من إيحاءات مواقف ترامب ولوبن "المسيحية"... فرصة معقّدة لمسيحيي لبنان

من غير المرجح ان تعيد مواقف الرئيس الاميركي دونالد ترامب التي برر بها اتخاذه قرار حظر سفر مواطني 7 دول اسلامية قبل ان يتم نقضه، بدفاعه عن المسيحيين الذين يقتلون في المنطقة للمسيحيين في لبنان اولوية استعادة ما يعتبرونه حقوقا كاملة على نحو يعيد صياغة اتفاق الطائف او يعيد لبنان الى زمن ما قبله. والامر نفسه ينسحب على زيارة مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن لبيروت في ظل ارتفاع حظوظها بالفوز في معركة الانتخابات الرئاسية الفرنسية انطلاقا من مواقفها المتشددة ازاء المسلمين. ففي ظل هذا وذاك من المواقف ثمة من يخشى ان يكون لمثل هذه المواقف انعكاسات سلبية على المسيحيين في المنطقة وليس تعزيزا او حماية لهم في ظل سريان هامش التطرف وتصاعد مخاطره. السؤال يثيره البعض من زاوية الزخم المسيحي منذ المصالحة بين الثنائي العوني - القواتي وانتخاب الرئيس العماد ميشال عون في ظل مشاريع قوانين للانتخاب تسعى الى استحواذ الثنائي على معظم المقاعد المسيحية. ليس واضحا اذا كان وراء الاندفاع بثقة من جانب الثنائي المسيحي لاستغلال فرصة ذهبية بعد انتخاب عون بالسعي الى قانون انتخاب عادل بالنسبة الى ما يراه الثنائي تحديدا (باعتبار ان للافرقاء المسيحيين الآخرين وجهة نظر اخرى) بناء على القدرة على توظيف دينامية ساعدت في استعادة رئاسة قوية، او بناء على القدرة على الرهان على استمرار تصاعد الخلاف السعودي - الايراني في المنطقة وابراز الفريق المسيحي الى الواجهة بدلا من الصراع المباشر. ثمة من يسأل اذا كان وراء الرهان على دعم خارجي لاستعادة وجود سياسي مسيحي قوي في المنطقة يتصل ايضا بحسابات حول الحفاظ على وجود سياسي وقوي وفاعل لأقليات اخرى في الجوار في مرحلة حلول مقبلة استنادا الى المقولة التي تبني على ان لبنان يستمر في ان يكون نموذجا محتملا لدول المنطقة من حيث الحل لإنهاء الحرب الطويلة فيه. لكن هناك نقزة اثارها ولا يزال هذا المسعى المسيحي لدى كل الافرقاء وسلط الضوء عليها اعتراض النائب وليد جنبلاط في بادئ الامر وسط محاولة انتزاع النواب المسيحيين من كتلته في الجبل وتقسيمها بين دروز ومسيحيين قبل ان ينسف الثنائي الشيعي صياغة للقانون المختلط تسعى الى تكريس ثلث المجلس النيابي للثنائي المسيحي.


لا ينفي احد حق الثنائي المسيحي بالسعي الى تحقيق مصالحه السياسية ايا تكن طبيعتها ولا سعيه كذلك الى اعتبار الظرف مناسبا لذلك على نحو قد لا يتاح مرة اخرى او على الاقل السعي الى تحصيل الحد الاقصى الممكن من خلال رفع السقوف الى ابعد ما يمكن للحصول على ما قد يكون ممكنا. تجاوز الوضع المحاولات الاولى لذلك لكن السؤال الاساسي يتصل بما اذا كان الثنائي المسيحي يسعى في ظل رئاسة الرئيس عون الى استعادة المارونية السياسية ان لم يكن بالدستور او القانون فعبر اعراف او ممارسات جديدة يخشاها سياسيون كثر او يستشعرونها في مواقف رئيس الجمهورية على غرار المواقف التي يعتمد من اجل الضغط للوصول الى قانون جديد للانتخاب وفق ما يفهم ذلك المتحفظون من دون ان ينفي ذلك خشيتهم من الوصول الى الهاوية بدلا من استمرار اللعب على حافتها. فهذا يرد على ألسنة الافرقاء السياسيين وراء الكواليس على قاعدة ان القوة المسيحية الجديدة التي يتم التعبير عنها بقوة وربما ايضا بخطاب لا يخلو من الاستعلاء احيانا لا يمكن ان يتحملها الواقع السياسي حتى من جانب من دفع بوصول الرئيس عون الى الرئاسة الاولى. وهذه النبرة يلحظها كثر لدى التيار العوني اكثر من "القوات اللبنانية" لكن يلاحظ مماشاة الاخيرة له. والسؤال الاساسي الذي قد يبرز من خلفيات السعي الى كتلة حاسمة في مجلس النواب اذا كان هناك نية لامتلاك القرار السياسي من دون الحاجة الى الحلفاء او بالتعبير عن القدرة عن الاستغناء عنهم حين الضرورة. وهذا غير محتمل من جهة كما ان هناك من جهة اخرى ما يستشعره الافرقاء الآخرون من معركة رئاسية فتحت باكرا جدا على لسان رئيس الجمهورية الى احدى المحطات الفرنسية وعملا في ما يلاحظه او يسجله هؤلاء الافرقاء في المساعي لتسجيل حصرية استعادة حقوق المسيحيين ومحاربة كل الافرقاء المسيحيين الآخرين. ويجري ذلك كله في الوقت الذي بدأت ترتسم علامات مقلقة بالنسبة الى اطراف مؤثرين مثل "حزب الله" في ظل الحشرة التي بدأت تستشعرها ايران نتيجة وصول ترامب الى البيت الابيض ومواقفه منها واعتماده خطا مماثلا لسلفه في موضوع تنظيم الدولة الاسلامية لكن مع مسايرة كبيرة للدول العربية ولمطلب اقامة مناطق آمنة في سوريا الى جانب اولويته المتصلة باسرائيل. هذا لا يعني في المقابل ان ثمة ارتياحا للمسعى المسيحي لدى "تيار المستقبل". اذ ان السؤال الذي طرحه سياسيون فور رؤية الدخول يدا بيد للرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع في احتفال "البيال" اخيرا ما الذي يعنيه ذلك عمليا وهل يطالب رئيس "القوات" بالمقاعد المسيحية لدى "المستقبل" مثلا وكيف يمكن ان يترجم اي تحالف بينهما في ظل الرغبة الاساسية في تحجيم حصة رئيس الحكومة من دون القدرة على تحجيم حصص الافرقاء الآخرين او استهداف المسيحيين في حصصهم.
لكن الامور ليست بالبساطة التي تبدو عليها الامور. فمجمل هذه الحسابات داخلية وتكتية اذا صح التعبير ومن المرجح ان وراءها حسابات اخرى يعبر عنها الصراع بواجهة مسيحية كما كان موضوع الرئاسة الاولى.


rosana.boumounsef@annahar.com.lb