القطاع الصناعي يحتضر في غياب المعالجات... و"سوليفر" مثالاً!

منذ 4 أعوام ضجّ القطاع الصناعي بخبر بيع مصنع "سوليفر" للزجاج لـ"مجموعة ماجد الفطيم" الاماراتية، بما اضطر رئيس مجلس ادارة الشركة عزت قدورة الى عقد لقاء موسع مع زبائنه وعدد من الوزراء المعنيين لطمأنتهم الى عدم صحة الخبر. ولكنه في الوقت عينه وضع الوزراء بصورة الوضع الذي يعانيه "سوليفر" في ظل المنافسة الشرسة.
في تلك الفترة كان "سوليفر" يعاني ولكنه لم يصل الى حد الاقفال او البيع رغم أن قدورة لم ينف لـ"النهار" في حينه أن عدداً من المعنيين في "مجموعة الفطيم" سألوه عن امكان البيع، "ولكن ردنا كان الرفض في الوقت الحاضر، لأنه لا يمكننا ترك 25 معملاً للعبوات الزجاجية والمشروبات من دون توفير البديل".
لم يكن قلق قدورة يقتصر على المعامل التي يرفدها بالزجاج، بل يتعداه الى العمال والموظفين في شركته والشركات الاخرى التي يتعامل معها "لا يمكنني التسبّب بقطع ارزاق كل هؤلاء وبينهم الـ400 موظف الذين يعملون في شركتي من دون توفير البديل لهم".
ولكن "المحظور" الذي كان قدورة يؤجله منذ أعوام، وقع أخيراً. فهو كان دائم القلق من انهيار صناعته والصناعة اللبنانية عموماً في ظل المنافسة الشديدة التي تواجهها صناعة الزجاج عموماً من البضائع المستوردة بأسعار منافسة، في مقابل هشاشة الدعم الذي تقدمه الدولة اللبنانية للصناعة المحلية".
واذا كان الشاري متوافراً في تلك الفترة من دون أن تكون نيّة البيع لدى قدورة متوافرة، إلاّ أن الاخير قرر هذه المرة الاقفال من دون أن يلتفت وراءه بعدما أجرى حسابات الربح والخسارة، فكان القرار "المر" بغية الحد من خسائره التي كانت ستتراكم حتماً لو أجّل عملية الاقفال الى وقت لاحق... "كل استثماراتي في لبنان بعتها، في انتظار أن يأتي مستثمر ما لشراء "سوليفر".
وفيما تحدث بحسرة عن تعامل الدولة مع الصناعة الوطنية، اشار الى ان لديه استثمارات عدة في دول افريقية واسبانيا، "استثماراتي ناجحة في كل هذه الدول، اذ يكفي ان تدفع ما هو متوجب عليك حتى تحظى بالحماية والاحترام. ولكن، للاسف هذا التعامل غير متوافر في لبنان". من هنا يؤكد أنه سيركز على استثماراته في تلك البلاد، إذ لا جدوى من الاستثمار في لبنان لأنه لا وجود للدولة".
ولا يبدي اسفاً على بيع "سوليفر"، وذلك انطلاقاً من فقدانه الأمل في هذا البلد. "أنصح كل الذين ينوون الاستثمار في لبنان الاستحصال على الضمانات الكافية وعلى المدى البعيد".
عندما اشترى قدورة المصنع في الثمانينات كان على اساس أنّ ثمة دعماً من الدولة على صعيد توفير الكهرباء 24/24، ووضع رسم جمركي على البضاعة المستوردة للحد من المنافسة. ولكن، بعدما "تورط" في الاستثمار في لبنان، بدأت الامور تتضح له، إذ لا كهرباء مؤمنة، ولا حماية أو دعم للصناعة المحلية في حين ان ابواب الاستيراد مشرّعة لأي بلد بلا ضريبة جمركية.
اذاً، جاء قرار اقفال معمل "سوليفر" نتيجة فقدان القدرة التنافسية التجارية لديه وبسبب اغراق السوق اللبنانية ببضائع اجنبية من دون ضوابط جمركية، "لا يمكننا منافسة الزجاج المستورد من الدول الخليجية، وكذلك من الدول المجاورة وتحديداً من مصر وسوريا وتركيا. يضاف الى ذلك، غياب اي استراتيجية صناعية جدية لدى الدولة لدعم الصناعات الثقيلة والتي تعتمد بشكل مكثّف على الطاقة Energy Intensive. فمصنع "سوليفر" وبسبب عدم توفير الكهرباء 24/24، اضطر الى انشاء محطة كهرباء خاصة يعمل فيها ما بين 30 و40 موظفاً، وهذا من شأنه أن يرفع كلفة الانتاج كثيراً، وفق ما يقول قدورة.
مطالبة قدورة المسؤولين بالالتفات الى القطاع الصناعي ليست جديدة، إذ تعود الى اول حكومة للرئيس رفيق الحريري سنة 1992، وهو سمع الكثير من الوعود بالمحافظة على القطاع من وزراء الصناعة والاقتصاد، ولكنهم لم يفعلوا شيئاً ًَمنذ 25 عاماً وحتى الآن". ولم تقتصر مطالبته على المسؤولين في الحكومة، بل كان على تنسيق مستمر مع جمعية الصناعيين، مؤكداً أنه اقترح مرات عدة عليهم الدعوة الى الاضراب، ولكن "لا حياة لمن تنادي".
المعمل توقف عن العمل كلياً في ما عدا بعض الطلبات للزبائن التي يتم العمل عليها والتي سيتم انجازها في مدة أقصاها شهرين، لذا استبقينا بعض العمال لإنجاز هذه المهمة من أصل نحو 270 عاملاً لبنانياً ثابتين و60 عاملاً اجنبياً.
فما هي الخسائر التي تكبّدها المصنع ليتخذ قرار الاقفال؟ يؤكد قدورة أن "خسارتنا مقبولة ويمكن تعويضها خلال 6 اشهر، اذا سارت كل الامور على ما يرام. ولكن حساباتنا المستقبلية بينت أنه لا يمكننا الاستمرار وستزداد خسائرنا حتماً في ظل الوضع الحالي".
ووفق المعلومات المتوافرة لقدورة، يبدو ان مصنعه ليس المصنع الاول الذي أقفل أبوابه، وحتماً لن يكون الاخير. إذ يؤكد لـ"النهار" أنه منذ عامين وحتى الآن أقفل نحو 80 معملاً، وسينضم اليها نحو 30 معملاً حتى آخر السنة.


الجميل: الإقفال غير مفاجئ!
لا يستغرب رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل قرار قدورة اقفال مصنعه، إذ أن "زيادة التكاليف وارتفاع كلفة الطاقة التي تشكل بين 27 و35% من سعر المبيع، واغراق السوق المحلية بالمنتجات المدعومة من دولها اضافة الى انخفاض الصادرات نتيجة اقفال الحدود بما يزيد عن مليار دولار في الاعوام الثلاثة الاخيرة، كلها أمور تجعل الصناعي يستسهل اقفال مصنعه للحد من خسائره". وإذ أشار الى أن وزير الصناعة حسين الحاج حسن يتمتع بالجرأة الكافية لاتخاذ قرارات تدعم القطاع الصناعي، إلاّ أنه في بعض الاحيان يجب أن تواكب هذه القرارات إجراءات أو سياسة حكومية، مشيراً في هذا السياق الى رؤية جمعية الصناعيين لتحفيز الاستهلاك وتشجيع الاستثمارات تقوم على 6 نقاط: إقرار خطة إصلاح وتفعيل الادارة على مراحل وضمن فترة زمنية محددة عبر برنامج إعادة تموضع الموظفين وتحويل الفائض الى الادارات المحلية، تحصين الوضع الاجتماعي في القطاعين العام والخاص، تحصين الاستقرار الداخلي الامني والاجتماعي، معالجة تداعيات اللاجئين السوريين، العمل بمبدأ الشركة بين القطاعين العام والخاص، اتخاذ التدابير اللازمة للتنفيذ ضمن برنامج زمني، وإطلاق رؤية واضحة لاستثمار النفط والغاز.


salwa.baalbaki@annahar.com.lb