اعتبار المسيحيّين مجموعة والمسلمين مذاهب خطير

ثلاثيّة التعليقات على إحياء "الارثوذكسي" الذي هدّد به رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل تنتهي اليوم بأمل أن يدرس واضعوه والمبشّرون به، وغالبيّتهم من الذين يؤمنون فعلاً بدولة لبنان العيش المشترك، نتائجه على الوطن والدولة. أوّل التعليقات اليوم قد يكون على نيّات مبيّتة أو أحلام يعتبر أصحابها أن ما يجري في المنطقة هو في أحد وجوهه انفجار لخلافات مزمنة جدّاً وأحقاد دفينة طمستها الأنظمة الاستبداديّة التقدّمية والمحافظة. وأنه يعبّر عن حقيقتها وسينتهي عندما يقرّر كبار العالم ذلك بِصِيَغٍ لدوله تأخذ في الاعتبار استحالة حكم الغالبيّة للأقليّة بالقوّة مع حرمانها حقوق المواطنيّة، واستحالة استمرار حكم الأقليّة للغالبيّة وبالقوّة أيضاً، وأخيراً "استحالة" العيش المشترك بين الأقليّات ومع الأكثريّات. تبدأ هذه الصيغ باللاّمركزية الأكثر من إداريّة وتمر بالفيديراليّة. وهي صيغ راقية لكنها لا تناسب عالمنا الثالث لأنه متخلّف بالمقاييس العالمية، ولأنّها ستكون تقسيماً مقنّعاً. وتنتهي هذه الصيغ بالكونفيديراليّة وهي تجمّع لدول مستقلّة في كل شيء، وغالبيّتها في العالم كانت فاشلة مثل جامعة الدول العربية والاتحاد الافريقي وغيرهما. والاستثناء الوحيد الناجح حتى الآن هو الاتحاد الأوروبي. وعربيّاً يشكّل مجلس التعاون الخليجي استثناء لاستمراره. لكن التحدّيات أمامه كثيرة وقد تؤثّر على مستقبله. انطلاقاً من ذلك يعتبر التعليق الأوّل أن دولة للمسيحيّين أو كانتوناً شبه مستقل في فيديراليّة أو لامركزيّة موسّعة ليس "عيّيشاً". أولاً لأن الديموغرافيا صغيرة وموزّعة جغرافياً على دول عدّة. وثانياً لأن تجميع مسيحيّي المنطقة في كيان واحد مستحيل. وكان ذلك طموحاً للبعض في لبنان أو وهماً لا أدري في بداية حروب الـ 1975. لكنّه انتهى سريعاً باقتناع أصحابه باستحالته. فالعالم ينوء باسرائيل واحدة إصطناعيّة، ولا يريد "اسرائيلات" أخرى لأن الامكانات غير متوافرة والظروف مختلفة. أما الأقليّات المُسلمة الوازنة فقد يكون "استقلالها" جغرافيّاً أو حكمها لبلاد متنوّعة أقل صعوبة نظريّاً. لكن هل هو دائم؟ والجواب كلّا. لأن هذا الاستقلال سيكون مصطنعاً ومعتمداً على خارج ما. والتاريخ البعيد يعلّمنا أن تجارب كهذه تنتهي عادة بمجازر.
وثاني التعليقات ولكن ليس على "الارثوذكسي" مباشرة بل على اقتراح "الرئيس" باسيل اعتبار المسيحيّين المُنتمين إلى مذاهب مختلفة مجموعة دينيّة – سياسيّة واحدة، مع إبقاء التعامل مع المسلمين كمذاهب أربعة هو أنه يفتح الباب واسعاً أمام تغيير الطائف والبند الأهم فيه للمسيحيّين أي "المناصفة". هذا الاقتراح سيكون الخطوة الأولى نحو "المثالثة" التي يرفضها المسيحيّون والسُنّة، والتي يظن بعض هذين الشعبين أنها هدف "الثنائيّة الشيعيّة" الحاكمة. علماً أن التطوّرات الجارية في المنطقة تدفع الأخيرة وهي الأقوى إلى ترتيب أوضاعها في لبنان بقوة ودقّة كي تتمكّن عند بدء مرحلة الحلول للأزمة الأكبر سوريا من تكوين وضع في بلادها يحميها ويناسبها. والمطلوب أن يحمي الآخرين أيضاً ويناسبهم. والاعتقاد السائد عند كثيرين أنها تحرص على هذا الأمر. ولهذا السبب لفتت حليفها باسيل إلى أبعاد اقتراحه. والمفاجئ أنه فوجئ بذلك إذ لم يفكّر فيه هو الذكي باعتراف الجميع. علماً أن المذاهب المسيحيّة الأخرى (غير المارونيّة) لا تنظر باستحسان إلى الاقتراح المذكور لأنها تعتبر أنه يهمّشها ويكرّس قيادة الموارنة لها. وكثيرون منهم لا يعتقدون أن قيادتها المزمنة بفعل العدد كانت كبيرة النجاح رغم أنهم كانوا معها ولم ينتقدوها إلّا بعد فشلها بل هزيمتها.
أمّا ثالث التعليقات وآخرها في هذه الثلاثيّة هو اعتقاد لبنانيّين كثيرين بينهم مسيحيّون أن اعتبار رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون الحكومة الحالية لا تمثّل "عهده" كان خاطئاً في حقّه وحق "عهده" والمسيحيّين وكل الشعوب في البلاد. واعتباره انطلق من اقتناع بأن انتخابات ستجري بعد أشهر وبأن مجلس نواب أقرب إلى طروحاته سينبثق منها، وبأن الحكومة التي سيؤلّفها ستكون له ولحلفائه وستمكّنه من تنفيذ برنامجه. وكان يجب أن يضع في حسابه، باعتبار أنه يعرف لبنان أو يفترض أن يعرفه، احتمال بقاء حكومة الحريري سنة أو ربما أكثر في حال تأخّر الانتخابات النيابية أو عدم إجرائها للأسباب المعروفة. طبعاً لا يرمي هذا الكلام إلى الاساءة إليه بل إلى دعوته مع "تيّاره" وحلفائه القدامى والجُدد من مسيحيّين ومسلمين إلى تسهيل الاتفاق على قانون انتخاب، وإلى إجراء الانتخابات في سرعة تلافياً للفراغ وسيّئاته على الجميع.


sarkis.naoum@annahar.com.lb