الله يرحم الرجال!

التدنّي في مستوى الفن والإعلام والثقافة لم يوفر السياسة ولا مستوى التعامل معها كما لم يوفر بكل صراحة مستوى العاملين فيها.
فأين شرعة حقوق الانسان التي ساهم في وضعها شارل مالك؟
أين دستور استقلال ميشال شيحا؟
أين قوانين عهد فؤاد شهاب؟
أين الرجال كالرئيس كميل شمعون والرئيس فؤاد شهاب؟
أين زمن لبنان في الأمم المتحدة، زمن غسان تويني؟
نحن محاطون اليوم بزعماء حروب يعيّنون محازبيهم وأنصارهم نواباً ووزراء وفِي مناصب الدولة. وقد أصبح المعيار لتعيينك مما يسمى بالأحزاب، إما أن تكون من مموليها وتمتلك الأموال لصرفها، وإما أن تكون من "الزلم" المطيعين فتعيد كلام الزعيم من دون نقاش.
أين رجال الفكر؟ أين رجال الدولة؟ أين رجال القوانين والدستور المقدس؟ أين رجال المواقف؟
أصبحت السياسة رخيصة جداً لسوء الحظ. فلا مبدأ ولا منطق ولا مستوى. ولكي لا نعمم ولا نشمل، فإن هناك اشخاصاً نادرين ممن يمتلكون ما يجب من الكفايات والمستوى اللائق بالعمل العام والخدمة العامة، ولكن هؤلاء يسيطر عليهم من عيّنهم، ولا يمكنهم التغيير أو فعل أَي شيء لأنهم مدينون لزعماء الطوائف والحروب بوصولهم!
رحم الله الرجال الرجال، إذ انتقلنا من زمن فؤاد شهاب وميشال شيحا الى زمن أزمات النفايات والمافيات والتمديدات. أصبحنا في زمن صار فيه الأكثر نجومية واستماعاً هو السياسي المضحك والساخر لأنه يضحك المواطن الذي يجب ان يبكي على وضعه، فلا أحد يجذبه كالسياسي المضحك، لا السياسي الجدي الذي فقد جديته وصدقيته. إن النجومية صارت لسياسيين يتقنون التحريض والتطرف والضرب على العصبيات الطائفية والمذهبية.
نقول ذلك لأننا نفتقد بشدة صورة رجال الدولة الذين لا يقيمون اعتباراً إلا لاقامة مجتمع ودولة يليقان بشعب انتظر طويلاً وعانى ما عاناه من أزمات بسبب ما يسمى الطبقة السياسية التي لم تكن على مستوى تضحياته. ومن حق اللبنانيين ان يخافوا على مستقبلهم ومستقبل أجيالهم الشابة متى رأوا أن همّ الطبقة السياسية اليوم هو تقاسم الحصص والمقاعد النيابية قبل وضع قانون انتخاب جديد، بل انهم يعينون النواب سلفاً قبل القانون وقبل الانتخابات. وما يجري هو أكبر عملية محاصصة الى حدود تهدد بالفراغ في مجلس النواب الممدد لنفسه مرتين، بل هو تهديد للنظام الدستوري في حال وصلنا الى الفراغ والمجهول.
في زمن لم نعد نصدّق فيه أحداً، وفي زمن أصبح انتخاب رئيس بعد سنتين ونصف سنة إنجازاً، نترحم على الرجال الرجال.
وفي زمن أصبحنا نلغي بعضنا بعضاً، رحم الله الرجال وكان في عون شعب وصل مستوى نوابه ووزرائه الى أدنى المستويات.


michelle.tueni@annahar.com.lb / Twitter:@michelletueini