات على روسيا قبل تسلم ترامب مهماته، وهو ما يفترض أن يكون نشاطاً غير قانوني.


وزادت خيوط المؤامرة المفترضة تشابكاً في الاول من آذار الجاري عندما أعلنت وزارة العدل أن المدعي العام جيف سيشنز لم يكشف عن اجتماعين سابقين مع كيسلياك في جلسة تثبيته في منصبه أمام مجلس الشيوخ حيث أكد أنه لم تكن ثمة اتصالات بين ادارة ترامب ومسؤولين روس.
ولكن مع العلاقات المشبوهة بين إدراة ترامب وروسيا التي لا تزال تستأثر بكثير من النقاش السياسي في واشنطن، صار كيسيلياك نفسه هدفاً للاتهامات، وذهب البعض الى اعتباره الجاسوس الروسي الرقم واحد في واشنطن.


بعد عقد في منصبه رجل موسكو في واشنطن، يعتبر الرجل البدين شخصية معروفة في الأوساط الديبلوماسية. ومع أنه يفضل مفاوضات وراء الكواليس، فهو يضطلع في بعض الأحيان بدور الوجه العام لروسيا في المناسبات مثل المنتديات السياسية والندوات الاكاديمية في كل أنحاء الولايات المتحدة. ويوم الثلثاء، كان في الكونغرس يستمع الى الخطاب الأول لترامب.


وكيسلياك (66 سنة)، هو بحسب صحيفة "لوس أنجليس تايمس" عيون بوتين وأذناه، وهو الدور الذي وضعه في نيسان الماضي في الصف الأول من صالة فاخرة في فندق مايفلاور بواشنطن، حيث ألقى المرشح الرئاسي في حينه دونالد ترامب خطابه الأول عن السياسة الخارجية.
في ذلك الخطاب الذي قدم فيه قطب العقارات نظرة غير متناسقة نوعاً ما، إلى العالم، أطلق ما صار لاحقاً موضوعاً رئيسياً في الحملة الرئاسية، وهو الحاجة إلى علاقات أفضل مع روسيا. ومع ذلك، اتخذ الديبلوماسي الروسي، موقفاً حذراً أقله علنا، حيال موقف ترامب، قائلاً إنه أعلن "بعض النقاط المثيرة للاهتمام"، ولكن ثمة حاجة إلى فهم مواقفه على نحو كامل.


الواضح أنه بعد سنوات من المهمات في خلايا النحل الديبلوماسية، مثل الأمم المتحدة وحلف شمال الاطلسي في بروكسيل، بات الديبلوماسي الروسي يتقن تقنيات العلاقات الدولية، مثله مثل أي ديبلوماسي آخر، ولكن عارفيه يقولون إنه قادر على الرد بقوة إذا شعر أن موسكو تعامل بظلم.
ولكن على رغم مهاراته الديبلوماسية المعترف بها، صار كيسلياك أخيراً في مرمى اتهامات من نوع آخر، ولعلها اكثر جرأة ما ورد على شبكة "سي أن أن" الاميركية للتلفزيون على لسان مسؤولين حاليين وسابقين من أن هذا الديبلوماسي معروف منذ فترة طويلة لدى الاجهزة الاستخباراتية على أنه المجنّد الأول لعملاء روسيا في واشنطن.


هذه الاتهامات أثارت غضباً كبيراً في موسكو،وخصوصاً في الاوساط الاكاديمية ومراكز الابحاث.
وتنقل صحيفة "موسكو تايمس" عن المحلل السياسي البارز فلاديمير فرولوف أن "الفكرة مضحكة وسخيفة".
واعتبر انطون تسفيتوف من مركز الابحاث الاستراتيجية أن هذه الادعاءات هي "نتاج الفوضى العامة في واشنطن ومحاولات لاكساب الأمور معنى من خلال ايجاد أعداء جدد".


وكيسلياك الذي يحمل إجازة في الهندسة، التحق بالسلك السوفياتي الخارجي كخبير في التجارة وقضايا تتعلق بمراقبة التسلح النووي. وعمل ديبلوماسياً روسياً في الولايات المتحدة على مراحل متقطعة منذ وصوله الى البعثة السوفياتية في الأمم المتحدة عام 1981.
ومن هناك، ارتقى بهدوء الوظائف وصولاً الى منصبه الحالي في واشنطن، الذي يعتبر الموقع الثالث الأكثر أهمية في جهاز السياسة الخارجية الروسية.


وبحلول 1985، كان السكرتير الاول في السفارة الروسية في واشنطن. وبعد ذلك بأربع سنوات، عين نائباً لمدير قسم المنظمات الدولية في وزارة الخارجية الروسية. وعام 1991 نقل الى قسم التعاون الدولي العلمي والتقني، وصار لاحقاً رئيسا لهذا القسم قبل أن ينتقل الى مسائل نزع السلاح عام 1995.


ومع أن هذه المسائل تدخل في نطاق اهتمامات الجواسيس عادة، تقول صحيفة "موسكو تايمس" إن كيسلياك كان أكبر من أن يكون شبحاً، موضحة أن "الجيران"، وهو اللقب الذي يعطيه الديبلوماسيون الروس للجواسيس، يطيرون عادة تحت الرادار، ولكن كيسيلياك كان دائماً في الصدارة، أو على الاقل الرقم الثاني، أينما حل. ومنذ 1998، صار ديبلوماسياً مهنياً، وهو الان على أبواب التقاعد.
بالنسبة الى مسؤولين روس، تندرج لقاءات كيسلياك مع مسؤولين أميركيين في اطار مهمته في محاولة لاستيضاح آرائهم ونقل مواقف موسكو.
ووصف الناطقة باسم وزارة الجارجية الروسية ماريا زاخاروفا الاتهامات للسفير بأنها "عيب".
بدورهم، يعتبر صحافيون روس معارضون الفضيحة التي ورط فيها كيسيليك بأنها غير منصفة.


وينقل موقع ديلي بيست عن ستانيسلاف بلكوفسكي، وهو محلل على قناة "رين" المستقلة أن"الأمر لا يتعلق بكيسلياك...الامر يتعلق بالسياسة الاميركية الداخلية، ومحاولة يائسة للتخلص من المدعي العام سيشنز".


Monalisa.freiha@annahar.com.lb
Twitter: @monalisaf