بين "علي" ورأس بيروت قصة لن تنتهي

علي منتش

لم يتخلص علي من البرد الذي قتله في بلس احد شوارع رأس بيروت. هو قابع في براد احد المستشفيات التي لن تسلم جثته ما دام لا اهل يطالبون.
اسرار علي عبد الله التي لا يعرفها حتى من عرفه متشردا على مدى السنوات الثلاثين الماضية، توفيت معه. ماتت على رصيف بلس. اسرار بقيت سجينة هدوئه، وسكوته المدوّي.
مات مع سيجارته وفنجان قهوته اللذين لم يكونا يفارقاه. كثيرون ممن عرفوه يقولون انه لم يكن متسولا، ولم يكن يمد يده لأحد. هم يعتقدون انه كان مثقفا. كان يطالع في بعض الاوقات "في كتب لا نعرف من اين يحصل عليها". يتذكره كل من سار في التظاهرة المنددة بإقفال مسرح بيروت.
كان علي قليل الكلام، وبالتأكيد لم يكن يعمل "كان يحصل على طعامه من طلاب الجامعة الاميركية، ومن بعض المحال في بلس من دون ان يطلبها".
بعض سكان رأس بيروت يؤكدون انه عاش على الرصيف الذي مات عليه، منذ عام 1982. عاش الحرب الاهلية ولم يتأذ. عاش في الحمرا ليصبح جزءا اساسيا من مشهدها. تحمّل كل ما كان يقال فيه. قيل عنه خلال فترة الحرب انه عميل ويحتال على اهل المنطقة. ثم قيل انه فقد عقله بعدما شاهد "اغتصاب زوجته وابنته خلال الاجتياح الاسرائيلي". لا شيء مؤكدا. ربما لديه اهل ولا يعرفون عنه شيئا، تقول احدى منظمات التحرك الذي سيقام ظهر الاحد تكريما له.
كثر تعرّفوا الى علي بعد وفاته. او "بعد استشهاده" كما يفضلون ان يقال. وكثر ايضا كانوا يعرفونه مسبقا. يتحدثون عن الصدمة التي عاشوها عندما ادركوا انه غادرهم الى مكان ما يشبهه "غامض مثله". يتقاسم من عرف علي مسؤولية ما حصل له، "نحن، والدولة، والمجتمع، ومنظمات المجتمع المدني، كلنا نتحمل المسؤولية".
كتب علي بدران عبر الفايسبوك "كيف لم أنتبه أنّه على بعد مئة متر منّي، هناك من يموت من شدّة البرد".
لم يستطع احد تفسير علاقته بالجامعة الاميركية وطلابها. كان قطعة منها. يتحدث البعض عن انه كان دكتورا في الفيزياء في الجامعة الاميركية، لكن كل ذلك يبقى مجرد اقاويل لم تجد من يؤكدها.
احيانا كثيرة ساعد طلاب الاميركية ذاك المتشرد، ويبدو انه سيرد لهم الجميل. فاذا لم يطالب احد بجثة علي، ستصبح مادة للابحاث العلمية.
الاحد ظهرا، سيتجمع اصدقاء علي ومعارفه، ليطلقوا صرخة لا تخلو من الالم والندم. وليؤكدوا انه ليس هناك اي ضرورة لنفقد كل يوم علي جديدا. الاحد ستبدأ سلسلة تحركات تطالب الدولة ووزارة الشؤون الاجتماعية والمجتمع المدني بتحمل مسؤولية.