"الوطواط" قتلته الخرافات وأحيته الدراسات... مُهدّد بالإنقراض وله "ليلة عالمية"

رمزي مشرفية

غالباً ما يرتبط ذِكر الحيوان الثديي الوحيد الذي يستطيع الطيرا ، اي "الوطواط" أو "الخفّاش" بالخرافات والأقاويل القديمة الخاطئة التي نسجت حول هذا الحيوان، ومنها ان "الوطواط" مصاص للدماء أو انه يهاجم الانسان ويتغلغل في شعره. أفكار وصور تستحضر عوالم السحر والشعوذة، إلاّ أن المعطيات والدراسات العلمية دحضت كل هذه الخرافات والأقاويل القديمة والخاطئة. كل ذلك يترافق مع المجازر التي استهدفت وتستهدف الطيور المهاجرة، أضف الى تعرّض المغاور والكهوف في لبنان لاعتداءات متعمّدة، وكأنّ العبث والفوضى سِـمَتان غالبتان تلازمان تصرفاتنا حيال الحياة البرية، أو أن ثمة من لا يرغب في أن يرى جناحاً يخفق ويحلق عالياً، حتى ولو كان خفاشاً (وطواط)، بعدمل كثرت في السنوات الماضية الأخيرة تعديات استهدفت مغاور تعتبر مستعمرات لأنواع كثيرة من الوطاويط.
فالوطواط ليس كائنا أعمى، كما يعتقد العامة او كما اشيع طويلا حول هذا الكائن، وجميع انواع الوطاويط تبصر جيداً ولا سيما وطاويط الفاكهة، لكن الوطاويط الآكلة للحشرات تعتمد كثيراً على الاهتداء بالصدى لتجد غذاءها في الظلام الدامس، لنجد أن الوطواط كائن له دور ووظيفة في تناسق طبيعي يسترعي الاهتمام والمتابعة.



 


أبو سعيد
يؤكد رئيس "مركز التعرف على الحياة البرية" الدكتور منير أبو سعيد لـ "النهار" ان "الوطاويط لا تتشابك بالشعر ولا تؤذي العيون". ويوضح أنه "في الماضي عندما كان الناس ينامون في الكهوف كان يسقط بعض صغار الوطاويط احيانا من سقف الكهف فتتمسك بأي شيء عند سقوطها". ويضيف ان "الوطواط مصاص الدماء غير موجود في لبنان"، مشيراً الى ان "الوطواط مصاص الدماء لا يمص الدم وإنما يلعقه". واعتبر ان "ثمة مفاهيم خاطئة على مستوى العالم حول الوطواط تم استخدامها وتضخيمها وتوظيفها في السينما". وحول الخوف من ان الوطواط ينقل الى الانسان داء الكلب، قال: "تحمل الوطاويط أمراضاً كغيرها من الحيوانات، وفي لبنان ليس ثمة امراض تشكل خطرا على الانسان". ولفت الى ان "هناك نوعا واحدا من الوطاويط هو ناقل رئيسي لمرض داء الكلب لكنه غير موجود في لبنان"، منوها بأن "الكثير من الثدييات يمكنها نقل هذا الداء"، مؤكداً ان "0.5 من الوطاويط قد تعض في سبيل الدفاع عن نفسها ولا تشكل تهديداً للإنسان الا اذا لمسها". ولفت الى ان "البروتين المضاد للتخثر المستخرج من لعاب الوطواط المصاص للدماء يذوِّب جلطات الدم الخطرة بسرعة اكبر بمرتين من اي مادة قيد الاستعمال حالياً، وأن لعاب الوطواط يحتوي مخدراً يخفض إحساس الحيوان بالوخز".


الوطواط والتوازن البيئي
في دراسة أولية تسلط الضوء على اهمية الوطواط في التوازن البيئي، اشارت الى انه عدو طبيعي للحشرات. قتلته الشائعات والخرافات والممارسات التي لا تزال تربط صورته بأفلام الرعب، وبمصاص الدماء، إحدى الشخصيات التي كنا نشاهدها في السينما وهي عديدة جدا مثل أفلام "دراكولا" الذي نشر الرعب بين أهل أوروبا في القرون الغابرة. ففي جزيرة سردينيا كانوا يعتقدون أن مصاص الدماء هو رجل ميت يعيش في تابوت الموتى ويفيق ليلاً ليمتص دماء ضحاياه ويتحول إلى وطواط ويطير! ولا نعلم ان الوطاويط هي العدو الطبيعي للحشرات، وتقوم بتلقيح حوالى 400 نوع من النباتات والفاكهة، منها التين والمانغا، وتفرز أيضاً سماداً غنياً بالنتروجين يطلق عليه جوانو (guano) .
إلا انه ما يثير المخاوف هو ما نشهده من تدمير للكهوف والمغاور في سائر المناطق اللبنانية، بفعل المقالع والكسارات التي دمرت العديد من المغاور، فضلا عن العبث بالكهوف من قبل عابثين يشعلون فيها النيران ويعمدون الى قتل الوطاويط لمجرد التسلية، في حين تصرف أموال كبيرة للمحافظة على الوطاويط في أوروبا وتنشأ لها محميات خاصة. فعلى الرغم من أن وزن الوطواط يقارب الـ 170 غراماً، فإن باستطاعته أن يأكل 500 غرام من الفاكهة أو الحشرات كل ليلة، أي حوالى ثلاث مرات وزنه. لا دراسات عن الوطواط في لبنان وقد سلّط green area الضوء على هذا الحيوان الذي يعتبر الوحيد بين الثدييات القادر على الطيران، بحيث تتحول أيدي الوطاويط وسواعدها الى أجنحة تطير بها وتنتقل في السماء المظلمة لمسافات طويلة جدا. ومن المفارقات الغريبة أن العلم لم ينجح إلى الآن في القضاء نهائيا على الحشرات والمبيدات كما فعلت الوطاويط. ففي روما تكاثر البعوض، لذلك عملت بلدية روما ووزارة الصحة على تشييد كهوف اصطناعية لتجلب إليها الخفافيش، آكلة البعوض. وفي بعض محلات مبيعات لوازم الحدائق، يباع "بيت الوطواط" أوBox Bat، ليوضع على سطح المنزل لكي يجلب الوطاويط.
ويؤكد أبو سعيد أن "لا دراسات عن الوطاويط في لبنان، باستثناء ما ذكره الدكتور جورج طعمة في بعض دراساته ومؤلفاته"، وأشار إلى "اننا كنا قد بدأنا العمل قبل نحو ثماني سنوات مع متخصصين من جامعة "تشارلز" في تشيكيا لاستكشاف انواع الوطاويط في لبنان.



 


آكلة الحشرات
وعن الفائدة المتوخاة من الوطاويط، قال: "في الاعوام الماضية الى الآن اكتشفنا مع الفريق التشيكي نوعين منها لم يكن ثمة من يعلم انها موجودة في لبنان، ويمكن ان يكون هناك عدد اكبر لأن ليس ثمة دراسة وافية حتى الآن، فضلاً عن ان احداً لم يتطرق الى الوطاويط كعلم ودراسة في لبنان، بمعنى ان اهمية الدراسة تنطلق من أهمية ان نعرف انواع الوطاويط الموجودة والمخاطر التي تتهددها والتي تؤكد أهمية التنوع البيولوجي في لبنان، وثانيا، توعية المواطنين على اهمية الوطواط. فعلى سبيل المثال هناك نوع صغير منها يقتله المواطنون خلال التدرب على الصيد خلال فترة الغروب، وهم لا يعرفون ان هذا الوطواط يلتهم 600 حشرة في الساعة الواحدة، وأهمية وجوده تكمن في الحد من استخدام المبيدات". وقال: "هناك انواع تلتهم حشرة العث، والوطواط الذي يظهر اول الليل يلتهم البعوض، وهناك 70 في المئة من أنواع الوطاويط تتغذى على الحشرات والبعوض وهي من المفترسات الأساسية للحشرات الليلية. أما الوطاويط آكلة الفواكه فهي ضرورية لتلقيح الزهور ونثر بذور العديد من النباتات والأشجار مثل النخيل والتين وغيرهما".
أخيراً، لا بد من الإشارة أن للوطواط ليلة عالمية يقوم "مركز التعرف على الحياة البرية في عاليه" تحت عنوان (ليلة الوطاويط العالمية)، وتأتي في سياق أنشطة تقام بالتزامن مع بعض الدول في مختلف انحاء العالم، وذلك بالتعاون مع مؤسسات المجتمع الأهلي من جمعيات وأندية من كل المناطق اللبنانية، فضلاً عن المؤسسات التربوية.




ر